الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
ماهر حسن في وشاياته العادية.. تقاسيم منفردة على مقام الروح

بواسطة azzaman

ماهر حسن في وشاياته العادية.. تقاسيم منفردة على مقام الروح

عصام البرام

 

شكلت القصيدة الحديثة نصاً عالي الدقة في طروحاتها الفكرية، فما كتب من نصوص شعرية تقاسمت بين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، قيماً فنية وصوراً شعرية وفلسفة وجودية. فالقصيدة الحديثة، تمتلك من القيم العالية الدقة، التعبيرية والشعورية والخيالية والموضوعية، فضلاً على الجانب الذي يسعى فيه كاتب القصيدة والنص، الى ابراز المواطن المخبوءة في سرائر النفس الانسانية والوجودية، حاملاً ومحملاً مفردات النص دلالات تتوزع على جسد القصيدة والنص أساليب الحداثة وما بعد الحداثة; ومدى علاقتها بالتطورات المعاصرة في بنيوية النص .

يحملنا الشاعر ماهر حسن في مجموعته وشايات عادية، الصادرة بالقاهرة الى فن شعري يحمل بلغته ظلا واسعا ويتماهى في لغته الشعرية داخل النص الى التحليق نحو فضاءات عميقة يمزج فيها الرؤى الانسانية التي يحقق فيها اشتراطات الوجود.

ففي مطلع مجموعته هذه يسعى الى التأويل بنصه الى معاني متعددة، هي قوة فعلية تكمن داخل كل نص ينفصل عن النص الاخر، واذا ما تتبعنا الجملة الشعرية لدى الشاعر نجد ان مسالة الوعي واللاوعي تقوم على علاقة تبادلية تحتل الواحدة تلو الاخرى وتعطيها بعدا فلسفيا وجوديا وهي تنمي عن روحية الشاعر واخذ القاريء بالتحليق في فضاء النص.

يقول في مقطع (تعبد):

( يا ظلي

ونبؤة ألمي

يا كفي وبراقي

وسراج الليل

لامرأة من فاكهة الفردوس

وحليب وعجين

وقباب للمأخوذين

بطقوس الروح ).

إذ يسعى الشاعر ماهر حسن في أغلب نصوصه الى حراك النفس المغموسة بالدهشة والألم والمحملة بالتجربة الشعرية القائمة على التحديث او الحداثة الشعرية وما بعدها.

فنجد الدلالات الشعرية التي تأتي بطريقة طردية قائمة على الاحتكام الفني والروحي بين الشاعر وبين العلاقات التي تربط الجملة الشعرية مع بعضها باحكام، وبين كل جملة واخرى.. إذ هنالك تصاعد درامي لنصه الذي ياخذ بنا بهدوء نسبي، و ديمومه في رسم الفكرة التي تجلس داخل جملته الشعرية.

هنا يقول بهذا المقطع ( رحيل ) ليستفزنا مرة أخرى:

(حاملاً جثتي

وأتجهت الى آخر الروح)

ان ادراك الشاعر لحظته الفنية والروحية هو ادراك يمضي حثيثا منذ اللحظة الاولى حتى الاخيرة مفعما بالرغبة والسكون والحركة والانفجار الروحي معا، فالارتباط المادي واللامادي بين مفردة (الجثة والروح، والكف والبراق والألم والظل)، التي توزعت بين الجمل الشعرية لديه، هي إدراك الشاعر منذ اللحظة التي يعرج بها، لتعبر عن انصهارات قائمة من تقاسم الانسان للوجود في داخله وانعكاسها بالروح الشاعرة، وهنا تزحف الجملة الشعرية لدى الشاعر ماهر حسن الى التماسك اللفظي والفني والتعبيري والحسي في هذا المقطع :

( هذي أول طعنة سيف

أظمأ فيها حتى الموت،

أشعر أني بعد الطعنة ،

أسمو ، أحيا ..

أشعر أني محض خيال،

يمضي في الألم الطيب،

أمشي حياً،

أحمل جسمي يتهالك فوق الكتفين،

وأجوب الوطن الطيب، زمناً ).

إن المخزون الشعري الذي يرتبط بروح الشاعر والانهيالات الحسية التي ترافقه بين اللحظة الشعرية القائمة على الطردية الذهنية لديه، هي ما تقوده لكي يعطينا أعلى ما لديه من الصور الشعرية، وكأنها بانورما لغوية يلعب الشاعر بلغته داخل الجملة الشعرية.

فالكثير من الشعراء الذين كتبوا في قصيدة النثر في الحداثة وما بعد الحداثة، كانوا يزدادون بالتعبير الوجودي في نصوصهم المغموسة بالخيال المعتمد على الانفلات  من الترابط في المعنى، أو بتعبير آخر ضياع النفس الواحد الذي يملك النص الشعري منذ لحظة الشروع الاولى والالهام الشعري الذي يعطي التدفق والانفجار إن صح التعبير لدى الشاعر.

في حين نجد ماهر حسن في نصه (وشايات عادية) التي وسم بها مجموعته الشعرية وهو يقول:

(المقرؤن

يرتلون الليل

من وحي القرى

وضميرهم ناء

يحلق في متاهات الدخان

زرقاء

هي الاطياف

والآيات خضراء).

يدرك اللحظة الشعرية الذي ينهض به خياله ويعرف كيف يدجن جمله باسلوب فني وحسي متوازن، فقد استطاع ان يبني رؤيته التي يبناها بين الوقع من جهة وبين الخيال من جهة اخرى ، أما الوزن والموسيقي الداخلية في الجملىة الشعرية فهي تتنفس داخل النص ويمسك الشاعر بتلابيبها في انسياب هارموني يعطي لون الجملة وترابطها بالجملة التي تليها كما هو بهذا المقطع المكثف :

( دوح باك أطربني

دوح غنى أبكاني )

فالمتتبع الى المرادف الشعري واللغوي والبعد المكاني والزماني الذي يرسمه الشاعر بقفزات تثير الدهشة لدى المتلقي:

( وطن داخلي

أستشف خطاه ..

لا أراه )

يقول الناقد الكبير جابر عصفور ( المسافة بين التشبيه والاستعارة ليست كبيرة، فالاصل في الاستعارة والتشبيه الذي يؤدي معنى المماثلة بدوره، وذلك لا يبعد كثيرا عن معنى المثل أو ضرب المثل. ويقترن الأخير، في القرآن الكريم، بحكاية مجازية او حقيقية، يرويها النص القرآني تدليلا على معنى او معان مقصودة . وفي هذا السياق يقع الاستدلال بالمحسوس على غير المحسوس، او التمثيل بالمعروف على غير المعروف )من هنا، يقودنا ماهر حسن الى ان عناوين قصائده ونصوصه التي حملت بين طياتها بعدا فلسفيا وانتماءات لها نظامها اللغوي واسلوبها الشعري الخاص، فضلا عن عمقها الدلالي الذي يميزه بشاعرية حداثية تتمتع بالامكانيات العالية الدقة في بناء القصيدة الحديثة ضمن المنطق الشعري في الساحة الشعرية الراهنة.

ولعنوان القصيدة عنده هي الاخرى لها مجسات تتواصل بهدوء مع النص في بعده الداخلي وتتماهى مع النص تارة أخرى في بعدها الخارجي، واذا أمعنا القراءات للنصوص في هذه المجموعة، لنجد إن الشاعر كان متمكن من ادواته الفنية وتجربته الحياتية واستعاراته في الجملة الشعرية، وهو يعي ايضاً ما يصبو اليه تماماً، والتي غذت قصائده في بعدها الانساني المرهف.


مشاهدات 948
أضيف 2022/08/05 - 10:58 PM
آخر تحديث 2024/11/24 - 3:30 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 123 الشهر 10041 الكلي 10053185
الوقت الآن
الأحد 2024/11/24 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير