أحوال رأس السنة
حسن النواب
أحوال رأس السنة تختلف ملامحه من بلد إلى آخر، فيمكن أنْ ترى رأس السنة في بلدٍ أفريقي شاحب الوجه تعلوه الصفرة وهو يتضوَّرُ جوعاً ويعاني من نوبات القيء بسبب إصابته المزمنة بمرض الكوليرا وعادة ما ترى رأس السنة في بعض البلدان الإفريقية يشكو من الأمراض الفتاكة كالإيدز والملاريا، لكنك ترى رأس السنة في بلد أوربي مثلاً بوجه مُعافى وخدودٍ متورّدةٍ وعيونٍ زُرقٍ لامعة وحيوية وثمة ابتسامة ساحرة ومطمئنة على ملامح وجهه وهو يضع طاقية (بابا نويل) الحمراء على رأسه مع مصابيح الزينة الملونة فتحسده من مجاهيل قلبك على هذه السعادة الوارفة التي يتمتع بها رأس السنة الأوربي. وإذا ما أردت الذهاب إلى رأس السنة الأمريكي ستراه مشغولاً بالمشاكل الاقتصادية مع قلق التطلعات التي تحملها السنة الجديدة على يد رئيسه الكهل الذي يعاني من النسيان؛ وكلّنا يتذكر تلك الحادثة الشهيرة عندما تعرض رأس السنة الأمريكي في مؤتمر صحفي عقد في بغداد قبل سنوات مضت إلى رشقةٍ مباغتةٍ من صحفي عراقي وبسلاح عراقي محلي مصنوع من الجلد الحيواني الرخيص كاد يفصل عنقه عن جسده المترهل بالمشاكل التي لا حصر لها لكنَّهُ ظلَّ مبتسماً ولو على مضض. بينما ترى رأس السنة الآسيوي مزركشاً بالقماش الملون تحفُّ به الطبول والرقص الإيقاعي وبعيون مثقلة بالكحل وشفاه مصبوغة بأحمر الشفاه وترى أيضا رأس السنة الآسيوي يحرق البخور حتى يطرد الحسد من العيون التي تلاحق نموه الاقتصادي المضطرد والذي صار يشكل قلقا حقيقيا للرأس الرأسمالي الدائخ بالحرب الأوكرانية الروسية، بينما تجد رأس السنة الأسترالي منتشياً بالنبيذ المعتق من حقول الكروم منذ سنوات بعيدة وقد حرص أنْ يضع مصابيح الزينة على أسوار وسقوف بيته بمشهد يسر الناظر، وحين تقرر رؤية رأس السنة العربي فستجد أنَّ هذا الرأس ينزف الدم الطهور في غزَّة ولا من مغيث، والصراع الخفي على كرسي السلطة في بيروت، وشحَّة البقوليات في دمشق وارتفاع أسعار اللحم في الأردن، ورعب قراصنة البحر في الصومال، وفيضان الشوارع من المطر في البلدان الفقيرة، وتعثر الاستثمار في المغرب العربي برغم فوز منتخبهم بالمركز الرابع في كأس العالم، وحيرة رأس السنة العربي بين الاحتفال بأعياد المسيح وبين حلول العام الهجري الجديد، فترى رأس السنة العربي تارة يزغرد منتشيا بميلاد المسيح وتارة أخرى غارقاً بالصلوات متوسلا العزيز الجليل أن يغفر له السوءات التي ارتكبها خلال العام الهجري المنصرم. أما في بلدي الجريح يمكن أنْ تجد رأس السنة هناك مازال يتذكر بأسى ويئن من الجراح التي خلفتها المفخَّخات ومجزرة سبايكر واحتلال المدن من قبل الدواعش والخراب الذي خلفوه في مدينة الموصل ، ويمكن أنْ ترى ضماداً على جبهته ودخان بارود على خديه وحزناً مستديماً في عينيه وهو يأملُ مع حلول العام الجديد مصادقة مجلس الوزراء على سلُّم الرواتب الجديد للموظفين وتوزيع الأراضي على مئات الآلاف من المعدومين والمسحوقين الذين ظهرت أسماءهم في مشروع داري الذي يبدو أنَّ رئيس الوزراء أركنه على رفّ النسيان لأنَّهُ كان مبادرة من الكاظمي وهذا الأمر لا يرتضيه؛ وليس هذا فحسب بلْ إنَّ رأس السنة العراقي يمكن الاستدلال عليه بسهولة من بقع الدم التي تغطي وجهه ومن صوته المبحوح على عربة الوقود أملاً بالحصول على عبوة غاز يطبخ بها رز الحصة التموينية المتعفن، ويمكن لك أنْ ترى رأس السنة العراقي قلقاً مترقباً متلهفاً يُحصي الأيام لحين موعد افتتاح خليجي (25) في البصرة والذي نبتهل إلى الله أنْ يكون ناجحاً ومتميزاً ويمرُّ بفرحٍ وسلام؛ ولكن يبقى رأس السنة العراقي من دون جميع رؤوس السنة في سائر البلدان الأخرى منهكاً حزيناً غاضباً متوجعاً حائراً مكتئباً يكابد من عسر الحال وغلاء الأسعار وصعود الدولار وانسداد المجاري خلال الأمطار. ولا أظن أنَّ حبوب الترومايسين والأسبرين والبندول وحتى مرهم "أبو الفأس" بوسعه أنْ يزيل الصداع الذي يلازمه منذ نشوء الدولة العراقية وحتى الآن؛ ولا أدري متى يبرأ رأس السنة العراقي من هذا الوجع وهذه الأحزان.. متى لا أدري والله؟