14 قصة قصيرة جداً في الحب لجليل القيسي
محمد حسين الداغستاني
من المدهش حقاً أن يكون للكاتب الكبير الراحل جليل القيسي رصيدٌ ثر من القصص القصيرة جداً دون أن يحرص أو يعتني بنشره في صحف واسعة الانتشار في العراق أو خارجه مع أنه كان قادراً على فعل ذلك ، وأعتقد أنه مارس التعاطي مع هذا الجنس الأبداعي الذي كان حديثاً في الوسط الادبي العراقي بداية العام 2001 م ، على سبيل التجريب ، أو أخذ بنظر الإعتبار عدم إستيعاب (الهلال) وهي مجلة محلية كانت تصدر في محافظة كركوك محدودة القراء والحجم والطبع لنشر القصص او المسرحيات الطويلة فاختار القصص القصيرة جداً نزولا عند رغبة صديقه الأثير الراحل عدنان القطب الذي كان سكرتيرا للتحرير فيها ، وكان بحكم ما كان القيسي يتصف به من خلق رفيع وخجل يجبره على الرضوخ وعدم صد صديقه أو تجاهل إلحاحه المتواصل عليه وعلى عدد من الأدباء والشعراء المعروفين لدعم المجلة المتواضعة مقارنة بالصحف والمجلات المعروفة في تلك الفترة فأختار القصص القصيرة جداً لإشباع التوق في نفسه الى خوض غمار التجربة في أواخر حياته ، وإرضاءً لصديقه في ذات الوقت .
لتسليط الضوء على جانب مهم وغير معروف من جوانب الموهبة الأدبية التي كان الراحل جليل القيسي يتمتع بها فإنني أبادر الى نشر حزمة جديدة من قصصه القصيرة جداً ، على أن أتبعها بأعداد أخرى مستقبلاً آملاً أن تمهد خطوتي المتواضعة هذه نحو المزيد من التأمل والقراءة والدراسة المستفيضة لهذا النمط الأدبي النادر في المسيرة الإبداعية لهذا الكاتب الفذ .
14 قصة قصيرة جدا في الحب (*)
جليل القيسي
1. أحبك أنت
قالت : أبهذه البساطة تريد مني أن أنساه بعد حب عقد من الزمن وأحبك أنت َ ؟
- لم َ لا طالما سافر بعيداً ولن يرجع .
- لكنه زرع في فضاء ذاكرتي أروع الذكريات التي لن تنضب بسهولة ... آه لو تعرف بحيرة مشاعري ، وبذلك الدخان الدافئ الذي يرتفع منها .. يا إلهي ، ما أسهل الكلمات .. أنساه ؟ كيف بحق السماء تريدني أن أتخلص من عبئ الحنين الأسيدي الحارق الذي أكنـّه له ؟ حنين يلسعني في كل دقيقة مثل أفعى مثلثة الرأس ، إذا كنت تتصور أنك تعيد لي الحياة مثل بيجماليون فأنت حتماً حالم . أرجوك .. أتركني .
2. بلاغة
قال : ألاحظ لمرات عديدة أنك تضيقين من حديثي !
أجابته بسخرية ناعمة : لا شك لديك بلاغة جيدة في الحديث .. ولكن ...!
- لكن ماذا ؟
- أنا بصراحة أكره بلاغة الحديث ... إنني أحب لغة القلب وأنت لا تجيدها .
3. لا تعرف الحب
قال : صدقني يا عزيزي أقسم لك بشرفي أن صديقتك هذه لا تعرف الحب . الحب الحقيقي يهز حتى الانسان البارد ، بل يحرج حتى رجل الدين الصارم . تذكر قصة القديسة آبيلا .. صديقتك ، يا إلهي ، قسمات وجهها باردة ، وأشك أن ثمة حرارة في داخلها . إنها بصراحة فتاة صعيقية في كل شيء .
4. إبكي
قال : إبكي يا عزيزتي حتى الثمل . هذا فقط يريحك . قلت لك أكثر من مرة أن ليس العقل وحده يخدع ، فالقلب يخدع النفس أيضاً .. لكنك مثل بعض الأزهار التي بدلاً أن تتفتح تنغلق ولا تفيد معها الشمس ... كوني شجاعة وقولي وداعاً لحب نزق .
5. لأنني ضعيفة
قالت : تقول أنك تحبني لأنني فتاة ضعيفة ، لماذا ؟
- ياحبيبتي أن الضعفاء من الناس رجالاً ونساءً وحدهم الذين يستحقون المحبة والعطف ، لأن أعماقهم تفصح عن شاعرية دفينة ، وبراءة آسرة ...
6. المخلص
قالت لصديقتها : يا عزيزتي هل ستبقين حقاً تنتظرينه ، وإلى متى ؟
- الى الأبد .. لقد أدمنتُ الإنتظار
- أصبحت مجرد إنتظار ، نعم أنتظره مثلما ينتظر المسيحي المؤمن مجئ المخلص .
7. أحبك بجنون
قالت من خلال تنهيدة حارة : آه أحبك بجنون ..
- لماذا ؟
- أنت فنان في جعل القلوب تنبض بالجذل ، سيما في أوقات المحنة الشديدة .
- أحقاً أنا كذلك ؟
- لا أجاملك .. ولا أتملقك .. أنت حباك الحظ بإمتيازات رائعة . حتى في الصحراء تصبح غنياً ... صدقني بسبب حظك العظيم تبقى أعظم شأناً من الجميع
- يا إلهي تتكلمين بلغة العّرافات ..
8. حكمة
قالت وهي ترسل إليه نظرة تحرش ذكية : أنت تخاطبني بلغة رزينة ، مؤثرة جداً ..
إبتسم لها وقال بأجمل أدب : هكذا أنا عندما أكلـّم المرأة .
- حقاً ؟ أضافت بعد صمت قصير بصوت هامس : لكن !
- لكن ماذا يا آنستي !؟
- ثمة دهاءٌ غريب يفيض في لغتك يضرب القلب .
- بل قولي حكمة ..
- آه .. حكمة .. نعم .. نعم .
- هل ثمة ضير في قول الحكمة ؟
- لا لا إنها ساحرة .. لهذا تراني أستسلم لك رغماً عني .
9. نبؤات
- هل حقاً لديك نبؤات ؟
- ربما ..
- كيف تمتلك النبؤات ؟
- أتركُ روحي المعذبة تسافر بحرية .
- تسافر الى أين ؟
- الى أماكن قاتمة ، ومشرقة ، الى الضياء .. الى أماكن لا تستطيع إلاّ قوة غريبة أن تذهب إليها ..
- ماذا توجد في تلك الأماكن ؟
- أصوات بشرية مقدسة .
- هل أستطيع أنا الأخرى أن أعمل الشئ نفسه ؟
- لا . يجب أن تكوني شاعرة حقيقية أولاً .
10 . دِفِـني
تنفس بعمق بعد أن زمَ شفته بطريقة هي مزيج من السخرية والغضب الجميل : أنستي أشك جداً أن أستطيع اللحاق بك .
أجابت بغنج : لماذا ؟ وهل أنا فعلاً عداءة سريعة جداً ؟
- لا لا .. أنتِ دِفِـني حقيقية ..
أطلقت ضجكة هازئة وعلى طريقة النساء ذوات العزيمة والصبر قالت : لماذا تكلمني بالألغاز ؟ دِفِـني ؟ ما معنى دِفِني ؟
- دِفِني يا أنستي هي الحورية اليونانية التي تحولت الى غاز في اللحظة التي همّ ابوللون أن يلحقها .
قالت بسخرية لذيذة : آه .. وهل كنتَ تلعبُ معي دور أبوللون ؟ مسكين !
11 العانس
قال : أنظر .. تلك هي فتاة غامضة جداً .
- نعم وعصية على الفهم ..
- أعرف ..
- إنها ما زالت جميلة .
- فعلاً .. أتعرف أنها في الأربعين ؟ منذ أن شعرت أن قطار الزواج فاتها دخلت عالم الإنزواء والتبتل .
- إنه عالم صعب جداً للمرأة .
- أتعرف أن حياة الإنزواء سوف تأخذها برفق الى بقايا آمال تدغدغ خيالها ثم فجأة تصب إلى بدايات حالة عصاب .
- طبعاً .. طبعاً بل عصاب قوي وشذوذ نفسي .
- نعم .
12. فنان
قال لها بصوت هادئ : إسمعيني إن هذا الحاجز الثلجي الذي تضعينه بيني وبينكِ ، وكذلك بين الآخرين لا يذيبه سوى أنا ، والزمن كفيل يا عزيزتي لمعرفة هذه البديهية .
قالت ببرودة ساخرة : بديهية !؟ أنت كثير الإعتداد بنفسك .
- لأنني فنان .. فنان .
- بماذا تتميز عليَ أنت كفنان ؟
- بأشياءٍ كثيرة .
- مثلاً ؟
- أنا أرفع شأناً منك ِ وأكثر غنى من كل ما تملكين ، وأكثر حياة ً ، وأفضل حالاً .
- يا إلهي أنت كذلك فعلاً .
13. فراق
نظر إليها طويلاً وقد أثاره شكلها الطفولي الرائع ، واشتمله فجأة حنان مؤثر وهتف قائلاً مع نفسه : لكنها لا ولن تفهمني أبداً .
قالت وهي تستلقي برفق فوق الصوفا : أنا بصراحة لا أفهمك ، إن كلماتك غامضة ، أفكارك معقدة .
أجابها بهدوء : ولكنك ستفهمين نور كلماتي ذات يوم ، لكنني لن أعير أي إهتمام إليك ، إن هذا البط ء في الفهم دليل عدم تألق خيالك .
14. إنك جد وسيم
قالت : أتعرف يا حبيبي إنك جد وسيم ! أتعرف ماذا تفعل وسامتك في المرأة أقصد في المرأة الأكثر صعوبة ؟
- ماذا ؟
- صدقني تستطيع إغراء وإذكاء نار الشوق الغامض في قلبها مهما كان ذلك القلب متحصناً .
- إغراء .. ها ها .. لديً سلاح الشيطان وأنا لا أعرف !