فاكهة ليلية للناقد محمد جبير .. الإخفاقات الفنية لتجرية الكتابة السردية
محمود خيون
كثرت في الآونة الأخيرة النظريات الخاطئة بشأن موضوعة النقد الأدبي خاصة بعد أن شهدت الساحة الأدبية غياب رموز كبيرة للنقد ساهمت في تحديث وتطوير العملية النقدية ومارافقها من انتكاسات على مستوى المنظور العملي والتطبيقي لمتطلبات الشروع في وضع أساسيات وشروط إجراء الموازنات الفردية لكل عمل أدبي يراد تقييمه وتصحيح مسارات الكتابة التي تعتمد السرد القصصي أو الروائي وتوافر البناء الفني المطلوب لنجاح الغاية وبلوغ الهدف من الكتابة، خاصة أن( النقد الادبي يركز على تقييم الجوانب الجيدة والرديئة في النص أي أنه لا يقتصر على البحث في عيوب النص فقط، وتكون هنالك أسس ومعايير يرجع اليها الناقد أثناء تحليله للنص الادبي، إلا أن عملية النقد احيانا تعبر عن وجهة نظر القاريء لما يحدث في النص نفسه، فما يعد جيد وجميل لقاريء معين قد يكون غير لائق وغير جميل لقاريء آخر، قد لا يلقي نص ما رواجا مقبولا بين مجتمع القراء في زمن ما، وربما يقفز قفزة نوعية في زمن آخر، على سبيل المثال، لم تلق رواية( موبي ديك ) للكاتب الأميركي هرمان ملفيل التي نشرت عام 1851 م القبول بعد صدورها مما جعل كاتبها يشعر بخيبة الأمل، فقضى بقية حياته موظفا بسيطا، ويموت مجهولا وبحسب ما ورد في مقال الناقد والباحث عبد الحميد المدري( نظرة عامة في النقد الأدبي...
أسوق ذلك وأنا أواصل قراءتي لكتاب( فاكهة ليلية ) قراءات في السرد للناقد محمد جبير الذي يبين فيه بأن عام 1928 وتحديدا بعد الحرب العالمية الثانية شهد صرخات ولادات إبداعية كثيرة وأسماء عراقية أمثال( عبد الملك نوري وفؤاد التكرلي، غانم الدباغ، مهدي عيسى الصقر، بدر شاكر السياب، نازك الملائكة، بلند وصفاء الحيدري، جواد سليم وفائق حسن وآخرين..حيث تعالت صرخات هذه الأسماء لتعلن شهادة ميلادها في هذه السنة أو التي سبقتها أو التي تلتها ليقودوا في مرحلة الشباب خطوات التحديث والتجديد ويكونوا قادة المرحلة الثانية في الريادة إلا وهي " الريادة الفنية " ...
ويوضح الناقد محمد جبير أن الجهود النقدية العراقية توصلت في دراسة تلك المرحلة وما قدمته من اضاءات في وقت كتابتها..مؤكدا أن البدايات الشخصية للنصوص السردية قدمت لشخصيات بلا ملامح، غلفها( السارد ) بكلمات، وشحنها بأفكاره الخاصة، إلا أن مطلع الخمسينيات شهد الثورة التقنية للنص السردي والتي اجهضت تلك الشخصية، فقد قدم( عبد الملك نوري وفؤاد التكرلي ) نصوصا سردية متقاطعة مع التقنيات التي كانت سائدة آنذاك ويذكر فؤاد التكرلي في مقالة له:( أن الأمر المهم بالنسبة لي هو الوعي بقيمة ما أكتب أولا والوعي بضرورة إتخاذ منهج الكتابة والخصوصية ثاتيا ) ويضيف التكرلي( أتذكر اننا-عبد الملك نوري وانا...كنا في صحراء أدبية شبه مقطوعين، امامنا، زمنيا، محاولات محمود أحمد السيد وذنون أيوب و عبد الحق فاضل ويوسف متي و عبد الله نيازي وغيرهم ،هؤلاء كانوا يكتبون الاقصوصة بطريقة بدائية أو عشوائية بكلمة أدق تشابه إنشاء طلبة المدارس، من جهة أخرى كنا نطلع على المحاولات القصصية في الآداب الاوربية والاميركية )...ومما تقدم استطيع القول أن كتاب( فاكهة ليلية ) للناقد محمد جبير يعد موسوعة شاملة لماهية النقد الأدبي وطرائق وتشعبات هذا الفن الذي يستمد ديمومته وخلوده مما يكتب من ملامح سردية وفلسفية قد تكون على شكل رواية أو قصة قصيرة..وقد تضمن الكتاب على مجموعة قراءات تناولت عددا من التجارب السردية لكتاب عراقيين وتركزت على مسيرة الرواية والقصة القصيرة ومراحل تطورها إضافة إلى البحث والتقصي في حياة نخبة مميزة من الروائيين والكتاب.