ملاحظات تاريخية عن وزارة الإرشاد ومدينة الطب
مليح صالح شكر
كثرت في السنوات الأخيرة مقالات أو بالأحرى فوضى كتابات متفرقة لأشخاص إدعوا فجأة أنهم ( مؤرخون)، ونشروا أحداثاً وصور وقصصاً إتضح أنها غير صحيحة.
وتقتضي شروط البحث في التاريخ عدم الإنزلاق للأهواء الخاصة او التعدي على الموضوعية التي يفترض أن يتحلى بها من يعتبر نفسه (مؤرخاً).
وفي بحث مستفيض ، تأكدت أن الخطأ في تفسير تلك الصورة التي نشرتها لي جريدة ( الزمان ) في مقالي في عددها 7442 بتاريخ 27 تشرين الثاني 2022 عن سيرة المرحوم نعيم العزاوي معاون المدير العام لوكالة الأنباء العراقية ، قد أرتكبه من ظن ان الصورة كانت في مدينة الطب واخطأوا في تحديد هويته ووظيفتي الفريق طاهر يحيى والزعيم الركن عبد الكريم فرحان.
في البداية أود أن أقول أن مصادر موثوقة جداً أكدت لي ان الشخص المدني وبدون أي لبس لم يكن سوى المحامي نعيم العزاوي وليس آي شخص آخر ، ولا علاقة لمكان إلتقاط الصورة بمدينة الطب لا من قريب ولا من بعيد ، بل ان المناسبة كانت كلها في مقر وزارة الثقافة والإرشاد في الباب الشرقي .
ولا أدري مهنياً ما إذا كانـــت جريـــدة ( الزمان) تسمح بإعادة نشر تلك الصورة أم لا ، وقلت حينها أن هنالك احتمال ثالث غير الاحتمالين الذين تحدثت عنهما عن المكان أو المناسبة التي ألتقطت فيها الصورة.
صلة مباشرة
الآن أصبح واضحاً جدأ أن الأحتمال الثالث ، هو الصحيح ، وقد وصلتني تفسيراته من الصديق السيد عمر البجاري في عمان عن مصدر يعيش في أمريكا على صلة مباشرة بأحد الموجودين في الصورة ، ويقتضي الأمر الألتزام بالمثل الشائع في العمل الصحفي ( ليس كل ما يُعرفْ يقال)!
ولكي ننفي تماماً أن الصورة التقطت في مدينة الطب في حزيران 1963 كما قيل خطأ ، وكان البعثيون هم حكام العراق في ذلك التاريخ ، فالصورة لا تضم أي مسؤول بعثي ولا أي وزير للصحة ولم يكن الفريق طاهر يحيى رئيساً للوزراء بل كان في ذلك التاريخ برتبة لواء ، رئيساً للاركان العامة ، ولم يكن عبد الكريم فرحان وزيراً ، بل قائداً للفرقة الأولى ، وكلها وقائع وردت في أخطاء من توهم أن الصورة كانت في حزيران عام 1963 ? ناهيك عن الخطأ في هوية الشخص المدني .
وقد توهم أيضاً وللأسف ان هذا المدني هو الدكتور عادل البكري وسموه ( مدير مدينة الطب) بينما كان البناء آنذاك عام 1963 لم يكن قد إكتمل والذي إستمر تسع سنوات منذ ان وضع رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم حجر الأساس لها بتاريخ 8 آذار 1961.
وقد عرضتُ الصورة على مصادر تعرف الدكتور عادل وبعضها زامله طبياً وسياسياً، وكان حزبياً بعثياً ، وأوضحت لي ان هذا المدني ليس عادل البكري إطلاقاً، وقد توفي في شهر أيلول عام 2018 في حادث سيارة بين الموصل وأربيل.
ولم يكن الدكتور عادل البكري مديراً لمدينة الطب لأنه كان عام 1963 مديراً لصحة لواء الكوت وعاد مديراً لصحة لواء الموصل.
وعندما أفتتح الرئيس أحمد حسن البكر في 14 تموز عام 1970? كان الدكتور عادل ( معاوناً لرئيس مؤسسة مدينة الطب) وليس مديرها، وبقي فيها حتى عام 1975 إنتقل بعدها الى وظيفة مدير الصحة المدرسية.
والدكتور مردان علي هو أول رئيس لمؤسسة مدينة الطب وتولى منصبه بتاريخ 20 تشرين الثاني 1969 أي قبل افتتاحها، وبقي في منصبه للسنوات الخمس التالية .
واعتماداً على دراية مصادر موثوق بمعلوماتها وكانت على علاقات سياسية مع كل القيادات الناصرية آنذاك ومنهم بقدر تعلق الأمر بالموجودين منهم في الصورة وهما عبد الكريم فرحان ونعيم العزاوي فإن الشخص بالبدلة المدنية هو نعيم العزاوي بدون أدنى شك. وتؤيد ذلك الرأي مصادر عديدة اخرى عرضت أنا عليها الصورة كما عرضها أحد أقارب أحد العسكريين الموجودين في الصورة ، وهم : الرئيس المشير عبد السلام عارف رئيس الجمهورية والفريق طاهر يحيى رئيس الوزراء والزعيم الركن عبد الكريم فرحان ، وخلف رئيس الجمهورية يوجد المقدم عبد الله مجيد مرافق اقدم ويظهر خلف عبد الكريم فرحان ، المقدم مجيد محمد العبد الله مرافق رئيس الجمهورية .أمًا المدني بالقميص الأبيض ويتقدم المجموعة فهو ملازم من مديرية الأمن العامة منسب لحماية رئيس الجمهورية ، أسمه الملازم طارق .
وللمزيد من الإيضاح ، قرر وزير الثقافة والارشاد عبد الكريم فرحان في حكومة طاهر يحيى الأولى التي شكلها يوم 20 تشرين الثاني 1963 عدم صلاحية مقر وزارة الثقافة والإرشاد للعمل لوجودها في منطقة تسوق مزدحمة في آخر شارع السموأل في منطقة البنوك ونجح في نقلها الى مقر جديد في الباب الشرقي ، وهو المقر الذي تعاقب عليه عدد من الشخصيات عندما تولت منصب الوزير ثم تم نقلها بعد سنوات طويلة الى مقرها في الصالحية وحتى الغائها وحرقها في الأحتلال الأمريكي في نيسان 2003.
توثيق تاريخي
لذلك فإن تلك الصورة هي خلال احتفال إفتتاح رئيس الجمهورية عبد السلام عارف لمقر وزارة الثقافة والإرشاد الجديد في الباب الشرقي ، وذلك ما يفسر وجود الوزير عبد الكريم فرحان على يمين الرئيس عبد السلام بينما رئيس الوزراء يبتعد بخطوة خلفهما.
وللتوثيق التاريخي فإن بناية الوزارة في الباب الشرقي قد جرى تشيدها لصالح المكتب الهندسي بوزارة التربية وقام ببناءها مقاول معروف آنذاك هو عبد الرحيم المدلج العاني ، وهو شقيق عضو القيادة القطرية للبعث ووزير الثقافة والإعلام فيما بعد عبد الغني عبد الغفور المدلج العاني.وللتأكيد مرة أخرى فقد وضع رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم حجر الأساس لمدينة الطب في 8 آذار 1961 وأستغرق بنائها تسع سنوات وافتتحها الرئيس أحمد حسن البكر في 14 تموز 1970 بحضور وزير الصحة عزة مصطفى، وكذلك الفريق صالح مهدي عماش وزير الداخلية ، وعُين الدكتور مردان علي بتاريخ 20 تشرين الثاني 1969? رئيساً لمدينة الطب وبقي في منصبه للسنوات الخمس التالية وكان الدكتور عادل البكري معاوناً له طيلة هذه الفترة .
{ باحث في التاريخ