الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
ختم بولا البابوي ومرسوم القلق البطرياركي

بواسطة azzaman

ختم بولا البابوي ومرسوم القلق البطرياركي

زكي الحلي

 

لم تشكل قضية تتعلق بالمكون المسيحي قلقا او انشغالا بحجم مبالغ فيه ، ورد فعل جرى تضخيمه واحالته الى مسببات لا علاقة لها باصل الموضوع ، مثلما حصل مع الكاردينال البطريرك لويس روفائيل ساكو، اثر اصدار المرسوم الخاص بالغاء مرسوم صدر بطريقة غير قانونية تتعارض مع مهام رئيس الجمهورية بصفته حامي للدستور من اي خرق يصيبيه.

الزعامة الدينية

يصدر من مكتب التوثيق البابوي عقدا بصفة مرسوم يحمل اسم « بولا» وهو خاتم معدني على شكل دائرة ، ويعطي هذا المرسوم البابوي تخويلا لصاحبه يستخدمه لابرام عقود رسمية تصدر عن الهيئات الدينية وهو اشبه بالتكليف الرسمي لشخص يتم اختياره ليتمتع بالصلاحيات لمتابعة شؤون الطائفة الدينية والمخولين بتمثيله في الاماكن الدينية التابعة له ، وهذا العقد يعطي الشخص صفة مشابهة لصفة « متولي « الوقف الذي اقره القانون العراقي لمتابعة وقفيات تخص جماعات او عوائل او افراد او رجال دين أمثال وقف الشيخ عبد القادر الكيلاني ووقف عائلة قره علي ووقف عائلة الغرابي وغيرهم ، وغالبا ما تكون هذه الوقفيات قد صدرت منذ حقب تاريخية قديمة وعبر فرامانات عثمانية تحمل اسم وقفية ، وهو ذات ما يحصل مع الكنائس المسيحية ومساجد المسلمين ودور العبادة الاخرى ولنا على سبيل المثال الاشارة الى ان وقف عائلة قره علي  جاء  متوارثا من  «علي جلبي»، المقلب بـ»كمانكش قرة علي باشا» وهو من أبرز من تولى منصب الصدر الأعظم في الدولة العثمانية أواخر فترة حكم «السلطان مصطفى الأول» و»السلطان مراد الرابع» خلال فترة ما بين 1623 و 1624. تولى منصب «بيلر بكي» في بغداد عام 1590، ومن أهم آثار وأعمال كمانكش قرة علي باشا إكمال بناء جامع الشيخ عبد القادر الجيلاني في بغداد. وبناء جامع باسمه، وهو مسمى حاليا «جامع سيد سلطان علي»، وقد ألحقت به تكية، وتسمى أيضا «تكية قرة علي»، ومن ثم تم تأسيس مدرسة فيها وأخذت اسمه أيضا.

وللعائلة وقفية تشير الى املاك شاسعة آلاف من الدونمات تمتد من قضاء قزانية في شمال شرق العراق على الحدود الإيرانية نزولا إلى اراضي الرستمية المتخذة معسكر الرشيد (معسكر للجيش العراقي) إلى المحمودية و اليوسفية ومنها نزولا إلى الإسكندرية والمسيب حتى اراضي العباسية في محافظة كربلاء بالإضافة إلى تكيتين احداهما في مرقد الشيخ الكيلاني وأخرى في جامعهم جامع سيد سلطان علي جلبي في بغداد يشرف عليها المتولى وناظر الوقف المشرف على مدرسة قره علي في جامع سيد سلطان علي.

نستنتج من هنا ان سلطة الصلاحيات تأتي عبر المرجع الديني او رئيس الطائفة أو المكون وليس عبر المؤسسة الرسمية الحكومية ولا تمنح  الصلاحيات المطلقة  بل تحدد مهام من اوكل اليه الأمر وفق ضوابط معروفة  ليحمل صفة « متولي « أو راعي أو مرجع ديني  أو مدير ادارة الوقف، وهو ما حصل مع البطريراك ساكو عبر مرسوم « بولا» .

المرسوم الجمهوري

اوضح البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية أن «سحب المرسوم الجمهوري ليس من شأنه المساس بالوضع الديني أو القانوني للكاردينال لويس ساكو، كونه معيناً من قبل الكرسي البابوي بطريركاً للكنيسة الكلدانية في العراق والعالم، بل جاء لتصحيح وضع دستوري، إذ صدر المرسوم رقم (147) لسنة 2013 دون سند دستوري أو قانوني، فضلاً عن مطالبة رؤساء كنائس وطوائف أخرى بإصدار مراسيم جمهورية مماثلة ودون سند دستوري».

لكن الأمر لم ينته عند هذا الحد اذ اعلن البطريرك لويس روفائيل رفضه للمرسوم الجمهوري رقم (31) معتبرا اياه استهدافا للمكون المسيحي وانتقاصا من صلاحياته ومؤكدا ان هناك ضررا كبيرا سيلحق بمصالح المسيحين دون ان يوضح قانونا طبيعة وتفاصيل هذا الضرر القادم .حيث ذكر ساكو ان المسيحين الذين يعرضون عليه قضاياهم ونزاعاتهم ينصحهم باللجوء للقانون لاخذ حقوقهم وهذا اقرار بان سلطته دينية بحتة  تختص بشؤون رعيته والتوجيه السليم لادارة شؤونهم  في حال طلبهم النصح والتوجيه ، وليس له سلطة قانونية في ادارة او تغيير او تبديل واقع معين يخضع لسلطة القانون الساري على جميع العراقيين وفقا لدياناتهم ومذاهبهم .

وذات الشي ينطبق على الصابئة والاشوريين والازيديين وغيرهم من الطوائف المسيحية ، فهل يستوجب الأمر صدور مراسيم جمهورية لكل الطوائف المسيحية ليتولى رجل الدين الذي يمثلها تصريف امور جماعته او طائفته  أم يعتمد على السلطة الدينية  التي حصل عليها من اختياره ممثلا لهم وليس بتدخل حكومي بتعيينه .

لم يسبق لحكومات العراق المتعاقبة  ان مارست سلطة تعيين زعيم أو مرجع ديني ، ولم تتدخل رسميا في شؤون المكون الا في حدود القانون وتطبيقاته حين حصول نزاع على ملكية او ضرر عام على مجموعة منتمية للوقف وهو  ما ساهم بشفافية عمل هذه الطوائف والمكونات بادارة شؤونها بنفسها عبر دائرة الوقف الذي يمثلها سواء للمسلمين او لغيرهم من الاديان ومكوناتها المنضوية فيها .

تفسير القانوني

البطريرك ساكو  لم يكن موفقا في تأويل وتفسير  سحب المرسوم حين نقل الامر الى فكرة الصراع داخل البيت المسيحي ، مع تبادل التهم والبيانات عبر وسائل الإعلام والمؤتمرات الصحافية،  ما بين فئتين لنفس الطائفة وهذا يشير الى صراع خاص بينهم لا علاقة لرئاسة الجمهورية فيه كونه يخص المكون بذاته وعليه ان يحل مشاكله بنفسه وايضا وفق القانون والدستور الذي من اولى واجبات رئيس الجمهورية حمايته من اي  خطأ حصل فيه وتداركه قانونا وحسب القواعد والقوانين  المرعية .ونعتقد ان تفسير البطريرك للواقع القانوني التاريخي للعلاقة الرسمية بين المسيحين وصاحب القرار بحاجة الى توضيح  يشير الى ان كلمة «براءة « التي صدرت فترة الخلافة العباسية  والطغراء زمن العهد العثماني « التي هي العلامة المرسومة على الرسالة، وأصلها كلمة «طورغاني» بلغة التتار، وتكتب «طغرة» وهي عبارة تطلق على شارة تحمل اسم سلطان عثماني

ي.وهي تسمية لنوع الخط المستخدم الذي تكتب به العلامة الكتابية أعلى الرسائل السلطانية، فوق البسملة بالقلم الغليظ، ومضمونها اسم السلطان العثماني الذي صدر الكتاب عنه أو نعوته أو ألقابه.وتستخدم الطغراء أيضا كعلامة سلطانية، أو توقيع، أو ختم، أو شارة ملكية، و قد ترسم في أعلى البراءات والفرمانات السلطانية.

هذه الرسائل العثمانية كانت تشير الى احقية الشخص المختار ضمن الطائفة باداء عمله ممثلا لمصالح المكون  وهو ما ينطبق عليه وصف متولي او مدير للطائفة ومصالحها كما سبق وتطرقنا اليه في تناول فقرة الوقفيات المختلفة سواء للمسلمين او للمسيحين .

تضخيم  الأمر وتهويله واستخدام الأعلام كوسيلة ضغط لتغيير واقع رسمي الى اخر ، هي حالة تشبه صفة التمرد على القوانين الرسمية وهو ما نستغربه من رجل دين يفترض ان يكون شعاره  السلام والوئام وتطبيق القوانين أو حتى الاعتراض على مخرجاتها بالطريقة القانونية وليس باية طريقة اخرى تسبب الضرر لمجتمع  هو اول من سن القوانين واعتمدها منهجا لترتيب حياة مواطنيه وحقوقهم المشروعة .


مشاهدات 711
أضيف 2023/08/26 - 12:03 AM
آخر تحديث 2024/07/17 - 7:46 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 332 الشهر 7900 الكلي 9369972
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير