رشيد والسوداني والمهمة الكبرى
حسين فوزي
تبشر المؤشرات الأولية أن كل الأطراف السياسية، وفي مقدمتها التيار الصدري، تحرص على تعزيز السلم الأهلي، لتوفير الاستقرار اللازم لعملية الإصلاح على طريق التغيير. وهي المهمة التي تصدى لها بثقة عالية بالمواطنين ومن بعدهم بالنفس، الدكتور المهندس عبد اللطيف جمال رشيد والمهندس محمد شجاع السوداني، ليتحملا "أعباء" رئاستي الدولة ومجلس الوزراء..
ومن يعرف الرئيس د. رشيد، يشخص أن دراسته الأكاديمية وخبرته العملية الميدانية الطويلة في مجال اختصاصه، بجانب خبرته في العمل السياسي، منذ كان مسؤولاً عن تنظيمات الاتحاد الوطني في أوربا، تؤكد أنه عقلية موضوعية تجيد حساب كلفة أية مهمة، مع الحرص على استنباط طرق غير تقليدية لتحقيق الهدف، مع الحرص الكامل على قيم الشفافية والنزاهة في إطار العمل النضالي والحكومي في الوقت ذاته.
وهذه الصفات هي من الأسباب الرئيسة التي قربته لزعيم الحركة التقدمية الكردستانية وأمين عام الاتحاد الوطني الكردستاني الراحل الكبير مام جلال طالباني، الذي ائتمنه على الكثير من أسراره وتصوراته، وكانت معاناة د. رشيد عميقة عند الرحيل المفاجئ لمرشده الكبير طالباني.
وقد نأى الرجل بنفسه عن التجاذبات الحزبية في الاتحاد الوطني، فهو أكبر من أن يحابي أياً كان، بعد أن كان المستشار الصادق لزعيم الحزب وقائده. وأكتفي بالصمت، وكان من المائة في سحب ترشيح نفسه لرئاسة الدولة، بعد أن تأكد له في الولاية قبل الأخيرة، أن أصوات كردستان قد رجحت كفة الرئيس الأسبق د. محمد فؤاد معصوم على منافسه د. برهم صالح.
وكل من يعرف د. رشيد يشخص حقيقة أساسية، وهي أن الرجل ليس ظاهرة صوتية، لن يعد بما لم يخطط لإنجازه، ويحرص دوماً على السعي للتقريب وليس التفريق، فهو في مسيرته المهنية وخبرته السياسية الشخصية، بجانب ما تشربه من صحبته لمام جلال، يدرك بأن حشد الطاقات وليس تشتيتها ضرورة قصوى للإنجاز، وبعكسه فأن النتيجة هي كلام يحصد الريح وليس الحقل. بجانب وعيه العميق، شأن صديقه طالباني، أن العراق خيمة لضمان فرص افضل لطموحات الكرد وبناء كردستان مزدهرة، سواء من حيث الموارد أو الكلف.
وقد كانت خطوة كبيرة شجاعة من قبل الرئيس رشيد في المسارعة بتكليف المهندس محمد شجاع السوداني بتشكيل الوزارة العتيدة المنتظرة، وهو بهذا قد حرص على بعض تعويض العراقيين عن الزمن المهدور منذ المصادقة على نتائج الانتخابات في تجاذبان أربكت الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلاد..
ويمكن القول عن معرفة، بأن في رأسي الحكومة، رئيس الجمهورية بشخص د. عبد اللطيف رشيد ورئيس مجلس الوزراء المهندس محمد شجاع السوداني، تتوفر أرضية صلبة لانسجامهما في العمل، من حيث طبيعة الممارسات العملية والعلمية والخبرة، بجانب الدرجة العالية من الحرص على قيم النزاهة والالتفات لمعاناة المواطنين عموماً، وبالأخص الأرامل واليتامى والشباب العاطلين عن العمل، بجانب الحرص على قيم المعرفة والثقافة والتعليم والتعليم العالي.
لكن التحدي الكبير الذي يواجهه الرجلان في موقعيهما القياديين الأرفع في الوطن، هو طبيعة "المتراكم" من سوء الإدارة وعدم الكفاءة والمحسوبية وعدم الوعي بالحدود الواجبة بين الانتماء الحزبي ومستلزمات الوظيفة العامة، التي ينبغي أن يكون حاكمها قيم المواطنة الكفوءة، علماً وخبرة، بجانب النزاهة والتجرد، كل هذا يعني إنهما أمام جبل أسود ابتلع كل من لم يكن لديه منهاج صلب، سواء بتطويقه كما حدث مع د. حيدر العبادي، أو ابتلاعه كما جرى زمن حكومة السيد الكاظمي.
إن الرئيس عبد اللطيف رشيد وزميله المقرب المهندس السوداني المكلف بتشكيل مجلس الوزراء أمام مهام كبرى قد تبدو مستحيلة، لكن حرص قوى مؤثرة مثل التيار الصدري على سلمية إدارة المعارضة، بكل ما تعنيه من مسؤولية وطنية في الانتصار للمواطنين ومراقبة شعبية للسلطة التنفيذية، يشيع الأمل بفرصة لم تضع بعد في تصحيح المسار، وغذ السير نحو الإصلاح والتغيير التدريجيين لكن غير البطيئين، لمعالجة هموم المواطنين. على أن تظل المعارضة، سواء داخل البرلمان، أو خارجه وعلى رأسها التيار الصدري والقوى المدنية من جانب أخر، رقيب مسؤول بناء مع كل ما هو إيجابي والتصدي السلمي لكل ما هو سلبي..
أعان الله الرجلين على مهمة أقرب ما تكون إلى الانتحارية، لكن المؤمنين يصنعون من مواجهة التحديات الكبرى فرصاً مشرقة لمستقبل واعد للعراقيين.