الدولار المغرد خارج السرب
علي الشكري
ينهض علم الاقتصاد كما باقي العلوم على نظريات ومبادئ وأسس وثوابت ، بغيرها تخرج الافكار عن دائرة العلم وتتحول الى مجرد ارتجال وتكهن وافتراض ، ودون شك أن إدارة اقتصادات الدول ونقدها محكوم بمبادئ وسياسات وتوجهات ، ترسمها دوائر ومؤسسات ، وتحكمها ضوابط وقيود ومحددات ، هذا في الدول الناجحة وتلك الديمقراطية ، أما في الدول الشمولية والفاشلة فلا تخرج إدارة اقتصاداتها عن ارتجالات وقرارات فردية واجندات خارجية مفروضة ، فقرارات القائد نافذة صائبة ، وتصويبات الاكاديميين تنظيرات فلسفية سفسطائية لا محل لها من التطبيق ، ودون شك أن الوافد من التوجهات والافكار والنصائح ، نافذة مفروض مفروغ من صوابها وإنفاذها ، والا فالعصا لمن عصا ، فما سقطت نظم ولا زالت اقطاعيات حكم ولا تفككت بلدان ودول الا عبر بوابة الاقتصاد ، فحيث الاقتصاد اسير الارتجال ، رهين البلدان ، مكبل الاشتراطات ، يبقى مضطرب مجنون هائج ليس له قرار ، بصرف النظر عن عائدات الدولة ووردات الموازنة واحتياطات النقد وخزين الذهب وتنوع المصادر وارتفاع الدخل وانخفاض معدلات التضخم ، والا فما تفسير استقرارا اقتصادات بلدان وثبات سعر صرف عملاتها بالقياس للعملة الاجنبية ، وهي صغيرة ، أرضها جدبة ، ماؤها شحيح ، وخيرها ناضب ، تعتاش على المساعدات وتنتظر التصدقات ، ترتمي في أحضان من يدفع الفتات ، تموت إذا انقطعت عنها الاعانات . وما تفسير ظاهرة ما يعيش العراق من ظواهر اقتصادية شاذة ، نفطه ناضح ، سعره مرتفع ، نقده وفير ، خزينه فائض ، واحتياطيه متزايد ، وعملته في انهيار ودولاره في ارتفاع ، ربما قد تبدو المعادلة محيرة عصية على من يدرس الظاهرة بمعاييرها الاقتصادية ونظرياتها المجردة ، لكن الظاهرة مفهومة مُفسرة جلية على من علم بارتهان القرار والخضوع للصغار والكبار ، وإلا فهل يعقل أن يزداد الايراد ويتضاعف الاحتياطي بصنفيه النقدي والذهب وترتفع معدلات النمو وينهار الدينار ، أم أن الأخضر والاحمر العراقي استثناء عن معادلات ونظريات الاقتصاد ، فما نشهد من ارتفاع للدولار وتراجع للدينار لا صلة له بما يمر به العالم من ركود وانهيار ، ونزاع واقتتال ، وازمة طاقة واسعار . على المتصدي من اصحاب القرار مصارحة القادة والساسة والكبار والشعب الجبار ، بحقيقة ما يجري وما يدار ، فالشعب مصدر القرار ، والمفترض في القادة أعوان وانصار ، والكبار اصحاب مشورة ووعظ وارشاد ، فما دام حكم سنده أجنبي وركيزته وافدة وقراره مقيد مرهون ، وما زال عهد شرعيته وطنيه ودعمه شعبي ونصرته مخلصة نصوح ، وسعيد من قرء التاريخ واتعظ بالتجارب وتمسك بالوطن .