التصميم الأساسي لأي مدينة .. لماذا هو اساسي ؟

يتساءل الكثيرون عن السر في عملية التدهور المتسارعة التي شهدتها مدينة بغداد منذ مطلع القرن الحالي.

فقسم من الناس يلقي باللائمة على امانة بغداد وقسم الاخر يلقي باللوم على المواطن والبعض يوزع اللوم على الجهتين اما الباقين فيلقون باللوم على المواطنين الذين شدوا الرحال الى المدينة من باقي المحافظات.

فمن هو الملوم يا ترى؟

وهنا اود ان ابين ان اهم اسباب هذا التدهور هو ما يطلق عليه "عملية التحضر السريع" Rapid Urbanization اي التزايد المطرد والسريع في الزيادة السكانية للمدينة.

ان مواجهة هذه الزيادة تتطلب من الجهات القائمة على المدينة التهيؤ والاعداد لاستيعاب وتنظيم المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والطبيعية الناتجة عن الزيادة السكانية وتوجيهها بما يضمن كفاءتها بطريقة متوازنة.

ولا يمكن لاي مدينة ان تتطور بشكل يتناسب مع متطلبات النمو السكاني من دون خطط مبنية على دراسات معمقة لكافة القطاعات وتاثيراتها الواحدة على الاخرى.

لذلك تعتمد المدن في تطورها على وثيقة رئيسية تعتبر اداة اساسية للسيطرة على مسار نمو المدينة وتطورها بما يضمن النمو السليم لها والقيام بوظائفها على الوجه الاكمل من خلال توفير البيئة المناسبة للعيش والعمل والتنقل.

هذه الوثيقة او المخطط الشامل يسمى "المخطط الاساسي" ويهدف الى توجيه النمو وتلبية متطلبات السكان لمدة زمنية تتراوح ما بين 20-30 سنة قادمة.

هل لمدينة بغداد "مخطط اساسي" ؟

اخر مخطط اساسي لمدينة بغداد وضع في عام 1975 من قبل مؤسسة پولسيرفس لمدينة عدد سكانها 3 ملايين نسمة وكانت سنة الهدف فيه عام 2000 وكان يفترض عندها اعداد مخطط اساسي جديد للسنوات 2000-2025 يتم فيه استيعاب عملية التحضر السريعة والكبيرة وتلبية متطلبات السكان في العيش والعمل والتنقل من خلال توفير مساحات جديدة وتحديد اتجاهات النمو السكاني وتحديد استعمالات جديدة لاستيعاب الفعاليات الاقتصادية وتوفير الخدمات المطلوبة.

الا ان كل ذلك لم يحدث واستمر الحال حتى عام 2005 حيث تم تكليف مكتب استشاري متخصص في التخطيط الحضري باعداد المخطط الاساسي الجديد الذي اطلق عليه "المخطط الانمائي الشامل 2030" وبمدة تنفيذ قدرها سنتين.

الا انه لم يتم الانتهاء من الدراسات الا عام 2017  (بعد العديد من التاخيرات والعراقيل المعروفة من قبل امانة بغداد) حيث وبعد ان قدم التقرير النهائي موضوع الدراسة الى امانة بغداد في ذلك العام لا يزال ذلك "المخطط الاساسي" للمدينة في دهاليز امانة بغداد حتى اليوم ولم يفرج عنه … على الرغم من انه لم يبق لسنة الهدف سوى سبع سنوات  !

ما هي نتائج عدم وجود مخطط اساسي للمدينة ؟

ما نراه اليوم من فوضى مرورية واختناقات وانتشار للعشوائيات وغياب مركز المدينة وكم التجاوزات الكبير وغياب الذوق العام انما هي نتيجة مباشرة لعدم وجود مخطط اساسي للمدينة له قوة القانون منذ عام 2000 وهو ما يستغل في اغلب عمليات الفساد والاستحواذ الغير شرعي … فعلى سبيل المثال فان تغيير استعمالات الاراضي من خضراء الى سكني وتجاري اصبح متاحا بينما لو كان التصميم الاساسي مقرا لما كان لهذه الصلاحيات وجود.

النتائج الكارثية التي تسببت في "تخريب" مدينة بغداد كثيرة وكبيرة ولا يسع المجال لذكرها … ويكفي ان نقول ومن دون مبالغة بان اي مشكلة حضرية تواجهها المدينة ومواطنيها وتتعلق بالعيش والعمل والتنقل سببها عدم وجودها  "المخطط الاساسي" وبمعنى اخر يعني ذلك عدم وجود خطط لمواجهة مشاكل المدينة المتفاقمة في كافة القطاعات !

ومن هذه النتائج على سبيل المثال لا الحصر :

العشوائيات

الاختناقات المرورية

التجاوزات على الانظمة البنائية

التجاوزات على استعمالات الاراضي

فوضى الاستثمار

التغييرات البيئية والتلوث

نقص المناطق الخضراء

غياب مركز المدينة

اندثار المناطق التاريخية

فوضى اسواق الجملة

عدم التوازن الحضري

نقص الخدمات

تقادم البنية التحتية

… والقائمة تطول !

ومن اجل تلافي هذه المشاكل ومواجهتها قبل استفحالها سمي المخطط الاساسي "اساسي" لانه من دون المخطط تضيع البوصلة وتغرق المدينة في بحر متلاطم من المشاكل التي لا يمكن اصلاحها الا بعقود من العمل المضني  … هذا اذا توفرت الارادة .

من الملوم اذا ؟

من هنا (وليسمح لي مسؤولي الامانة) فان اللوم كل اللوم يقع على كاهل امانة بغداد لفشلها في استيعاب عملية التحضر السريع منذ العام 2000 …

واليوم فان هذه الامانة مطالبة اكثر من قبل بالافراج عن "المخطط الاساسي" والمباشرة باصلاح الاضرار التي لحقت بالمدينة واهلها وهي اضرار تتعدى بكثير ما تقوم به الامانة من اكساء للطرق او تشجير للحدائق او انارة ليلية ملونة للمباني.

الامانة مطالبة بجهد تخطيطي "اساسي" واستثنائي من اجل حاضر ومستقبل المدينة يبدا من اليوم ولم يعد يحتمل التاجيل …

{ عن مجموعة الواتساب