فاتح عبد السلام
ليس في كل مرة، من الممكن أن تدوس اية قوات أو جهات الخط الأحمر وتطلق الرصاص على المتظاهرين العُزّل، ويجري تلبيس الجريمة لطرف ثالث أو رابع أو ترويج أكاذيب لجان التحقيق. ستكون الأمور أكثر وضوحاً اليوم مما سبق ذلك، في انَّ اية قطرة دم ينزفها عراقي غاضب على ارباب الفساد سيتحمل مسؤوليتها كل حاملي لواء العملية السياسية التي لا تقبل التصحيح، وتوغل يوما بعد آخر في مستنقع الدم والفساد والظلام.
المسألة ليست في توفير حماية المنطقة الخضراء وزيادة تحصينها بأطواق الحراسات والدروع خوفاً من اقتحامها من المتظاهرين السلميين او من اية جماعة لها سلاح ربما تريد خلط الأوراق أو ان ترد انطلاقاً من ثاراتها القديمة.
المنطقة الخضراء التي حملت عبر الشيوع الإعلامي صفة مركز السلطة والحكم والنظام السياسي في العراق ، هي ليست كذلك اليوم ،وان التظاهرات والاحتجاجات، من الممكن ان تكون مهددة لكل الكيان السياسي القائم من دون ان تصل الى داخل المنطقة الخضراء ، ذلك انّ اجماع العراقيين الغاضب على سوء العملية السياسية وفسادها وافلات المجرمين من العقاب ،هو اعلان براءة من الطبقات السياسية كافة، تحت اي عنوان رسمي او هامشي ، فضلا عن انّ هيبة السلطة قد يزول عنها أي وجود، وتتحول الى أدوات قمع لصوت العراقي حين يتظاهر في الشارع ، ليس أكثر.
والدليل على قوة التظاهرات والاعتصامات المهددة للحكم أينما كان موقعها الجغرافي ، ما كان في الموصل والانبار وصلاح الدين وكركوك في عامي ٢٠١٣ و٢٠١٤ ، وهي مدن بعيدة عن المنطقة الخضراء التي كان محيطها ساكنا آمناً وربّما راضياً، وكيف جرى قمعها بالحديد والنار والاعدامات المصورة بكاميرات الجنود كما في الحويجة، ثمّ اعقب ذلك تمثيلية داعش والإرهاب واحتلال المدن، وسحق ذلك الصوت الذي نادى بإصلاحات تنصف العراقيين كافة، وإقامة دولة العدل والقوانين السارية على الجميع، وتلك مطالب تاجر بها فيما بعد نواب من تلك المناطق، ثمّ باعوها بثمن بخس مقابل حفنة من وعود ومناصب ودولارات.
تحصين المنطقة الخضراء لا يعني تحصين الحكم من السقوط ابداً، ذلك وهم مَن يعيش هواجس انقلابات القصر وسحل الجثث. الحكم من دون إصلاحات جذرية يمكن ان يسقط بتظاهرات في اقضية ونواح حتى قبل الوصول الى المدن البعيدة عن بغداد، وليس بغداد ذاتها.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية