الزراعة مستقبل الأجيال
جاسم مراد
بدأ النهوض البشري من الحياة البدائية ، الى الحياة البشرية من خلال الزراعة ، وكان التاريخ العراقي ما قبل الميلاد بمئات السنين ، قد سجل السبق في الزراعة وقنوات الري والسدود ، وكان عهدي حمورابي ونبوخذ نصر ، من الأهم في التاريخ البشري في اصدار التشريعات والقوانين الضامنة للعلاقات بين البشر وفي الاهتمام بالجداول في توزيع المياه والسدود في المحافظة على الزراعة من الفيضانات المائية ، ولعل معجزة وهي من المعجزات السبع خير دليل على تطور الفكر الهندسي والزراعي لإمبراطورية بابل .
وقد تراجعت الزراعة في العراق في العهود الجمهورية ، واصبح الاهتمام باستصلاح الأرض وتوزيع المياه واستغلال الأراضي وادامتها وزراعتها ، من الأمور الثانوية لدى الجهات الرسمية المعنية ، لذلك الالاف من المساحات الزراعية تحولت الى السبخة والاف أخرى لم تصلها المياه بسبب عدم كفاءة التوزيع ، وفوضى الجهات الزراعية من فلاحين ومزارعين المتصدرين للمياه ، مما اطلق بالعرف الزراعي بأن _ أهل الصدور هم الذين يستولون على مياه الأنهر ، فيما أراضي البزايز لم تحصل على نسبة 15 بالمئة من حاجتها للمياه ، وتحولت تلك الأراضي الشاسعة الى أراضي سبخة غير قابلة للزراعة إذا لم يجري تدخل الدولة واصلاحها .الامر الاخر إن المبازل التي أنشئت في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي أهملت ولم تجرى ادامتها وتنظيفها وكريها ، بحيث تحول معظم تلك المبازل الى عوامل مضافة لتخريب الأرض وتسبيخها بعدما كان الغرض منها امتصاص السبخة وإصلاح الأراضي . اليوم وفي الدورة الخامسة للبرلمان سمعنا من السيد ثائر عبد الكاظم مخيف رئيس اللجنة الزراعية في مجلس النواب افكاراً تطويرية ورقابية من اللجان المعنية بالزراعية ، وكما نعرف بأن الشيخ ثائر مخيف هو واحدا من أولى الزراع في منطقته ولما له من اتصالات واسعة مع عموم ملاك ومزارعي وفلاحي المحافظات العراقية ، فهو قادر فعلا أن يتحول من مركز التوجيه والإدارة والاشراف الى العمل الميداني ، وفعلاً يتولى هذه المهمة ، وهو الاقدر عليها.ولكن السؤال المهم ، هل مجلس الوزراء ووزارتي المالية والزراعة بالإضافة لوزارة الموارد المالية ، جادون بتمويل المشاريع الزراعية ، وهل كافة الأطراف السياسية الحاكمة وتلك المؤثرة في الحكم ، على دراية بأهمية الزراعة بغية دعم الخطط والمشاريع الزراعية ، وهل يدرك المعنيون في السلطة بأن أزمة الصراع الروسي الأطلسي ، تحولت الى ازمة غذائية ، وان استمرارها ستجعل الكثير من الشعوب في حالة فقر وجوع فاضح ، هذا ليس منا ، وإنما تقارير الأمم المتحدة تكشف باستمرار المخاطر الجدية لجوع ملايين البشر ووصولهم لحافة الهلاك ، في حين مجموعات من الكارتلات الأوروبية والأمريكية تستحوذ على البليونات من العملات الصعبة بسبب صناعة الأسلحة وتسويقها لمناطق الصراع .المهم يجب أن يعي الجميع ، بان تطوير الزراعة وتوسيع المساحات المزروعة وتنظيم المياه بشكل عصري تلك الجارية في الأنهر او استخدام المياه الجوفية هو العنصر الفاعل والسبيل الأمثل لمواجهة خسارة العديد من البشر جراء الجوع _ وانشا الله لم نصل لذلك _ ولكن من يدري في ضوء تطور الصراع في اكثر من جبهة في العالم سيما جبهات السلاح المدمر .إن اللجنة البرلمانية مهما توسعت وتعدد ت إجراءاتها الرقابية ، فإنها لا تستطيع انجاز حقوق الفلاحين والمزارعين المالية المتراكمة إذ لم تبادر وزارة المالية بصرف تلك الحقوق ، وليس باستطاعة أصحاب الأراضي التوسع بالزراعة إذا لم تشارك وزارتي التجارة والزراعة بالموارد والاسمدة وغيرها من المستلزمات الأخرى ، وأن المياه تبقى سائبة إذا لم تتخذ وزارة الري إجراءات صارمة للحفاظ على النسب المائية الموزعة بين أصحاب الاراضي .إن الزراعة هي ضمانة البلاد للأمن الغذائي ، والزراعة هي خطوط السد الأولى للأمن الوطني والقومي للبلاد ، إن الامن الغذائي هو أهم من النفط ، وإذا لم توظف موارد النفط لتطوير وتوسيع الأراضي الزراعية فلا فائدة منها ، بل إنها ستكون مرتع للنهابة والحرامية ، وبما إن بلدنا ، بلاد ما بين النهرين بلاد السواد ، مؤهلة للتوسع الزراعي ، وهي بلاد زراعية أصلا ، ولم نبادر لذلك فلا جدوى من الاحاديث . نعتقد بأن وضع الكونية الراهن وفي مقدمته الصراع الروسي الاطلس ، يعطينا فرصة التفكير الجدي والبدء فوراً في المشاريع الزراعية ومساعدة اللجنة البرلمانية لإنجاز مهامها ، والى غد منجل ومعول .