نعيم عبد مهلهل.. إيطاليا المسكينة أمام دمعة مزعومة
عبد الحسين ماهود
هو نعيم عبد مهلهل ماكنة تنتج دون هوادة كما هائلا من الكتب تحمل اسمه كمؤلف فتجعل جل ساعات يومه مخصصة للكتابة على حساب التركيز على أشياء حياتية اخرى لاتقل أهمية عن هذا الاهتمام
إزاء هذا الهوس تعتقد ان كتاباته قد تجنح الى التسطيح، لكنه في سرده يحفر في الأعماق فيؤلب القلب بقدر كبير من الدفء المشحون بعواطف نبي يصرح أمام الملأ بما لديه ، ويشحذ الذهن للتعبير عن موقف من الحياة لا يحيد عن القيم النبيلة التي يؤمن بها كرجل محكوم ببيئته
انه سارد كبير، ولا ضير عنده أن يأتي سرده مغسولا بدمعة صوفيا لورين، تلك الممثلة الإيطالية ذات النهد البض الذي أبرزته الأفلام الروائية بالأبيض والأسود، والتي راح يبحث عنها في روما دون ان يدرك انها انزوت في مأوى غير معلوم بعد ان داهمتها الشيخوخة أو مغسولا بدموع أصدقاء محسن التي ذرفوها في سجن بوكا عند زيارتهم له ، حين كان معتقلا فيه أو بدمعة محسن المزعومة لعدم صلتها بحال هذا الروائي الراقد حاليا تحت التراب، بعد أن أطلقت الحياة سراحه مانحة اياه إجازة أبدية
وعليه ينبغي التأكيد أن لا صلة بدمعة هذا المظلوم التي وردت في عنوان كتاب نعيم
( دمعة محسن وإيطاليا المسكينة) الصادر بهيئة قصص في سوريا عن دار نينوى مطلع هذا العام 2022 ولا صلة لها بدمعة ايوب عندما وصل به الصبر الى أخر مدارج الألم ، أو دمعة من ولدت في قرون سابقة يأتي ذكرها في كل طف اما عن إيطاليا الساحرة المنعوتة بـ ( المسكينة ) فلأن قيصرها في امتلاكه لكليوباترا كان اقل فحولة من جلجامش الذي تجول في شوارع روما، تاركا في خطواته تأوهات النساء الإيطاليات ذوات الوجوه البرونزية والعيون الزرق على اثر واقعات غرامه معهن ان جلجامش هنا هو ابن المعدان الذي اخذ معه في سفره للبحث عن عشبة الخلود عصاه الغليظة التي تحميه من مخاطر الطريق0 العصى هي ذاتها اليوم من يمسكها المعدان ليضبطوا بها سير قطعان جواميسهم في عودتها من قيلولة الماء وسط مياه الهور الى حظائرها ، وإيطاليا المسكينة ايضا لأنها تعيش محنة وباء كورونا التي اذلتها، بعد خسائر بشرية جمة فاقت خسائر الحرب التي ساهمت إيطاليا بشنها في الناصرية مع قوات التحالف التي احتلت العراق لقد سقط جنودها في شوارع المدينة قتلى برصاص ابنائها المدافعين عنها ضد الاحتلال واختلطت دماؤهم مع دماء الضحايا من ابناء هذه المدينة بفعل شظايا انفجار مبنى غرفة تجارة الناصرية الذي اتخذ مقرا للقيادة الايطالية ، بشاحنة مفخخة في تجواله بين مدن العالم يضع نعيم عبد مهلهل باعتباره بطلا لقصص مترابطة الأحداث في هذه المجموعة، يضع مدنا لا مرئية نصب عينيه، بعد أن تخيلها ايتاليو كالفينو في روايته ( مدن لامرئية ) ليكشف الغيب في ثياب هذه المدن بعد أن يأوي اليها عقب المتع الغرامية التي تتحقق له0 لكن المدن التي جال بها المؤلف ( البطل) هي مدن حقيقية تنحو بالقصص صوب ادب الرحلات بواقعية سحرية ترتبط بالراهن من الزمن وبأمكنة هذه المدن على خارطة العالم، وهي المتوزعة بين أوربا والناصرية ( جنوب العراق ) الذي وصفه جندي ايطالي جريح بأنه جنوب نحس، ناسفا كونه جنوبا ناعما ورومانسيا وثوريا وحسينيا وماركسيا وفقيرا الى حد اللعنة0 ذلك الجنوب الذي كنا نقود سعادتنا فيه برمش ممثلة حسناء ونقود ذات السعادة في الظرف الراهن برواتبنا المعسرة ومفردات البطاقة التموينية الشحيحة مقابل الخوف من رذاذ فايروس كورونا الذي تمكن الغربيون من اختراق قيوده بتعقيم عوراتهم وتحقيق شهواتهم في الحمامات، لكن ما يفسر عدم تحقيق المعلم سلمان الذي مات في مالطا لرغبة خليلته بالأنجاب منه ورفض البطل لعرض احدى الفاتنات بتحقيق نفس الأمنية ، هو الارتباط ببيئتهم التي تحكمها مبادئ واصول لايمكن لهما التخلي عنها مهما غيروا من ملاذاتهم .
حمل محسن الخفاجي صيرورة الوداع عبر محنة الاعتقال دون أن يذرف دمعة أو ينجز آخر رواياته ليموت وهو جالس أمام الحاسوب لاسبب معلوم لأعتقال الأمريكيين له، غير ان خبرا غير مؤكد يشير لارتكابه فعل الكذب على موظف فيدرالي
في اعتقاله بدى متعب النفس والجسد وقد غزت النحافة جسده الواهن والشحوب عينيه، ونزف قلبه دما دون أن تذرف له دمعة في حياته ماعرف للبكاء طريقا وكانت رقته تشاكس الدمع وتمنعه من أن يسيل على خديه، وعل حسب ما ادلى به المؤلف وعليه فأن دمعة محسن التي تصدرت عنوان مجموعة نعيم القصصية قد شاكست إيطاليا المسكينة واثبتت قدرتها على أن تكون مزعومة
ملاحظة : في العام 2003 أعلنت وزارة الثقافة عن أسماء الذين فازوا بجائزة الدولة للإبداع، وكنا نحن الثلاثة من الفائزين بها
- محسن الخفاجي عن القصة
- نعيم عبد مهلهل عن الرواية
- أنا عن النص المسرحي
وبفوزنا اكتسبت الناصرية شرف وقوع ثقل الجائزة بين مبدعيها