الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الشعور بالطمأنينة          

بواسطة azzaman

قصة قصيرة

الشعور بالطمأنينة          

عبد الواحد محسن

فقدت الأشياء بريقها وتخلت المناطق عن اسماءها وغادرالظل مكانه تحت الشجروصارت الاغنيات بلا معنى ولالحن..

خلع نظارته عله يرى الأشياء بمنظار أخر الا أن الصورة كانت على درجة كبيرة من السوء الى الحد الذي رأى فيه كل الألوان تختفي وتتحول الى الأبيض والأسود..لايدري الى أين تأخذه قدماه وبماذا يفكر عقله ولماذا ينبض قلبه نبضات اعلى من معدلاتها..

رمى جسده على كرسي موضوع على الرصيف عند باب إحدى المقاهي لم يطلب شيئاً الا انهُ فوجيء بصبي المقهى وهو يحمل بيده قدحاً من الشاي ..إرتجفت يده عندما تناول القدح وأشتد الأرتجاف حتى هوى القدح من يده فأنكسر..إنحنى الصبي يجمع الأجزاء المتناثرة وهو يردد(فدوة إلك عمي).

هل هي أعصابه المشدودة أم القلق الذي يعيشه أم الضبابية التي تخيم على كيانه أم التقدم في العمر هي المسؤولة عن حالة الارتعاش التي تنتابه بين فترة وأخرى تساءل مع نفسه فيما تسرب الى  دواخله خوف شديد وقلق من كُنه هذه الحالة وأسبابها ومستقبلها ومدى خطورتها لأنها تذكره بمقاطع الأفلام التي يرى فيها كبار السن وأجسامهم ترتعش على الكراسي المتحركة... مازال لايرى الأشياء على طبيعتها وكأن ميزان الحياة قد تغير وعجلة الزمن تعاني من خلل يجعل الوقت مرتبكاً ويفتقر الى الأتزان ..كل الوجوه تبدو أمامه وكأنها ترتدي أقنعة تنكرية ..كل المركبات التي تمر أمامه تبدو مضللة بقتامة ولايرى من خلالها أي شيء..إنطفأت أو كادت تنطفيء جذوة الحياة في أعماقه لولا أنه تدارك نفسه وغادر المقهى بأتجاه حديقة الأمة التي كانت قريبة عليه وعندما إقترب من الحديقة تراقصت في ذاكرته ذكريات ملونة عن الجسر الصغير الذي يزين الحديقة وسرب البط الذي يسبح على صفحة الماء ذي الزرقة الشديدة والمصورين الجوالين وتمثال الأم وأناقة الناس وهدوء المكان..

الأن فقط وفي هذا المكان تغيرت نظرته الى الأمكنة والناس والشواخص من حوله وباتت أقرب الى الواقع ..وتذكر ايام الشباب والصور الفوتغرافية التي يحتفظ بها والتي إلتقطها في أجزاء مختلفة من هذا المكان وأدرك كم من السنين مضت من عمره وأنه لم يبق أمامه الا القليل وتذكر كلام الأخرين له وهم يجاملونه .. يقول أحدهم لاتهتم لتقدم العمر ..فالعمر مجرد رقم والمهم هو شباب القلب ..بينما يقول له أخر ..إغتنم ماتبقى لك من العمر وإعمل لأخرتك وأقض بقية عمرك بالعبادة والتقرب الى الله..

ويقول له صديق ..لاتهتم للعمر وهو يتقدم بك فهذهِ سُنة الحياة ولاتفكر في الماضي فيتعبك التفكير ولاتفكر في المستقبل فلن تجني سوى الأحلام ..ولكن عش يومك بكل ماتستطيع ولاتحرم نفسك مماتحب..

لكنه لايؤمن بهذا القول فكلما تقدم بنا العمر كثرت قائمة الممنوعات علينا وإشتدت تدابير الأحتراز على الصحة صرامةً وأصبحت الأشياء التي نحبها تخيفنا بل نخشى أن تنقلب ضدنا فالعلاقة بيننا وبينها تغيرت عن الأمس..عاد الى البيت وتذكر أنه حين راجع طبيباً ذهب إليه مجبراً مضطراً إذ إنه في الغالب طبيب نفسه يعرف مايضره وماينفعه ويتقيد بنظام غذائي صارم ويمارس الرياضة يومياً ولديه ثقافة صحية كافية لعلاج نفسه من العوارض الصحية .. إلا أن عدم إستقرار ضغط دمه أثار في نفسه المخاوف خاصة حين سجل قراءات مرتفعة جداً تقترب من العشرين درجة واصبح لايستجيب  للعلاج الذي يتناوله.. قال له الطبيب لعل جسمك تعود على الدواء فاصبح لايستجيب له ولم يبذل جهداً أو إجتهاداً أكثر من أنه كتب له دواءً جديداً للضغط باهض الثمن..وحين تناوله عند وصوله البيت زادت الحالة سوءً فالقراءة مازالت مرتفعة وانتابته نوبة خوف وقلق من تطور الحالة نحو الأسوء ولم يجد غير أن يلجأ الى الأعشاب الطبية الموجودة لديه التي تعمل على خفض ضغط الدم بشكل طفيف ولكنها ستقيه مشقة الذهاب الى المستشفى في هذا الليل وتغنيه عن الصور السلبية التي سيراها هناك والتي ستزيد الحالة سوءً..

في البيت يجد زوجته تهديء من هلعه حين ترتفع قراءات الضغط وتهون عليه الأمر وتبث في نفسيته نفحات من الطاقة الايجابية بكلام يجعله يشعر بالاطمئنان وأن الأمر لايستحق كل هذا الخوف وماهي الا دقائق ويعود الضغط كما كان..

رمى الدواء الذي إشتراه بثمن باهض وعاد يستخدم دواءه القديم فوجده أفضل أداء من دواء الطبيب ولكن مفعوله لايستمر طويلاً كما كان في السابق بل ينتهي عند مرور ساعة أو ساعتين في أكثر تقدير.. قرر أن يذهب الى العشاب فيصف له حالته لعله يجد لديه عشبة تساعده على إطالة زمن مفعول دواءه كما كان في السابق ..قال له العشاب سأعطيك خلطة تتكون من كوكتيل الخل يضم أكثر من أربعة أنواع من خل الفواكه ومنها خل التفاح الذائع الصيت في علاج مختلف الأمراض وستلاحظ الفرق على كل صحتك في خلال ثلاثة ايام وليس على ضغط دمك فقط ولما إنتهى من شربها في خسمة أيام لم يجد ايا من وعود العشاب ولم يشعر بأيه علاقة تحسن لا على ضغطه ولا على صحته العامة بل كانت وعوده إفتراءات وكذباً..

في البيت تقترح عليه زوجته وهي تخفف عنه وتبعث في نفسه الأمل أن يسافر ويروح عن نفسه وتذكره بسفرته معها الى شرم الشيخ وانعكاساتها الايجابية على نفسيته ..

قالت له في مثل حالتك عليك أن تتجه الى زيارة مقامات الأولياء الصالحين وأن تصلي هناك وتدعو الله واذا كانت لديك إمكانية فحاول الذهاب الى العمرة عند بيت الله الحرام وهناك ستجد راحة نفسك بمواجهة الله سبحانه..

يدعو الله في صلاته ويغلبه البكاء وهو يرى أصابعه ترتجف أثناء الدعاء .. كان يجلس مبكراً قبل صلاة الفجر ويصلي ويدعو الله وتأخذه نوبة من البكاء خشوعاً وخوفاً من مصير حالته وتطورها من جهة ومصير ضغط دمه الذي يسعى الى الصعود معظم الأوقات لكنه بمرور الايام شعر أن الطمأنينة تسري الى نفسه وأعماقه بأنسيابية لم يعهدها من قبل ..

كان يشعر بها بالبرودة في صدره والهدوء في تنفسه ..وتفاعله الحقيقي بأن الأمر لايدعو الى القلق ..وأن الله قادر على كل شيء..

فأستكانت نفسه وهدأت أنفاسه ومسح دموع عينيه وقرر أن يتعايش مع حالته التي يعيشها ويترك الجوانب السلبية ويسعى نحو التحلي بالطاقة الايجابية التي تشجعه زوجته عليها..

وأن يعمل على إدامة وتقوية علاقته مع خالقه في طقوس إيمانية يومية لاتعرف الكلل..

وحين خرج من البيت رأى أن الأشياء تبدو أمامه بمنظار أخر فقد عادت إليها ألوانها وعناوينها وزالت القتامة التي كانت تغلف المناظر التي تطالعه وعادت الأغنيات تداعب سمعه بكلماتها وألحانها التي يعرفها منذ زمن طويل حين  استمع اليها في المقهى الذي يرتاده والذي يطل على شارع الرشيد..

شعر أن حاجزاً صلداً كبيراً قاتم السواد كان يفصل بينه وبين شعوره بالطمأنينة وكم تراقصت مشاعره جذلى وهي تشهد إنهيار ذلك الحاجز الصلد بمد حقيقي منير من طمأنينة النفس..

 


مشاهدات 1231
أضيف 2022/12/24 - 1:37 AM
آخر تحديث 2024/11/20 - 7:26 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 368 الشهر 9072 الكلي 10052216
الوقت الآن
الخميس 2024/11/21 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير