الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الأميرة زاروهي .. معلمة وامرأة حديدية

بواسطة azzaman

الأميرة زاروهي .. معلمة وامرأة حديدية

مدحت محمود

"مدام عادل"  مدرسة  العراق المرأة الحديدية و هي من أصل أرمني ، اسمها الحقيقي (زاروهي) وتعني (اميره) باللغه الأرمنيه، و فيكتوريا لم تكن أختها بل أخت زوجها أنيس عادل.

كان الباص الأحمر ذو الطابقين والذي يقوده السائق "ياسين"، أشهر باص في بغداد في الخمسينات والستينات بعد باصات مصلحة نقل الركاب نوع ليلاند ذات الطابقين...

ممتلكات المدرسة

وسبب شهرة باص السائق "ياسين" تعود الى انه باص من ممتلكات مدرسة "عادل الأهلية" وليس باصا حكوميا. كان ذلك الباص يقوم بنقل طلاب تلك المدرسة القاطنين في الأعظمية والصليخ والوزيرية الى موقع المدرسة الكائن في العلوية ذهابا وإيابا وكنت من ركابه في عام 1960  عندما سجلني اهلي في تلك المدرسة في الصف التمهيدي .

قدمت السيدة "زهورة عادل" وهي مسيحية لبنانية ، ويقال ان جذورها من مدينة ماردين التركية، الى بغداد من لبنان بصحبة زوجها الدكتور انيس عادل وشقيقتها فيكتوريا في عام  1932 وأخذت بالتفكير بإنشاء مدرسة نموذجية لمرحلة الروضة والتمهيدي والابتدائية فحصلت على ترخيص من وزارة المعارف حينه في عام 1933  وافتتحت تلك المدرسة الصغيرة  باديء الامر في دارها المتواضعة في محلة الاورفلية...

قابلت في عام 1935 الوجيه ابراهيم الأورفلي الذي وافق على تأجير داره الجديدة الواسعة وساعدها ماديا من خلال التساهل ببدلات الايجار والأقساط فانتقلت المدرسة الى هناك وبقيت الى عام  1944 حيث انتقلت بعدها الى منطقة العلوية بعد ان تم بناء مدرسة عادل الأهلية بمواصفات حديثة.

اكثر ما يثير الدهشة والإعجاب في آن واحد ان مدام عادل قررت منذ البداية ان تكون هذه المدرسة مختلطة حيث يجلس الطلاب والطالبات في نفس الصف وهذا امر لم يكن شائعا او مستساغا في ثلاثينيات القرن الماضي ولكنها ادركت ببصيرتها الثاقبة ان ذلك هو امر محبذ تربويا كي لا ينشأ البنين والبنات على فكرة العزل والتهيب والخجل من وجود الجنس الاخر على نفس مقاعد الدراسة.

ليس هذا فحسب بل تم في بناية المدرسة في العلوية انشاء قسم داخلي يقيم فيه بعض الطلاب الذين تكون عوائلهم من خارج بغداد... ولكي تكتمل الحلقة التربوية كان هناك مطعم في المدرسة تقدم فيه وجبة ساخنة ظهرا لطلاب القسم الداخلي وكذلك للطلاب الذين يقوم ذويهم بتسجيلهم في مطعم المدرسة ضمانا لحصول اولادهم على وجبة غداء ساخنة في منتصف النهار.

كانت الدراسة تمتد من الثامنة صباحا الى الرابعة عصرا باستثناء يوم الخميس حيث تنتهي في الواحدة ظهرا. كان لدى المدرسة خمسة باصات تنقل الطلاب من ارجاء بغداد المختلفة ولكن باص ياسين السائق كان يتميز عنها بكونه ذو طابقين الى ان تم استبداله بباص حديث مرسيدس اصفر اللون بحدود سنة 1964.

إني اتذكر تلك التفاصيل لأن عائلتي قررت ان تسجلني في تلك المدرسة الممتازة حيث قضيت فيها سبعة سنين من عمري من الصف التمهيدي الى السادس الابتدائي فتعلمت هناك الأبجدية من خلال القراءة الخلدونية وقرأت للمرة الاولى في حياتي ان بدري بدين.. وأن نوري رزين.. كما وان قدري قاد بقرنا... ولكني لم أكن اتخيل انه بعد حوالي 50 عاما سأرى بقرنا وقد جف ضرعه وتلاشى مر

عاه.. ولا احد يعلم الى اي بلد هاجر قدري.

إن بعض الجوانب الإيجابية في شخصيتي كالانضباط واحترام المعلم وحب التقيد بالتعليمات سببه القيم التربوية السليمة التي غرزتها مديرة تلك المدرسة في نفسيتي كطفل ...

لقد كانت مدام عادل شخصية جبارة لا يستطيع اي طفل مهما كان شقيا ان يقف بوجهها ومازلت اتذكر اثناء الاصطفاف الصباحي انها كانت تقوم بتفتيش أظافرنا وكان علينا ان نبرز منديلا نظيفا نحتفظ به كعلامة دالة على النظافة الشخصية... والويل لمن يعصي اوامرها.

اعتقد جازما لو ان مدام عادل قد قررت ان تحترف السياسة بدل التعليم لانتهى بها المطاف ان تصبح قائدة تاريخية مثل مرغريت تاتشر او إنجيلا ميركل.

لقد كانت مدام عادل تنتقي هيئة التدريس بدقة حيث لا تقوم بتعيين سوى أفضل المعلمات وتكافئهم سنويا في أعياد الكريسمس على الرغم مما كان يشاع عنها ان يدها مغلولة بعض الشيء الى عنقها   ...

حدثني صديقي الأزلي "سمر أدور" ان عمته السيدة "دورا حنا"، وكانت من اقدم معلمات المدرسة ان مدام عادل كانت تمنح عمته وباقي المعلمات ليرات ذهبية كهدية في أعياد الميلاد.

كانت السيدة فيكتوريا شقيقة مدام عادل مسؤولة مشرفة على صف التمهيدي والروضة وكانت تصطحب بعض الأطفال بين حين وآخر لزيارة بيت الزعيم عبد الكريم قاسم الذي كان يقع قريبا جداً  من المدرسة... حيث لم يكن رئيس الوزراء يقيم آنذاك في المنطقة الخضراء لان كل العراق  كان اخضر ببساتينه ونخله ووحدته من زاخو شمالا الى ام قصر جنوبا...

كانت الست فيكتوريا عادل هي  نفسها التي كانت تتنكر بزي بابانويل اثناء الحفل السنوي التي تقيمه المدرسة في أعياد الكريسمس.

يبوبيل فضي

التقيت قبل ايام بصديقي الأخ "علي البصام" الذي أخبرته بنيتي الكتابة عن مدام عادل ومدرستها حيث كان هو ايضا من طلابها فأرسل لي مشكورا كتاب اليوبيل الفضي الذي اصدرته المدرسة في عام 1958 بمناسبة مرور 25 عاما على افتتاح تلك المدرسة العظيمة...قرأت هذا الكتاب قبل كتابتي هذا المقال ولسان حالي يقول :"اذا ضاگ خلكچ تذكري ايام عرسچ"...

قلبت صفحات الملف على حاسوبي ..نظرت مليا في الصور وقرأت الحواشي بعيون جديدة كمن يقرأه لاول مرة... لو لم أكن شاهد عيان على ذلك أو لو كنت من المؤمنين بنظرية المؤامرة لقلت ان هذا الكتاب ملفق وكل الصور فيه فوتوشوب اذ كيف يعقل ان تتمكن امرأة لبنانية بجهد شخصي ان تبني في العراق قبل سبعين عاما صرحا تعليميا بهذا المستوى...

ثم يفشل الان كل اهل الشوارب واللحى والعمائم  في إيصال تيار كهربائي مستقر لأهل نفس البلد !!! 

تم تأميم مدرسة عادل الأهلية في عام  1969 وتركت مدام عادل العراق مع عائلتها المكونة من زوجها الدكتور انيس عادل وابنتيها هيام وهدى وابنها نبيل وشقيقتها فيكتوريا الذين عملوا جميعا في تلك المدرسة الأسطورة... حيث قامت وزارة التربية بتعيين احدى المدرسات القديرات من الكادر القديم وهي الست "ليلى عزت" لإدارة المدرسة حيث حاولت جاهدة الإبقاء على بعض مستواها السابق.

كما يقدم المدعي العام دليلا ماديا في المحكمة يؤكد ثبوت قيام المتهم بالجريمة... أقدم لكم قرائي الاعزاء ملف اليوبيل الفضي لمدرسة عادل الأهلية الصادر عام 1958 كي تتيقنوا انه كانت لدينا في الماضي مدرسة ابتدائية بهذا المستوى...

انه دليل ادانة لكل سياسيينا الذين أوصلوا العراق الى الحال الذي هو عليه اليوم.

{ عن مجموعة الواتساب


مشاهدات 705
أضيف 2023/05/12 - 10:22 PM
آخر تحديث 2024/09/26 - 9:15 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 993 الشهر 39550 الكلي 10028172
الوقت الآن
الجمعة 2024/9/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير