خطاب الكراهية في ظل التكنولوجيا الرقمية
حسين الزيادي
تعرف الكراهية على انها شعور يقوم على اساس العداء لشخص أو جهة او مجموعة من الناس بسبب هويتهم او جنسهم او اتجاهاتهم وميولهم الفكرية والايدلوجية ،وهو شعور غير مسيطر عليه ويفتقر للعقلانية، أما الخطاب فهو شكل من أشكال التعبير عن فكرة أو رأي أمام جمهور معين على نحو خطي أو مرئي أو فني او ايحائي ، وما إلى ذلك، وبذلك يعرف خطاب الكراهية الرقمية على انه: كل قول أو فعل او تصرف تستخدم فيه وسائل التكنلوجيا الحديثة من شأنه أثارة الفتنة أو النعرات الدينية أو الطائفية أو العرقية أو الاقليمية أو الدعوة للعنف أو التحريض عليه أو تبريره أو نشر الاشاعات بحق مجموعة او شخص ، ومن شأنه الحاق ضرر مادي او معنوي بالشخص المستهدف، ويمكن نشر هذا التعبير عبر وسائل الإعلام ومنها الانترنت والمنشورات ووسائل التواصل الاجتماعي، ويشكل خطاب الكراهية خطرا حين يسعى إلى تحريض الناس على العنف تجاه مجموعات معينة او اشخاص بذاتهم، وربما يتخذ اشكال مختلفة منها السب والقذف أو الافتراء أو الصور النمطية المؤذية او فضح الاسرار ، وهي تصرفات قد تنشئ بيئات مشحونة بالحقد والانانية والتطرف ورفض الاخر ، وتؤدي الى حصول تداعيات سلبية تبلغ اوج خطرها عندما تتحول الى عنف ممنهج وتنعكس اثار هذا الخطاب على الجماعات والاشخاص المستهدفون فقد يلحق بهم نوعً من الأذى النفسي او امتهان الكرامة او يتعرضون لضرر مادي او جسدي نتيجة لذلك.
في عالم اليوم اتسعت الافاق امام تصدير خطاب الكراهية، واصبح من اليسير لهذا الخطاب ان يخترق الافاق ليصل لأبعد نقطة في العالم، لأننا امام عالم رقمي مفتوح اصبحت من خلاله المعلومة متداولة بين الافراد دون ان يحدها شيء أو يقف بوجهها مانع في ظل استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، فنحن بحق امام تسونامي جديد من الكراهية التي تمهد الارضية الملائمة للتطرف بأشكاله المختلفة، والخبر المظلل بامكانه خلال ثواني قلية ان يسري سريان النار في الهشيم.
يعد مصطلح الكراهية الرقمية من المصطلحات الحديثة التي تزامنت مع عصر الرقمنة والتطور التكنلوجي ويعدّ الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي اول من طرح هذا المصطلح في مشروع القانون الذي تقدم به الى البرلمان الفرنسي والذي يقضي بالمسؤولية الجنائية عن الانكار العلني لوقائع الابادة الجماعية للهولوكوست ومعاداة السامية، وخطاب الكراهية ضد اليهود وينسحب ذلك على الهولوكوست (محرقة اليهود) وابادة الارمن في عهد الامبراطورية العثمانية في الاعوام 1915-1917 وعلى الرغم من ان المجلس المشروع واعتبره انتهاكاً لمبدأ حرية التعبير المنصوص عليه في الدستور الفرنسي، الا ان المصطلح بات متداولاً وملفتاً للنظر.
عالم افتراضي
ويعد التفاعل داخل شبكات التواصل الاجتماعي تفاعلا حقيقيا فهو اتحاد في الزمان مع ابتعاد في المكان، لذا يعتبر العالم الافتراضي امتداد حقيقي للعالم الواقعي، وتسري عليه المسؤوليات نفسها في الواقع الحضوري، وقد أتاح هذا التفاعل للأفراد رواد مواقع التواصل الاجتماعي الانتقال من مستخدمين عاديين إلى ناشطين، يتبنون مواقف معينة، وربما ادى الاختلاف في الرأي بين مستخدمي هذه الوسائل الى نشر الكراهية على مستوى اكثر بعداً واعمق تأثيرا، ويمكن ان تتطور الكراهية الرقمية الى فعل حضوري يستلزم تدخلاً قانونيا لأنه من قبيل الجنح او المخالفة او ربما الجناية.
من أكثر الاتجاهات الباعثة على القلق في هذا السياق الوجود المتنامي لخطاب الكراهية على منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما أثناء الأزمات أو الاوضاع المتوترة على الصعيد السياسي أو الاجتماعي، ومما يؤسف له ان يكون هذا الخطاب صادراً من جهات سياسية بهدف تسقيط الخصوم والمنافسين.
في بعض الخطابات التي تبث على وسائل الاتصال الاجتماعية، عادةً ما تؤدي مشاعر عدم التسامح إلى توليد خطابات مفعمة بالكراهية ، وتتردد هذه الرسائل بأصداء مختلفة عبر أنظمة التواصل التناظرية والرقمية على حد سواء، وتمتلك رسائل الكراهية الالكترونية القدرة على تأجيج جذوة التوترات القائمة بين الجماعات المختلفة وإشعال فتيل العنف بين أفرادها، وتشويه الحقائق ونشر خطاب مثير للفتن وممزق للوحدة الوطنية ، فضلًا عن زيادته لمواطن الضعف الاجتماعية بسُبل مبتكرة وغير متوقعة، وحتى قبل عصر التحول الرقمي، شكَّلت تكنولوجيا الاتصالات (مثل، الوسائل المطبوعة والمسموعة والمرئية) قوى راسخة محرِّكة للعنف، وقد نجحت التنظيمات المتطرفة الى حد ما في استغلالها لتحقيق اهدافها التآمرية.
ومن خلال ما تم ذكره فأننا مطالبون بالعمل على تكثيف التوعية حول مفهوم الكراهية وخطابات الكراهية الالكترونية على وجه الخصوص بغية اخذ الحذر، فضلاً عن مراقبة القنوات التحريضية التي تدعو للكراهية وعلى الصحفيين مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي الابتعاد عن نشر المعلومات دون التأكد من صحتها، والابتعاد كذلك عن تشجيع الآراء والأفكار المتطرفة.