الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الإمام الحسين وشرف الكلمة والموقف والمستقبل

بواسطة azzaman

الإمام الحسين وشرف الكلمة والموقف والمستقبل

 حسين فوزي

لن أستطيع نسيان الكلمات الجليلة على لسان سيدنا الإمام الحسين في مسرحية “الحسين ثائرا” لكاتبها الكبير عبد الرحمن الشرقاوي “كبرت الكلمة، ما دين المرء سوى كلمة، مفتاح الجنة كلمة، دخول النار على كلمة، قضاء الله كلمة،الكلمة نور، وبعض الكلمات قبور، بعض الكلمات قلاع شامخة، يعتصم بها الليل البشري، الكلمة نور ودليل تتبعه الأمة، الكلمة زلزلت الظالم، الكلمة حصن الحرية، إن الكلمة مسؤولية، إن الرجل هو الكلمة…شرف الله هو الكلمة..”

ولمن لا يعرف الروائي والمسرحي عبد الرحمن الشرقاوي، فهو واحد من قلة من الكتاب المصريين الذين كانوا ينتقدون الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وكانت مسرحية “الفتى مهران” عمل كبير منعته الرقابة المصرية، حتى وصل الخبر إلى الرئيس ناصر، فقرأ المسرحية، وبعدها سأل وزير الثقافة في حينها ” هل تظنني الفتى مهران؟! أطلقوا عرض المسرحية”…كان الشرقاوي وفياً لقيم الحرية ففرض احترامه على الجميع، لكن كل ما صدر عنه كان مدروساً بناء ينتقد لكنه يؤشر سبل البناء والتقدم.

معذرة لهذه المقدمة الطويلة التي لا شك يؤاخذني عليها الكتاب الكبار، لكني أريد  الإشارة إلى ثلاث ظواهر تسود الكلمة اليوم عندنا عبر الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، الأولى بشأن الفساد وتحكمه بمصائرنا وعصاباته المنظمة، وفي هذا السياق تزدحم الأسماء المنسوبة للفساد وحجم المبالغ الفلكية التي نهبوها من أموال الشعب أو ابتزوا أو تحايلوا على رجال الأعمال لنهبها. وبالطبع فأن هذا “الإغراق” بالأسماء وتفاصيل النهب والاحتيال بدون التحري والاستقصاء قبل إطلاق “الكلمة”، هو تشويش ضار، فالمطلوب ممن يتصدى بجهده للمساعدة في الكشف عن النهب، أن تكون كلماته مرسلة بعد تحرٍ وتدقيق قدر الإمكان، فبهذا وحده يكون للكلمة قيمة، ويكون للطرح دور في مســــاعدة من يريد محاربة الفساد.

ومن المؤسف أن إعلامياً لامعاً مثل السيد أحمد ملا طلال بث بحماس حلقة كاملة وتفاصيل عن رشاوى نسبت لشخصيات رئيسة في الدولة، لكن بدون تمحيص، بدون توازن، بدون سماع كلمة الطرف الأخر، فالكلمة مثل سيف القضاء العادل لا تكون سليمة بدون توازن في سماع أطراف القضية. لست هنا للدفاع عن احد، فكل جماهير العراقيين المسحوقة مع كشف الفاسدين، لكن المفروض أن تتوجه أصابعنا وكلماتنا بالاتجاه الصحيح وكشف الحقائق، وليس الانزلاق إلى التحول لأدوات تكثر من الاتهامات والشائعات وحتى الإحتيلات على القانون بدون سند،فيتم التستر على اليابس المتعفن من كثرة الأقاويل.

وبيان السيد فاروق مصطفى قدم معلومات في ظاهرها تدحض كل ما طرحه من استند لهم ملا طلال، لماذا تجاهل الإعلامي مصدر رئيس في القضية؟ أهكذا هي الكلمة الإعلامية الاستقصائية المسؤولة؟ إذا ما دحضت الوقائع ما طرحه ملا طلال،فعندها نكون وسط بيئة تغرقنا بالشائعات والأكاذيب، سواء عن قصد أو بدون قصد، تبعدنا عن متابعة الرؤوس الإجرامية للفساد والمحتالين واللصوص، الكبار بالأخص…

من ناحية أخرى تتناقل بعض وسائل الإعلام والتواصل “كلمات” مسربة منسوبة لبعض القياديين في الإطار التنسيقي تهاجم رئيس الوزراء السيد السوداني، بل وتصل “الكلمات” المنسوبة لهم حد الاستخفاف به، ونعته بـ”مجرد مدير عام لدى الإطار”، وأعتقد بأن مثل هذه التوصيفات تتخطى حدود اللياقة وتجاوز على “مشروعية” رموز الدولة، وهي بشكل مباشر تعدٍ على موظف عمومي في أداء مهام عمله، فرئيس الوزراء منذ اللحظة التي أقسم بها اليمين الدستوري، يفترض أنه خادم للشعب العراقي، وليس أية جهة بعينها من العراقيين، وهو أحد طرفي السلطة التنفيذية مع مجلس الوزراء من جهة، ورئيس الجمهورية من الجهة الأخرى، وهو بيمينه مطيع للدستور والقانون اللذان يلزمانه ببرنامج عمله الحكومي وتوقيتاته، وليس تابع لأي طرف، حتى الجهة التي صوتت بتكليفه، فهل يعي المتحدثون خطورة ما يطرحونه خارج “إطار”البرنامج الحكومي؟ هل يعون أن عرقلة عمل الحكومة في الإصلاح وملاحقة الفاسدين واسترجاع المال العام والخاص المنهوبين بالفساد أو الاحتيال، يعني إفشال لقوى الإطار وإسقاط لشرعية توليها تنصيب الحكومة، ودفع البلاد نحو اليأس من الإصلاح والتغيير من داخل المؤسسة القائمة، ولا يبقى سوى تفجر الغضب، بالأخص في ظل قوة رئيسة انسحبت، وهي تراقب مسار الأداء إلى حين!!؟

الظاهرة الثالثة لـ”الكلمة” هي طروحات كثر من “مفكرين” و”محللين” و”مراقبين” تتحدث عن “استحالة” محاربة الفساد والدولة العميقة، وأن رئيس الوزراء “طيب وعلى نيته”، وهو سيصطدم بجدار القوة الخفية المتحكمة بمقابض السلطة فتفرمله أو تفرمه وتجعل حركته مجرد “جعجعة” بلا طحين.

صحيح أن معركة استعادة سلطة الدولة والقانون والالتزام بمعايير النزاهة والشفافية وخدمة المواطنين مهمة بالغة الصعوبة، وتحتاج إلى أدوات غير ملوثة في جهاز الدولة، في ظل كل ما تراكم منذ الاحتلال الذي بذر الفساد وبيع الوطن أجزاء ونهب موارده، من خلال المحاصصة والمحسوبية والمتاجرة بالدين والطائفية، لكن الشيء المؤكد هو أن برنامجاً حكومياً يعلن إرادة تتصدى لما هو قائم من السلبيات الخطيرة التي تهدد مصير الوطن وتهدر حياة المواطنين، وتقتل الشبان بالأخص بالبطالة وتكفيرهم بالقيم، وما معلن إيجابي في البرنامج، والمطلوب هو مراقبة التنفيذ ومساندة أية جدية في الأداء.

لكن ما غاب عن مروجي اليأس وجود إرادة شعبية، برغم تحفظها على الإدارة “المشروعة” الحالية للدولة (مجلس الوزراء ورئيسه)، إلا أنها تساند كل ما يبدر منها في الاتجاه الصحيح، وضمن هذا السياق هو موقف التيار الصدري، مع ملاحظة حقيقة مخاطر نفاذ صبر المواطنين والتيار الصدري ضمنهم، يشكل عامل ضغط يستدعي التنفيس حتى من قبل الفاسدين أنفسهم الذين صاروا يحملون شعار محاربة الفساد لتفريغه من مضمونه وحماية كبار الرؤوس بتقديم قرابين الذيول، فالمطلوب توفير الدعم للمنهاج الحكومي لتخطي التنفيس وتحويله إلى عمل حقيقي يحقق مكاسب تصلح الوضع وتوفر شيئاً لحياة أفضل للمواطنين على طريق المعالجة الجدية وليس مجرد التنفيس عن السخط الشعبي.

وأعود لأكرر ما وضعه الشرقاوي على لسان سيدي الإمام الحسين “الكلمة مسؤولية…إن الرجل كلمة..شرف الرجل هو الكلمة..” فهل لكلماتنا من دور في كشف الحقائق لتكون “دليلاً تتبعه الأمة” على حد قول الإمام ويسترشد به المسؤول؟؟!


مشاهدات 971
أضيف 2022/11/25 - 11:35 PM
آخر تحديث 2024/11/23 - 1:09 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 24 الشهر 9495 الكلي 10052639
الوقت الآن
السبت 2024/11/23 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير