أبدد المكوث بالشّجن
حيدر عبد الخضر
هكذا ومنذ أن تورطت ُ
بالمعاجم والحياة
أصرخ في وجه العالم
كم أنت قاسٍ وبليد،
ولأبدّد قبحَ وبشاعة الأيامِ
المكررةِ والبذيئة
أعصرُ حنجرتي
وأباغت النوافذ
بالغناء والزّجل..
ماكنتُ حجراً
ليتعثّر بيَ الكلام ُ
ولم أتسلق يوماً
جداراً أعزل
لأتطفّل على
حدائق غيري
كلّ ما أدخرتهُ
من شجر وأصدقاء
تساقط من ذاكرةِ المدينة
أما الساقية التي
نمتُ على مقربةٍ منها لسنوات
فقد أثقلها الغبارُ
وتكدست فيها
عصافير... مهاجرة وجريحة
أصابعي التي أدمنت عدَّ
المحطاتِ والمقابر
لم تعد تشير
إلاّ لذلك الغراب
الذي إنتصب
وهو بكاملِ جسارته
كيْ يواريَ بلبلاً
دهستهُ غيمة ٌ عابرة.
طاعنٌ بالحشمةِ
ومكتظٌ بالأدعيةِ والهديل..
كلما إمتدّت يدي بأتجاه المدينة..
عادت وهي مضرجة
بالعفّةِ والفراغ
المحطات التي أرهقَتْني كثيراً
وكانت سبباً
في الخيانةِ والوشايات
تتعطل فيها الآن
رؤوس وسراويل
مَن عبَروا قبلي
وهم يحصون ثرثراتهم
وحماقاتهم ويدّخرونها
لخريفِ العمر والأصدقاء
لم أعد معنياً
بصورتي المعلّقة
على حائط رطب..
ولا بِجاري الذي يدخّن
النساءَ والعرق المغشوش
ولا بالكتب التي
سرقَتْ حياتي
وخذلتني كثيراً
كما لم أعد مهتماً
بكلِّ هذا الضجيج
والبريق والبلاغة الزائفة
التي تركت الكثيرين
يدمنون البذاءة
والأكاذيب والعثرات
لقد قررت منذ سنوات
وبعد أن شابَ لساني من الهتاف
وقلبي من الطعنات والندم
أن اضعَ حداً
لكلّ تلك السذاجة المزمنة
وأن أتوارى بعيداً
عن أعين الذين تعلقتُ بهم
لتكتملَ هذه الحكاية المُرّة
بِلا بسملةٍ
وقيامة ٍ
ونَدم .