الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مسيحيّو المشرق قيمة نوعية أصيلة

بواسطة azzaman

مسيحيّو المشرق قيمة نوعية أصيلة

 حسين عبد القادر المؤيد

 

لقد ولدت المسيحية في القلب النابض للمشرق ، سواء على مستوى مكان ولادة السيد المسيح عليه السلام ، أو على مستوى مكان ولادة الدين المسيحي و حاضنته الأولى و قاعدته التي انطلق منها الى العالم .   

ولدت المسيحية و انطلقت من قلب المشرق ، و في المشرق كان انتشارها الأول ، بينما لم يبدأ انتشارها في روما إلا سنة واحد وستين للميلاد و بشكل محدود .

وقد عانت المسيحية منذ ولادتها وخلال المراحل الأولى لانتشارها من اضطهاد الإمبراطورية الرومانية التي كانت تسيطر على أجزاء واسعة في المشرق .

مركز اول

لم يكن المشرق ، المركز الأول للمسيحية و حسب ، و إنما تجذرت المسيحية فيه ، و كان لها كيانها الضخم ، و كانت الكنيسة الشرقية عاصمة المسيحية العالمية . و بعد أن تدينت الإمبراطورية الرومانية بالمسيحية و اكتسبت زخما دينيا مسيحيا ، كان هناك دافع سياسي كبير يدفع باتجاه تحويل مركز المسيحية و مرجعيتها الكنسية الى الغرب ، و تعزز ذلك بعد انتشار المسيحية في أوروبا الغربية وتبني ملوك و دول الغرب لها ، وتكريس البابوية في الغرب ، وتم العمل على هذا الموضوع ،  الأمر الذي جعل مركزية الكنيسة الشرقية مستهدفة ، و بالتالي جرى العمل على إلحاق مسيحيي الشرق بالكنيسة الغربية و جعلهم وجودا تابعا لها ، و هو أمر لم يوفق فيه الغرب كل التوفيق ، لأن الكنيسة الشرقية أصرت على المحافظة على أصالتها و على تقاليد الكنيسة الأولى حتى وقع انفصال الكنيسة الشرقية والمسيحيين الشرقيين الأورثوذكس عن روما سنة 1054 م .

وقد بقيت الكنيسة المشرقية والمسيحيون المشرقيون بما لها ولهم من تاريخ أصيل في المشرق وفي المسيحية نفسها تحديا سعى الغرب الى التعامل معه من أجل مصادرته و تذويبه . وكانت جهود المصادرة و التذويب تتبدد بفعل قوة انتماء المسيحيين الشرقيين الى أوطانهم و ثقافتهم الشرقية ، فهم يرتبطون ارتباطا وثيقا بالتاريخ الوطني لشعوب الشرق ، و قد تفاعلوا مع ثقافة الشرق التي ساهموا في صناعتها كما أن لهم تأريخا مشهودا في الانفتاح والتفاعل مع المسلمين .

وأما المسيحيون الشرقيون الذين رجعوا الى أسقف روما و الذين يؤلفون الكاثوليكية في المشرق ، فهم و إن رجعوا الى كنيسة روما دينيا و لاعتبارات دينية على أساس أن السيد المسيح عليه السلام وصف القديس بطرس ، و هو أول أساقفة روما ، بأنه الصخرة التي سيبني عليها كنيسته ، الأمر الذي فُهِم منه انه قد اختير زعيما أعلى لهذه الكنيسة ، وأن البابا في روما هو خليفة القديس بطرس ، إلا

أنهم حافظوا على انتمائهم المشرقي شأنهم شأن إخوانهم الأورثوذكس .

كانت هناك مفاصل تاريخية أكدت للغرب ذلك ، و على سبيل المثال موقف المسيحيين مع المسلمين في جبهة واحدة في مواجهة مايسمى بالحروب الصليبية ، و موقف المسيحيين مع المسلمين في مواجهة حركات الاستعمار الغربي .

لقد شكل الوجود المسيحي في الشرق ، ميزة للشرق و للحضارة الشرقية و الإسلامية و للعالم الإسلامي ، الأمر الذي أزعج في الغرب ، طيفا في الدوائر  السياسية و الثقافية و الدينية .إن الدوائر الغربية التي تتبنى فكرة صراع الحضارات ، و الدوائر الغربية التي تتبنى خارطة تقسيمية جديدة للمنطقة ، تحاول توظيف مسيحيي الشرق في هذا الاتجاه ، وهي تدرك أن هذه المحاولة غير مضمونة النجاح و ليس بإمكانها تحقيق كامل أهداف هذا المشروع ، و من ثم فإن تلكم الدوائر تعمل على

بعدين أساسيين :

الأول : مصادرة الوجود المسيحي في الشرق و تذويبه في المسيحية الغربية.الثاني : ضرب المسيحيين في الشرق ، إما مباشرة أو من خلال التطرف الإسلاموي ، أو الثقافة و الممارسة التمييزية ، لإيجاد هوة عميقة بين المسيحيين و المسلمين ، و تدمير نموذج التعايش الإسلامي - المسيحي من أجل تمزيق النسيج الإجتماعي و تسهيل عملية التجزئة و التقسيم ، مضافا الى معاقبة المسيحيين على وطنيتهم و تفاعلهم مع قضايا المنطقة.

إن المسلمين في عالمنا العربي والإسلامي ، مدعوون الى إدراك أهمية الوجود المسيحي المشرقي والدور الإيجابي لمسيحيي الشرق - و هم وجود أصيل في المشرق - تاريخيا و في الحاضر و المستقبل ، و أن يعملوا على تكريس النموذج التاريخي و الفريد للتعايش بين المسلمين و المسيحيين .

كما ندعو المسيحيين و الكنائس المسيحية في المشرق سواء الأورثوذكسية أو الكاثوليكية أو غيرهما ، الى وعي عميق للمؤامرة التي تستهدفهم وتعمل على مصادرتهم ، ومواجهة هذه المؤامرة بالإلتصاق أكثر وأكثر بهويتهم المشرقية السياسية والثقافية وبإنتمائهم لأوطانهم وشعوبهم في المشرق و هم جزء أساسي من الكيان المشرقي ، و عدم إعطاء فرصة للمتآمرين في فصلهم نفسيا و ذهنيا و في الواقع العملي عن نسيجهم المجتمعي .

لقد كنت و ما أزال أنادي بضرورة العمل على إعادة الكنيسة المشرقية الى مكانتها و مرجعيتها ، مدركا أن تحقق ذلك لن يساهم في نزع الإبرة من بندقية من يستهدفنا جميعا فحسب ، وإنما سيساهم في إعادة المجد للكيان الحضاري المشرقي التليد وريادته العالمية .

ثقافة مجتمعية

إن التعايش ليس شعارا يُرفع ، ومجاملات بروتوكولية نمطية ، وإنما هو ثقافة و ممارسة تقوم على الحرية والمساواة و الاحترام المتبادل ، ومكافحة كل أشكال التنمر والتعصب و العنف و التمييز في كل المجالات ، و ضمان ذلك دستوريا و قانونيا ، و لن يتحقق ذلك إلا في ظل دولة مدنية تدار بقيم التنوير والتمدن دون اختزال أو تبعيض ، ونريد للعراق أن يصبح النموذج الملهم لذلك .وإذ نشاطر أحبتنا المسيحيين في العراق و العالم فرحتهم بعيد الميلاد المجيد ، نردد الترنيمة الجميلة المفعمة بمعطياتها الروحية و الإنسانية ( المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام و في الناس المسرّة ) .


مشاهدات 289
أضيف 2022/12/25 - 5:04 PM
آخر تحديث 2024/07/15 - 5:51 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 113 الشهر 8102 الكلي 9370174
الوقت الآن
الجمعة 2024/7/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير