في اليوم العالمي للغة العربية.. التَّحدِّيات والمخاطر وإجراءات تجاوزها
غزاي درع الطائي
في كل عام، في اليوم العالمي للغة العربية، يتجدد الحديث عن التحديات العديدة التي تواجهها هذه اللغة الكريمة والمخاطر الجمَّة التي تحيط بها، وهذا الحديث يجب أن لا يكون مقتصرا على تحديد تلك التحديات والمخاطر، بل مقترنا مع المقترحات والإجراءات التنفيذية التي تساعد على تجاوزها، واليوم تنادينا اللغة العربية، بل تستصرخنا وتستصرخ أصحاب الشأن في اتخاذ القرارات المؤثرة، وهي تطلب منا أن نحافظ على أصالتها وأن نعزِّز من اتصالها بالتراث العربي وأن نمكِّنها من الانفتاح على الحاضر والمستقبل بمقدرة عالية، عبر خطوات إجرائية وقرارات قابلة للتنفيذ، وأول ما يستوجب النظر وإعادة النظر في هذا المجال هو العمل على دراسة واقع تعليم اللغة العربية في المدارس الإبتدائية والثانوية وكذلك واقع تعليم وتدريس اللغة العربية في الكليات والجامعات العربية، ثم وضع الخطط الخاصة بتطوير مناهج التعليم في المراحل الدراسية كافة، وتطوير طرق التدريس وتحديث الوسائل والأدوات التعليمية، ورفع مستوى الهيئات التعليمية والتدريسية، ومواكبة تطور وسائل التعليم الحديثة في العالم، وتشجيع البحث اللغوي، وإصدار المجلات المعنية بشؤون اللغة العربية، وتحديث المعاجم العربية لتكون مستوعبة لكل جديد، وفي موازاة هذا كله، تبرز الحاجة إلى القيام بجهد بارز في مجال التعريب وخاصة ما يتعلق بتعريب المصطلح العلمي والتقني، والعمل على جعل اللغة العربية مواكبة للتطور العلمي الحديث، وهنا نؤكد على ضرورة امتلاك المعلومات العلمية والتقنية بلغتنا العربية، وتعميم هذه المعلومات ونشرها على أوسع نطاق، وجعلها متاحة للاستخدام على المستويات التخطيطية والتنفيذية والإنتاجية والخدمية لكل من يحتاج إليها مع سهولة الوصول إليها.
إن الحديث عن اللغة العربية في يومها العالمي، يشجعنا على التركيز على ما يمكن أن يخدم اللغة العربية، ويمنحها الفرصة الحقيقية التي تستحقها، فلا بدَّ من حماية اللغة العربية وحفظ مكانتها اللائقة عبر قوانين ملزمة التنفيذ وتشريعات نابعة من الحاجات الواقعية والحقيقية لها، وضرورة إعطاء اللغة العربية مكانتها التي تستحقها عن جدارة على الأصعدة التربوية والتعليمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية، وضرورة إغناء شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) بالتأليف العربي ومدها بالنشر القومي بمختلف فروعه، وجعل الثروة العربية المعلوماتية حاضرة على هذه الشبكة لتكون معينا ينهل منه الباحثون والدارسون والقراء متى ما أرادوا، وتعزيز حركة النشر العربي عموما، وقيام وسائل الإعلام بمختلف أنواعها بالحد من استخدام اللهجات العامية في برامجها، وتحبيب اللغة العربية إلى القراء والمستمعين والمشاهدين، عبر لغة سلسلة ليس فيها مبالغة أو تكلف، والعناية بموضوع الترجمة الآلية من وإلى اللغة العربية، وجعل مستواه مضاهيا لمستوى الترجمات الآلية من وإلى اللغات السائدة في العالم، وتوفير ما يحتاج إليه من كوادر ومن أسس مادية ومساعدات فنية لها، وإيلاء موضوع تعريب المصطلح العلمي والتقني الأهمية التي يستحقها، فهو المدخل إلى التعريب بشكله العام والمفتاح لإنجاحه، مع ضرورة العناية الفائقة بموضوع المعالجة الحاسوبية للغة العربية، ومن الضروري إعطاء هذا الموضوع كل ما يتطلبه من إهتمام، والعمل الحثيث على الوصول بهذه المعالجة إلى أفضل مستوياتها، والسعي الجاد من أجل الارتقاء بكل ما يتصل بهندسة اللغة العربية واللسانيات الحاسوبية، من حيث التعليم والتدريب.
إن اللغة العربية اليوم واحدة من اللغات العالمية الرسمية الست المستخدمة في المنظمة العالمية للأمم المتحدة والمنظمات والوكالات الدولية التابعة لها، وهي تحتل المرتبة السادسة من بين اللغات العالمية الثماني الأكثر تداولا في العالم من حيث عدد الناطقين بها، وتحتل المرتبة الثانية عشرة من بين اللغات الخمسين الأكثر بروزا في مجال الترجمة، كما تحتلُّ المرتبة السابعة والعشرين عالميا من حيث عدد الكتب المترجمة إليها ، وهي لغة رسمية في منظمة المؤتمر الإسلامي، والإتحاد الإفريقي، وصندوق النقد الدولي، والإتحاد الدولي لجمعيات المكتبات ومؤسساتها، ومنظمة شرطة الجرائم الدولية، وتجمُّع دول الساحل والصحراء، وقد شاركت اللغة العربية في حوار الثقافات، على طول الطرق البرية والبحرية لطريق الحرير من سواحل الهند إلى القرن الإفريقي، وأثَّرت تأثيرا مباشرا أو غير مباشر في العديد من اللغات العالمية، وكانت وما زالت لغة حوار وتواصل ثقافي وعلمي وأدبي وحضاري بين الأمموالشعوب، في إطار التعددية اللغوية، وفي ظل ظروف العولمة والرقمنة، وأسهمت في إنتاج المعارف واستحداثها ونقلها ونشرها، فتحية بل ألف تحية لك أيتها اللغة العربية، أيتها الطيبة المباركة، في يومك العالمي، سواء أكنت مقروءة أم مسموعة، وسواء أكنت مكتوبة في كتاب أو جريدة أو مجلة أو على شاشة، وسواء أكنت مطبوعة أم مخطوطة، مباركة أنت فينا وفي العالمين .