النوارس تستيقظ مبكراً في بيروت
المدينة المدللّة بين (كيفك أنت) والمحاضر المجاني وقارئات الكّف
عادل سعد
مازالت بيروت كما هي ، منصة الدعة وترف المواسم ، الحاضرة المتيمة بتواطؤ الشعراء وباعة اللوز الاخضر، وامتياز النضارة ، ومزيج الدعة والعنوسة والنضج واليتم والفتوة ،بيروت تختصر محنة طائر العنقاء ، تتزين بزرقتين ، زرقة البحر بكل ما يضج من غموض واسئلة وضياعات ومخاوف وسفن تستعجل الوصول الى الشواطئ ، وزرقة السماء بكل ما فيها من سماحة وامتدادات افق يبدو عاشقاً حين يتسلل النعاس الى الشمس فتأخذ غفوتها اليومية عند الغروب فيستلقي الحبور على عيون الصبايا. من محطة (المنارة) الى (الرملة البيضاء) ،ومن مار آلياس الى حواري (الشياح) ومن بعبدا الى دوار( نهر الكلب )، ومن (الضاحية )الى جونيه ، ومن (المتن )الى حيث تتربع ذاكرة الارز، كل شي على ما يرام ، لم تفتقد الاحلام منازلها ، صوت فيروز (كيفك انت) ،وقلق الاسئلة عن سعر الليرة ،ودكاكين السندويجات المبطنة بشرائح اللحم والبطاطس والطحينية ، وفناجين القهوة المعطرة ، واسرار المنافسة بين الزعتر الاخضر والاحمر ، اما عند (رأس بيروت) فلك ان تمر ، ولكن لا تستطيع ان تخلف الموعد مع شارع الحمرا مستذكراً نزار قباني ، الجواهري ، السياب ، ايليا حاوي ، مظفرالنواب ، محمود درويش حين انصفها (بيروت ، من تعبٍ ومن ذهبِ ) ، ووجع المرفأ ، وذاك المتسكع المخضرم الذي مازال يحرص على قراءة الصحف اللبنانية الورقية ليتسلل بعدها الى احد مقاهي يقدم مجاناً عرضاً تحليلياً مزوداً بالوثائق عن اخر مغالق ومفاتيح العملية السياسية واصول الطبخ على نارين ، عاجلة وهادئة ، وانتظارات مجلس النواب بنسخته الجديدة ، التطويحات التي اصابت مزاج الفول اللبناني ، العسر المخيم على معالجة حقوق المودعين المصرفية ،المفاِ?جات المحتملة التي تنتظر تأليف حكومة جديدة ، او تعويم حكومة المتزن نجيب ميقاتي الذي يشق طريقة بين قائمة من الاسلاك الشائكة ، والاصعب مخابئ ونوايا غامضة وكمائن انتخاب رئيس جديد للبلاد خلفاً للرئيس العتيد ميشال عون حين ان تكون ولايته قد ودعت حالها بعد عدة اشهر . ازعم لنفسي اني من عشاق هذه المدينة المدللة ، ازورها سنويا ، اثنان من زياراتي كنت موفداً ، الاولى ضمن الوفد الاعلامي العراقي للقمة العربية الرابعة عشر التي انعقدت في اذارعام 2002، الثانية في تشرين الثاني عام 2016حيث تشرفت ان اكون احد المتحدثين من على منصة للجامعة الامريكية ، وكان العنوان عيوب المصالحة الوطنية في العراق.
بيروت هي ، هي ، الروشة ،الصخرتان وهما يتعاشقان مع البحر ويتخاصمان معه في متوالية من فزع الذاكرة واستسلامها وبشارتها ، اسراب المتريضين ، قارئات الكف المتجولات والحزمة اليومية المتكررة على اللسنتهن ، ثنائية الامل والاحباط ، تنتظرك فرصة سفر وثراء ، احذر من قريب لك يحاول ان يسد الطريق عليك ، مصاطب الكورنيش عندما يتحول بعضها الى أسرّة نوم.ٍ عميق لمكدودين أتعبتهم المشاوير اليومية .لقد منحني عامل نظافة في الروشة فرصة التعرف على آماله ،ان تستعيد الليرة عافيتها ، وان تكف السائحات العراقيات من رمي قشور لب (عباد الشمس) نثراً عشوائياً . اما بائعة الزهور فلها كل الحق ان تقدم شكوى الى الله لقلة مبيعاتها .