الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
إسرائيل أنموذجاً .. الدولة القومية - الدينية المغلقة

بواسطة azzaman

إسرائيل أنموذجاً .. الدولة القومية - الدينية المغلقة

محمد عبد الجبار الشبوط

 

اثار انتخاب مايك جونسون لرئاسة مجلس النواب الاميركي، المنصب الثاني في هرم النظام السياسي، مخاوف من انبعاث القومية- المسيحية برعاية واضحة وقوية من قبل الرئيس الاميركي السابق ترامب وذلك بسبب المعتقدات الدينية المسيحية المتشددة لجونسون. وبهذه المناسبة نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الاميركية المناهضة للترامبية تقريرا مطولا عن افكار جونسون المبشرة بالقومية المسيحية. وجاء في التقرير الذي حمل عنوان «بالنسبة لمايك جونسون، الدين مقدم على السياسة»: «لقد وضع رئيس مجلس النواب الجديد عقيدته في قلب حياته السياسية، وانضم إلى مجموعة جديدة من المسيحية المحافظة التي يصفها البعض بالقومية المسيحية».

واشارت الصحيفة الى ان زملاءه احتفلوا  بترشيحه من خلال تعميم صورة له وهو راكع محني يصلي من أجل الهداية الإلهية مع المشرعين الآخرين في قاعة المجلس.

وفي أول خطاب له من المجلس كرئيس، ألقى  جونسون الضوء على صعوده إلى المركز الثاني في خط الرئاسة من الناحية الدينية، قائلاً: «أعتقد أن الله قد أمر وسمح لكل واحد منا أن يأتي إلى هنا من أجل هذا في لحظة معينة

ومن المعروف أن  جونسون، وهو جمهوري محافظ، معروف بوضع مسيحيته الإنجيلية في قلب حياته السياسية ومواقفه السياسية. والآن، باعتباره أقوى جمهوري في واشنطن، فهو في وضع يسمح له بحقن عقيدته بشكل مباشر في الخطاب السياسي الوطني، كما جادل لسنوات. وسبق له ان أعرب عن شكوكه بشأن بعض تعريفات الفصل بين الكنيسة والدولة، واضعًا نفسه ضمن مجموعة جديدة من المسيحية المحافظة التي تتوافق بشكل أوثق مع الرئيس  ترامب والتي يصفها البعض بالقومية المسيحية.

قال أندرو وايتهيد، عالم الاجتماع في جامعة إنديانا-جامعة بوردو إنديانابوليس: «يقدم رئيس البرلمان جونسون بالفعل مثالًا شبه مثالي لجميع العناصر المختلفة للقومية المسيحية». وقال إن هذه تشمل الإصرار على الهياكل الأسرية التقليدية، و»الارتياح مع السيطرة الاجتماعية الاستبدادية والتخلص من القيم الديمقراطية». وفي وقت سابق قال جونسون  إنه يعتقد أن «الاباء المؤسسين للولايات المتحدة  الاميركية  أرادوا حماية الكنيسة من الدولة، وليس العكس

و على طول حياته المهنية، كان  جونسون مدفوعًا بالاعتقاد بأن المسيحية تتعرض للهجوم وأن الإيمان المسيحي يحتاج إلى الارتقاء في الخطاب العام.

ويشير جونسون إلى إعلان الاستقلال باعتباره «عقيدة» ويصفه بأنه «بيان ديني للإيمان». وهو يعتقد أن جيله كان مقتنعا خطأً بأن الفصل بين الكنيسة والدولة منصوص عليه في الدستور.

وجهة نظر

في أول مقابلة له كمتحدث، وصف جونسون نفسه بأنه “مسيحي مؤمن بالكتاب المقدس”، وقال إنه لفهم سياساته، لا يحتاج المرء سوى “التقاط الكتاب المقدس من على الرف الخاص بك وقراءته. هذه هي وجهة نظري للعالم.» وفي عمود نشره عام 2006  انتقد جونسون «المدافعين الجادين عن الإلحاد والانحراف الجنسي». وكتب: «لقد أثبت هذا التحالف المترامي الأطراف من المتحمسين المناهضين لله فعاليته بشكل مخيف في إعادة تشكيل أمريكا في صورتهم الوحشية والمجردة من الإنسانية».

و قال النائب بايرون دونالدز، الجمهوري عن ولاية فلوريدا: «أن جونسون غالبًا ما يبدأ الاجتماعات باقامة الصلاة».ومع ذلك فهو لا يتردد من وصف حياته السياسية على أنها معركة مدفوعة إلهيا لوضع الدين في مركز السياسة الأمريكية وسن القوانين. ومن العنف المسلح إلى الإجهاض إلى الهجرة، تتشكل آراء جونسون السياسية من خلال اعتقاده بأن الكثير من الأميركيين «ينكرون وجود الله نفسه». وفي البودكاست الخاص به، والذي يشارك في استضافته مع زوجته، غالبًا ما يتحسر جونسون على ما يعتبره قمعًا للآراء الدينية في أمريكا.

وقال في إحد البرامج التلفزيونية: «ما وجدناه في كثير من الأحيان هو أن وجهة النظر المسيحية لا تحظى بمعاملة متساوية ومنصة متساوية وتكافؤ الفرص». «في كثير من الأحيان، تخضع وجهات النظر الدينية، وخاصة وجهات النظر المسيحية، للرقابة والإسكات.» وفي نفس الحلقة، قال جونسون إن الغاء الدين من المدارس العامة كان له «تأثير مأساوي»، مضيفًا: «الناس يفصلون بين ما هو ديني، بين علامتي الاقتباس وبين الحياة الواقعية، أليس كذلك؟» وهذا الانقسام لم يكن مقصودًا أبدًا من قبل الآباء المؤسسين.

وقال إن القائمين على المقابلات «المعادين» يسألونه في بعض الأحيان عن سبب تمثيله للمسيحيين فقط في عمله كمحامي يرفع دعاوى تتعلق بالحرية الدينية، وليس المسلمين أو اليهود على سبيل المثال. وقال: «أود أن أقول لأن الحقيقة بسيطة للغاية: لا يوجد جهد مفتوح لإسكات ومراقبة وجهات نظر الديانات الأخرى». «إن وجهة النظر المسيحية هي الوحيدة والدائمة التي تخضع للرقابة.» وأضاف: “الحقيقة هي أن اليسار يحاول دائماً إسكات أصوات المسيحيين”.وقد سجل أيضًا أكثر من ألف مقابلة في البرامج الحوارية الإذاعية والتلفزيونية -  تاركًا وراءه سلسلة طويلة من الكلمات التي تساعد في رسم صورة للمحافظ المتشدد الذي يشجع القراءة الحرفية للكتاب المقدس. في عام 2015، قدم  جونسون خدمات قانونية لمجموعة إجابات في سفر التكوين، وهي مجموعة مسيحية أصولية أسسها كين هام ترفض النتائج العلمية حول التطور والتاريخ المبكر للكون. تستشهد المنظمة بـ «كلمة الله» في قولها إن عمر الكون 6000 عام، وتشير إلى أننا «ببساطة تم تلقيننا عقيدة الاعتقاد بأن الكون يبدو قديمًا». يبلغ عمر الكون في الواقع حوالي 13.8 مليار سنة، كما يتفق علماء الفلك بشكل عام. ويقول: «إن لقاء الفلك هو إحدى الطرق لجلب الناس إلى هذا الاعتراف بالحقيقة، كما تعلمون، أن ما نقرأه في الكتاب المقدس هو أحداث تاريخية فعلية، وأن هناك آثارًا على ما تفعله بكل هذه القصص في الكتاب المقدس هناك.

الدين والقومية

الدين والقومية  مفاهيم متباينة تمامًا، حيث يعبر كل منهما عن توجهات مختلفة ومجتمعات متنوعة. يرمز الدين إلى العقيدة والمعتقدات الروحية التي يتم اعتناقها عن طريق الحب والايمان. وهو يقوم على القيم الروحية والمثل السامية التي تؤمن بها المجتمعات. علاوة على ذلك، يلعب الدين دوراً محوريًا في توجيه السلوك الإنساني وتشكيل القيم الأخلاقية والاجتماعية للمؤمنين. ومن المهم أن نلاحظ أن الدين يعبر عن ارتباطات مشتركة بين الأفراد في المجتمعات ويتغلب على حدود القومية.

هذا من جهة، والدين بهذا المعنى سنةٌ تاريخية من النوع الثالث، اي الاتجاهات التاريخية العامة، التي تشكل مع السنن الحتمية والسنن الشرطية ثلاثية السنن الحاكمة في التاريخ والمحركة له، حسب نظرية السيد محمد باقر الصدر. اما القومية  فهي مصطلح يستخدم في العلوم السياسية والاجتماعية لوصف الانتماء والولاء للأمة أو القومية الجماعية. يشير إلى الشعور بالانتماء والهوية الجماعية لمجموعة من الأفراد الذين يشتركون في أصول وتراث وقيم ومصالح مشتركة. تؤكد القومية عادة على الانتماء الجماعي والمعرفة بالثقافة والتاريخ المشترك والتعاضد والتضامن بين أفراد القومية. و تُعتبر  عنصرًا حاسمًا في تكوين الهوية الوطنية للشعب وقد تكون مصدرًا للفخر والولاء للأمة. ولا علاقة لذلك بوحدة الدم ونقائه، حسب اخر معطيات العلم الحديث. تختلف القومية عن الجنسية، بطبيعة الحال، فالجنسية تشير إلى الانتماء القانوني والقوانين المدنية لدولة معينة، في حين أن القومية تركز على الانتماء الثقافي والتاريخي والعاطفي لها.مفهوم القومية وتعريفها يمكن أن يكون معقدًا ومتنوعًا بحسب السياق التاريخي والثقافي والسياسي. قد يدعم القومية الوحدة والتعاضد داخل الأمة، لكنها قد تسبب أيضًا توترات وصراعات بين الأمم والمجتمعات المختلفة.وبينما قد يشترك الدين والقومية في بعض النواحي، مثل توصية الكثير من الأديان بالتسامح والاحترام المتبادل، فإنهما على أية حال يعبران عن مظاهر مختلفة من الانتماء البشري.

 

إذ تتجاوز الديانات الحدود الوطنية، وتضمن إيمانًا بالقيم الروحية الأساسية، في حين ينحصر التركيز الأساسي للقومية في المجموعة القومية المحددة.

مع أن كل مفهوم يحمل تأثيرًا دينيًا أو وطنيًا ضخمًا على الحقائق والتفاعلات الاجتماعية، إلا أنه من الأهمية التمييز بين الدين والقومية بوضوح. فالدين يعتزم إرساء القيم والتعامل مع الجوانب الروحية والمعنوية للحياة، بغض النظر عن الانتماء القومي، في حين تعنى القومية بتعزيز الهوية الوطنية والوحدة السياسية والتضامن بين ابناء القومية الواحدة.

لكن المشكلة تبرز عندما تتحول الديانات إلى قوميات، كما هو الحال مع اليهودية وبعض الاتجاهات الحالية في المسيحية، فتنشأ العديد من المخاطر التي قد تؤثر بشكل سلبي على المجتمع والعلاقات العامة.

ان التحول الدين إلى قومية يمكن أن يؤدي إلى التطرف والتشدد في الفكر والعمل. فعندما يتعاظم الشعور بالانتماء إلى قومية دينية، قد يتم استغلال هذا الشعور من قبل بعض الأفراد أو الجماعات للترويج لأجندات سياسية أو استخدام العنف كوسيلة لتحقيق أهدافهم. وهذا ينطبق على القومية اليهودية والمسيحية والإسلامية على حد سواء.

بالإضافة إلى ذلك، فإن زيادة التركيز على القوميات الدينية قد تؤثر على العلاقات بين أتباع الديانات المختلفة. يمكن للتطرف والانعزالية التي قد أن تصاحب هذه الظاهرة أن تؤدي إلى تفاقم التوترات المذهبية بين الأديان المختلفة وتحولها إلى صدامات مسلحة في أسوأ الحالات، كما حدث في يوغسلافيا السابقة وبقاع اخرى من العالم. علاوة على ذلك، يمكن أن يتعاظم الاحتقان بين المجتمعات الدينية المختلفة، مما يؤثر في العلاقات العامة ويتسبب في انعكاسات سلبية على الاستقرار الاجتماعي والسلم العام.

ومن المهم أيضًا أن ننظر إلى تأثير زيادة التوجه نحو القوميات الدينية على العلاقات الدولية. فعندما تصبح الديانات قوميات، يمكن أن تزيد حدة الصراعات الدينية في المناطق المختلفة، مما يؤدي إلى تفعيل توترات جديدة بين الدول وتسهم في تفاقم الصراعات الجيوسياسية. هذا يعني أن القوميات الدينية قد تكون خطرًا حقيقيًا على السلام العالمي واستقرار الأمن الدولي.

من المهم أن ندرك المخاطر التي يمكن أن تنشأ عندما تتحول الديانات إلى قوميات. تعزيز الوعي والتفهم المتبادل بين الأديان والثقافات المختلفة يمكن أن يسهم في تجنب هذه الخطورة وتحقيق السلام والازدهار المشترك.

 

القومية المسيحية

القومية المسيحية  مفهوم يرتبط بتعزيز الهوية المسيحية والمعتقدات الدينية كجزء من الدولة والأمة. وتستند فكرة القومية المسيحية إلى ارتباط الدين بالهوية الوطنية والتعبير عن العمق الروحي والتاريخ الديني للشعب.

تعزز القومية المسيحية القيم والتقاليد المسيحية وتشجع على تطبيق القوانين المسيحية في الحياة اليومية وفي تشريعات الدولة. يعتبر المؤمنون المسيحيون في هذا السياق أن دور الكنيسة يمتد إلى خارج المجال الديني ويتعامل مع جوانب أخرى من الحياة ، مثل الحكومة والقانون والسياسة.

يثير مفهوم القومية المسيحية العديد من النقاشات والجدل. فعلى الرغم من أنها قد تمثل قيماً ومعتقدات كبيرة لمجتمع معين ، فإنها في الوقت نفسه قد تكون مضادة لأفكار العلمانية والتعددية وحقوق الأقليات الدينية الأخرى.

يمكن أن يكون للقومية المسيحية تأثير على السياسة وصنع القرار في الدول التي تؤمن بها. قد تنعكس هذه القناعات في القوانين والتشريعات التي تفضل تعزيز القيم المسيحية في المجتمع. ومع ذلك ، يشير البعض إلى أن القومية المسيحية يمكن أن تؤدي إلى التمييز ضد الأقليات الدينية الأخرى وتنتهك حقوقهم.

لذا فإن القومية المسيحية قضية معقدة ومتنوعة يجب النظر فيها وفهمها من جوانب متعددة. يجب أن تحترم الحقوق المدنية لجميع المجتمعات والأديان ، بغض النظر عن القيم والمعتقدات الدينية الفردية لكل مجتمع. وعليه ، يجب أن تكون القرارات السياسية شاملة وتأخذ في الاعتبار التنوع الديني في المجتمعات الحديثة.

 

القومية اليهودية

مفهوم القومية اليهودية  قد لعب دورًا كبيرًا في تشكيل الخطاب والهوية المعاصرة للشعب اليهودي. ينبع هذا المفهوم من الارتباط التاريخي العميق بأرض إسرائيل والتراث الثقافي المشترك، حيث تسعى القومية اليهودية إلى إنشاء والحفاظ على دولة مخصصة خصيصًا للفرد اليهودي.

يمكن تتبع أصول القومية اليهودية إلى أواخر القرن التاسع عشر، عندما دعا القادة الصهاينة، مثل ثيودور هرتزل، إلى إقامة وطن يهودي. وجادلوا بأن اليهود، الذين واجهوا قرونًا من الاضطهاد والتمييز، يحتاجون إلى مكان يمكنهم فيه ممارسة دينهم بحرية وممارسة تقرير المصير الذاتي.

كان إحياء اللغة العبرية وإعادة إنشاء المؤسسات اليهودية وتعزيز الاستيطان اليهودي في فلسطين من أسس الحركة القومية اليهودية. تستهدف هذه الإجراءات إشعال شعور بالوحدة والهوية الجماعية بين الشعب اليهودي وتوفير ملجأ آمن لمن يبحث عن ملاذ من معاداة السامية.

تحقق حلم القومية اليهودية من خلال إنشاء  الكيان الصهيوني الغاصب في عام 1948. منذ ذلك الحين، استمرت القومية اليهودية في التطور، مع انعكاسات متنوعة ومعقدة للهوية اليهودية. فهي ليست مبنية فقط على الانتماء الديني ولكنها تضم أيضًا أبعادًا ثقافية وتاريخية وعلمانية.

ومع ذلك، من المهم أن نلاحظ أن مفهوم القومية اليهودية لم يكن بدون جدل حيث أدى إلى تهجير وتهميش الشعب الفلسطيني، مما أدى إلى نزاعات مستمرة في المنطقة.

 

 إسرائيل دولة دينية مغلقة

القومية اليهودية كانت هي القوة الدافعة وراء إنشاء والحفاظ على دولة إسرائيل، ولهذا فان إسرائيل دولة دينية قومية مغلقة، وهي لا تزال مذهبًا معقدًا ومتطورًا يستمر في تشكيل الهوية والتحولات التاريخية للشعب اليهودي.

«إسرائيل دولة دينية-قومية مغلقة» عبارة تُستخدم لوصف الدولة الإسرائيلية ونظامها السياسي والقانوني الذي يرتبط بالدين اليهودي ومكوناته الثقافية. يتألف المجتمع الإسرائيلي من أفراد يعتنقون الديانة اليهودية، والتي توجد في وثيقة هيرتزل التأسيسية للدولة الإسرائيلية، التي تصف إسرائيل بأنها «الدولة اليهودية لشعب يهودي». يتطلب أي فرد للحصول على الجنسية في إسرائيل أن يكون يهوديًا أو من أصل يهودي.

بالإضافة إلى جوانبها الدينية، فإن إسرائيل تعتبر دولة قومية مغلقة من خلال سياساتها وقوانينها. الهدف الرئيسي لهذه السياسات هو المحافظة على هوية الدولة اليهودية والحفاظ على أمنها. في ظل الصراعات الجيوسياسية والعرقية والدينية في المنطقة، فإن تبني نظام قومي مغلق يعتبر واحدًا من السبل التي تسعى من خلالها إسرائيل للحفاظ على استقلالها وأمانها.

ومع ذلك، فإن هذا النظام يثير أيضًا الكثير من الجدل والنقاش. فهو يتناقض مع قيم الحرية والمساواة وحقوق الإنسان، حيث  يؤدي إلى التفرقة والتمييز بناءً على الديانة أو الأصل العرقي. وهنا ينبغي التوازن بين حقوق الأفراد والمجتمع، وضمان تعددية الثقافات في الدولة.

 

القرون الوسطى

نشير هنا الى ان الدولة الدينية- القومية المغلقة هو نموذج تعود أصوله إلى القرون الوسطى، حيث تعتبر الدين والقومية عناصر أساسية في إطار الدولة. في هذا النموذج، يتم تمهيد الطريق للدين ليكون القاعدة الأساسية للهوية القومية، وهذا يعني أن الدين ينبغي أن يكون مركز حياة الناس ويجب الالتزام به بشكل كامل. وفي الوقت نفسه، فإن القومية تتطلب توحيد المجتمع على أساس عرقي أو قومي محدد، ويبرز الانتماء القومي كأهم عنصر للمواطنة.

من الجدير بالذكر أن هذا النموذج يتناقض مع نموذج الدولة الحضارية الحديثة. ففي الدولة الحضارية الحديثة، يتم التركيز على قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، بدلاً من التركيز على الدين والقومية. يتم تجاوز الانتماء الديني والقومي في نموذج الدولة الحضارية، ويتم إعطاء الأولوية للمواطنة باعتبارها العلاقة الأساسية بين الفرد والدولة. يتم تعزيز حقوق الإنسان وحرياته، بغض النظر عن انتماءاته الدينية أو القومية.

واحدة من العواقب الأخطر للدولة الدينية- القومية المغلقة هي الشذوذ عن مفهوم التعايش السلمي في المجتمع الدولي. حيث يؤدي التركيز على الدين والقومية إلى تجاهل وإهمال حقوق الأقليات والتفضيل القومي والديني. بالإضافة إلى ذلك، فإن التأكيد الزائد على الانتماء الديني والقومي يؤدي إلى تصعيد التوترات الاجتماعية، إذ يعزز الشعور بالتمييز والعنصرية، وبالتالي يؤثر سلباً على استقرار المجتمع.

ورغم أن النموذج الديني- القومي المغلق قد كان موجودا في القرون الوسطى، إلا أنه يعتبر اليوم غير مناسب للتنمية والتطور الحديثين. فالعالم يتجه اليوم نحو تعزيز مفهوم المواطنة المستندة إلى الحقوق الأساسية للإنسان، وتعزيز التعايش السلمي والمشاركة المدنية في المجتمع الدولي. يعتبر التعايش السلمي ضرورة حتمية للحفاظ على السلم والأمن العالميين، ويتطلب المشاركة الفعالة للمجتمع الدولي بأكمله.

يؤدي النموذج الديني- القومي المغلق إلى تهميش وتمييز بعض المواطنين داخل الدولة. عندما يكون النموذج الديني- القومي هو القاعدة لتحديد مكانة المواطنين في المجتمع، فإن الأشخاص الذين لا ينتمون إلى الدين الاخر أو القومية الاخرى قد يتعرضون للتهميش والتمييز. وهذا قد يؤثر على فرصهم في الحصول على فرص العمل أو التعليم أو الحقوق الأخرى في المجتمع. كما قد يعجزون عن ممارسة حقوقهم السياسية بالتكافؤ في النظام السياسي.

ولهذا يتناقض نموذج الدولة الدينية- القومية المغلقة مع مفهوم المواطنة داخل الدولة من خلال عدة نقاط:

1. تفضيل الانتماء الديني أو القومي: في هذا النموذج، يتم التمييز بين المواطنين وفقًا لديانتهم أو جنسيتهم وتمنع الفرص المتساوية للجميع. هذا يتعارض مع مبدأ المواطنة الذي يشير إلى تكافؤ الفرص والحقوق لجميع الأفراد دون أي تمييز.

2. القمع السياسي: في الدولة المغلقة، يتم قمع أي آراء أو معتقدات سياسية تتنافى مع الدين أو القومية المسيطرة. هذا ينتهك حقوق المواطنين في حرية التعبير والمشاركة السياسية، مما يعتبر تناقضًا مع المواطنة التي تطلب من الأفراد المساهمة في العملية السياسية بحرية ومساواة.

3. الانغلاق الثقافي والاقتصادي: في الدولة المغلقة، يتم التشديد على الهوية الدينية أو القومية وتقوية تفرقة المجتمع. هذا يؤدي إلى انعدام التنوع الثقافي والاقتصادي، وبالتالي انعدام التعايش والتعاون بين المواطنين المختلفين. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون من الصعب على الأفراد غير المنتمين للدين أو القومية المسيطرة الاندماج في المجتمع والاستفادة من الفرص.

لهذه الأسباب، يعتبر هذا النموذج متناقضًا مع مفهوم المواطنة الذي يعتمد على المساواة والحرية والعدالة بغض النظر عن الدين أو القومية.

بكلمة واحدة، تعتبر الدولة الدينية-القومية المغلقة نموذجا من القرون الوسطى ويتناقض مع نموذج الدولة الحضارية الحديثة ومفهوم المواطنة والتعايش السلمي في المجتمع العالمي. وعلى الرغم من أنه كان موجودا في الماضي، يجب أن نتجاوز هذا النموذج وأفكاره غير الملائمة للتقدم والتطور. يجب التركيز على تعزيز الحقوق الأساسية للإنسان والتعايش السلمي بين الشعوب كعناصر أساسية في المجتمع الدولي الحديث.

اما وقوف الطبقة السياسية الحاكمة في بعض الدول الغربية الى جانب هذه الدولة القروسطية المغلقة فهو من المفارقات الحضارية التي سوف يسجلها التاريخ على الغرب كما سوف يسجل المفارقة الحضارية الاخرى المتمثلة في نشر العلاقات الجنسية الشاذة (المثلية).

 


مشاهدات 764
الكاتب محمد عبد الجبار الشبوط
أضيف 2023/10/30 - 4:45 PM
آخر تحديث 2024/09/26 - 6:04 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 1045 الشهر 39602 الكلي 10028224
الوقت الآن
الجمعة 2024/9/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير