وزارة في المزاد العلني .. وذكّر عسى أن تنفع الذكرى
باسل عبد المهدي
في ظاهرة غريبة تميَّز بها الوضع الرياضي العراقي تتكرّر مع تكرار بدأ الاعلان عن أي تشكيل حكومي جديد منذ السقوط حتى اليوم !!
خلافا لكلّ الحقائب الوزارية في الكابينة الحكومية فإن الترشح لاحتلال الموقع الأوّل في وزارة الشباب والرياضة سبقه دوماً صولات وجولات إعلامية ودعائية ومزاحمات وتحرّكات وتسقيطات ومدافعات تصل في أحيان عدّة الى حدود كسر العظم بين الطامحين او الحالمين بالموقع ، رافق ذلك مزايدات عبثية لها أوّل وليس لها آخر وكأنّ الحقيبة هذه هي واحدة من مفاتيح الجنة !!
مستوى ثقافي
الظاهرة الشاذة هذه ستستمرّ كونها نتيجة لانعكاس فعلي للمستوى الثقافي المتراجع في هذا الوسط من جانب، وفي الرؤية القاصرة الذي تنظر اليها (الدولة) وحكومتها والقرار (السياسي) إجمالاً تجاه اهداف وواجبات هذه الوزارة انسجاماً مع مواد قانونها المُقرّ وهو ما نقصد توضيحه عبر هذه المقالة .
ففي الفترة التي تسبق تشكيل الكابينة الحكومية يلاحظ بان اكثر من نجم كروي يتقدم للترشح اذ يجد او يعتقد بأن الموقع هو استحقاق طبيعي له تعويضا عما قدمه من اداء كروي على المستطيل الاخضر حينها. كما ويلاحظ بان بعضا من الرياضين المتقاعدين من لا يتردد بوضع تاريخه الرياضي على كتفهِ ويُزايد به مع المُتدافعين عله يحظى بنصيب . ومنهم من توهم بحجم ظله وراح يتجول بين الفضائيات وبرامجها مطلقا تصريحا هنا ومبشرا بوعود هناك يبحث من خلالها عن المقسوم . وفيهم ايضا من تنوع في انتماءاته وانتقالاته بين أكثر من حزبٍ أو تيارٍ سياسي علّه يحظى بفرصة للمرور نحو الكرسي . وغريبا او شاذا ايضا ان تجد من بينهم عالم رياضة فطن بعد اربعين سنة متواصلة من الغربة بانه هو الاصلح لقيادة قطار(الرياضة)العراقية لانه وكما يصرح بانه كان طيلة الحقب الطوال هذه مؤدبا جدا في عرف الخليجيين . ومن المخجل ايضا بان فيهم من لم يشبعه الموقع الاكاديمي الرفيع الذي يشغله فتقدم مع المتقدمين لاهثا يفتش عن لقب ( صاحب المعالي ) . واخيرا وليس اخرا ذاك الذي ركب الموجة متناسيا ما اقترفه من تلاعب واساءات في ما شغله من مواقع فخرج مبشرا يفتش له عن وطن آخر !!
الملفت ان ساحة المزايدات المعلنة هذه لم تشهد ترشح اي من اخصائي علوم التربية والاجتماع أو السياسة أو النفس ولا حتى في القانون !! جميعهم وبلا استثناء من وسط الرياضة وتخصّصاته. هذه الحقيقة بحد ذاتها تمثل علة العِلَل في إدارة شؤون هذه الحقيبة منذ السقوط والى اليوم.لا نريد أن نستعرض تاريخ الوزارة ووزرائها وتخصّصاتهم منذ تأسيسها عام 1966ولغاية قرار إلغائها عام 1987، يكفي القول بأنه ليس من بين كلّ من تولّوا إدارة هذه الحقيبة أي من خرّيجي الرياضة أو أبطالها. رغم ذلك كانت عطاءاتها المتنوّعة ومنها الرياضية أكثر جودة من الحالية بالرغم من شِحّة ما كان مقررا لها من الأموال قياساً بما تقرّر وانفق لها وللرياضة عموماً بعد السقوط من ميزانيّات واموال كبيرة.
الى كلّ أولئك الراغبين والمتدافعين نحو الحصول على لقب ( صاحب المعالي ) والى كلّ من يواليهم من رجال السياسة والقرار في الحزب أو التيار الذي ستكون هذه الحقيبة من (حصّته) نؤكّد لهم التالي:
"وزارة الشباب والرياضة بموجب قانونها المقر وأهدافه، ليست (وزارة رياضة) كما يعتقد ويتصرف ويصرح ويقرر البعض ".
إن وزارة الشباب حسب قانونها المُقرّ، هي الجهة القطاعية الرسمية الحكومية التي تعني بمسألة تنظيم أوقات الفراغ للشريحة الشبابية في المجتمع العراقي والسعي الى كسب واحتضان وتنمية المواهب والهوايات العلمية والثقافية والفنية والأدبية، وكذلك الرياضية عبر برامج وفعّاليات تنفّذ في المنتديات والمراكز والأندية المنتشرة أو التي يفترض انتشارها على عموم مساحة البلد وبمختلف جغرافيته.وبقدر تعلّق الأمر بالجانب الرياضي فأنها مسؤولة عن الجوانب (الخدمية) المتمثّلة بتوفير مستلزمات الحد الأدنى للممارسة الرياضية في المنتديات والمراكز هذه وفي أنواع (محدودة جداً) من ضروب الرياضة المتنوعة وفعالياتها وحسب طبيعة المنطقة وجغرافيتها الاجتماعية وبشكل غير مكتمل (التنظيم) أيضاً. كذلك ان الوزارة معنية بموجب قانونها بمسؤولية إجازة وتأسيس الأندية الرياضية الأهلية ودعمها مالياً وإدارياً عبر ضوابط وتصنيفات مقرة من دون أي تدخل في الشؤون الفنية الخاصة بالفرق الرياضية لهذه الأندية. كما انها المسؤولة عن مهمة تشييد وتأهيل وصيانة البنى التحتية من قاعات وملاعب ومسابح ومرافق رياضية رئيسية أو مساعدة وإدارتها في خدمة الفعّالية ولاستيعاب الأنشطة والمسابقات والبطولات الرياضية للفرق المختلفة ولا علاقة لها لا من قريب أو بعيد بإدارة هذه المسابقات والبطولات ومحتواها الفني ومتطلّباتها المالية إلا في حالات نادرة جداً وبموجب مبادرات وموافقات خاصة تستحصل عليها حين تهمل الاتحادات الرياضية واللجنة الاولمبية مهماتها في السعي لكسب وتوسيع قواعد الالعاب كما هو الحال القائم حاليا في مشروع مراكز رعاية وتطويرالموهبة الرياضية في الوزارة .
ابرام اتفاقيات
عدا مساهمتها في تمثيل البلد رسمياً في المنظمات الدولية والاقليمية المماثلة وكذلك في ابرام الاتفاقيات فان مسؤليتها ( المنسية ) الاهم تنصرف الى تحضير ونشر السياسة الرياضية وفلسفة الدولة المقرّة وحكومتها في معنى وجدوى الممارسة الرياضية عموماً في المجتمع باعتبارها الجهة القطاعية التي تمثل واجهة الحكومة في هذا الميدان . ان مهمّات الوزارة (رياضياً) تنتهي من دون أي تدخّل في عمليّات صناعة الانجاز وتحضير المنتخبات الوطنية، وهي المهمّة التي تتولاها كما اسلفنا الاتحادات الرياضية المعنية المرتبطة باللجنة الأولمبية او غير المرتبطة بها كلّ حسب تخصصه .خلاصة كل ذلك فإن وزارة الشباب حسب قانونها المُقرّ هي ليست وزارة رياضة وإن إناطة مسؤولية حقيبتها بشخصية مُلمّة فكرياً وثقافياً وسياسياً أيضاً مع خبرة كافية بالعمل الشبابي والاجتماعي المتنوّع ومستلزماته في كسب وتأهيل وتنمية الهوايات العلمية والثقافية والفنية والأدبية للشباب سيكون أكثر تأثيراً وفائدة من اناطتها لأي شخصية رياضية ،، إذا لم تتوفر فيها الشروط والمواصفات المذكورةً .إن أحّد أهم الخطايا التي ارتكبت في إدارة حقيبة الشباب والرياضة منذ إعادة تأسيسها بعد السقوط الى اليوم هو التركيز المبالغ في أنشطتها وفعّالياتها وإعلامها على الجانب الرياضي مع إهمال وضُعف بائن بالمهمّات المتعلّقة بالثقافة والعلوم والفنون والآداب وكذلك رعاية الطفولة والأيتام وأبناء الشهداء وحماية البيئة وما شابه، كلّ ذلك بسبب الجاذبية والشعبية التي تتمتّع بها الرياضة وكرة القدم خصوصاً وسهولة توظيفها إعلامياً لاغراض دعائية أو انتخابية بحتة بحيث حوّلتها نتيجة ذلك الى وزارة (طوبة) كما يتهكّم البعض".
وما دمنا بصدد التفتيش عن الاصلح لادارة شؤون هذه الحقيبة ، فالمنطق يلزم ان يكون :اولا : ان يكون المرشح لتبوأ موقع الوزير جزءا متفهما وفاعلا للبرنامج الوزاري المعلن للحكومة .ثانيا : ان يكون ملما بشكل تفصيلي كامل بقانون الوزارة وهيكليتها التنظيمية ، والاهم بما متراكم فيها من مشاكل ومسبباتها واسلوب مواجهتها ايضا .ثالثا : ان يملك تصورا عمليا عن الاجراءات المطلوبة لوضع الفقرة الدستورية (المادة 36) موضع التنفيذ بنجاح .رابعا : كل ذلك يجب ان يمهد لرؤية مستقبلية بوجوب استحداث نظام حديث وانبثاق الهيئة الوطنية العليا للرياضة في العراق ( لاغراض التخطيط والتنسيق فقط ) كما مؤشر في مشروع قانون الوزارة ، ترتبط باحد نواب رئيس الوزراء وتعمل بموجب نظام خاص يعد لهذا الغرض ، تمثل فيها كل الجهات العاملة على اعلى المستويات . ان قيام مثل هذه الهيئة كفيل بالغاء كافة التقاطعات والاجتهادات المتضاربة التي سببها غياب التنسيق .