إشاعة ثقافة الأحباط 2
من المسؤول عنها؟
قاسم حسين صالح
في مؤتمره الصحفي الذي بثته فضائية الحدث مساء 7/6/2022 انتقد رئيس مجلس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي اشاعة ثقافة الأحباط وقال بالنص: ( اليوم يجب ان نعترف ان العراق يمر بظروف معقدة وصعبة لكن هناك من يحاول ان يستغلها في صنع ثقافة اليأس والاحباط وجلد الذات)..وكنا تناولنا في القسم الأول حال الثقافة قبل التغيير وبعده،ونخصص هذا القسم للمحن التي عاشها المثقف العراقي في عراق الأزمات..عراق ما بعد جمهورية الخوف والحصار.
كنت استطلعت رأي جمهور الفيسبوك عن هذا الحال..اليكم نماذج من اجاباتهم:
- المثقف العراقي يواجه ثقافة دينية طائفية عشائرية مدججة بالسلاح والمال والنفوذ، لكنه رغم ذلك يعمل ويبدع ويقاوم.
- المثقفون لا يملكون قوة المال ولا غاز مسيل للدموع والهجمة الان ضخمة وقوية.
- بدون زعل،لانهم لم يسمعوا كلام غادة السمان فهاجروا ثم ذبلت ازهارهم هناك ولم يدركوا ان الاشجار لا تهاجر.
- المثقفون..منهم من وجد ذاته بعيدا وغادر الوطن ولم يتذكره، والموجودون في واد والجماهير في واد اخر، ومنهم من انساق وراء مغريات السلطة للاسف.
وجود متعلمين
- لا يوجد تاثير للمثقف على سواد الناس الذين يمثلون قاعدة الجهل العريضة ويتاثرون بخزعبلات الملا والمشعوذ،والبعض منهم يعتبر المثقف بانه ينشر الكفر بين الناس.
- لا يوجد مثقفون في العراق بل يوجد متعلمون يجيدون الكتابة واللغوة في المقاهي والمطاعم والفنادق الشعبية.
- مع الاسف طار طشارهم بكاع الله.
محن المثقف العراقي
يعيش المثقف العراقي ثلاث محن:
الأولى، سيكولوجية..يشعر فيها بالتهميش فيعاني بسببها الاغتراب وفقدان المعنى من وجوده في الحياة.
الثانية، فجوة كبيرة بينه وبين المجتمع ..خلاصتها انه يرى المجتمع قد وصل الى حالة (بعد ما تصيرله جاره).
الثالثة الأخطر، اشكاليته مع السلطة..وهذه تحتاج ان نتوقف عندها لنوجزها بالآتي:
- المثقف ناقد بطبيعته للجوانب السلبية،فيما السلطة بطبيعتها لا تحب من ينقدها.(الحاكم العراقي يحيط نفسه بمستشارين يقولون له ما يحب ان يسمعه).
- الصورة التي يحملها المثقف عن السلطة انها (عدوة) له،والصورة التي تحملها السلطة عن المثقف الملتزم بقول الحقيقة انه (عدو) لها..وهذه مشكلة،لأنهما سيبقيان جبلان لا يلتقيان!
- السلطة اعتادت ان تقوم بدور المتحدث،وعودت الناس على دور المنصت،فيما المثقف يعدّ نفسه الاكفأ بالتحدث والاصدق..فتخشاه لأنه اقرب منها نفسيا للناس.
- السلطة تعدّ قناعاتها هي الصحيحة لأنها ناجمة، برأيها،عن (طبخة)ناضجة وعملية، فيما (طبخة) المثقف ناقصة برأيها..ولهذا فانها لن تستمع لرأيه حتى لو كان يمنح (طبخته) طعما طيبا..الا اذا كان حلوا في فمها.
- السلطة تميل الى التعميم وتعمل على ان تشيع ثقافة تنتج افرادا بالمواصفات التي تريدها هي، فيما المثقف يميل الى التفريد ،ولا يضع للثقافة مواصفات او حدودا.
نقص ثقافي
- السلطة تشعر بالنقص الثقافي امام المثقف،فتتولد لدى كليهما عقدتان سيكولوجيتان متناقضتان: شعور السياسي بالنقص وشعور المثقف بالاستعلاء.
وتبقى ثمة حقيقة سيكولوجية ستبدو لكم غريبة:ان الانسان يكون اشد قسوة من الوحش حين يتعرض الى الاحباط ويحرم من تحقيق اهدافه واشباع حاجاته..توصله الى ان يستسهل قتل الاخرين، الا المثقف فانه اما ان يهاجر او يعيش بائسا او ينتحر.
ونقصـــــــد بالمثـــــــقف هنا المثقف الحقيقي لا المثقف الذي وضعه السياسي في جيبه،المثـــــــــقف الذي يمتلك نزعة انــــــــسانية ورؤية شــــــــاملة وضميرا اخلاقيا ومعارضة موضـــــــوعية لما يراه حقا وعدلا،قد تكلفه حياته..وقــــــــد حصل لكثيرين من شهداء الثــقافة،من عبد الأمير عجام ،كامل شياع.. الى الشهداء من الأحياء.
ومع كل ما يؤاخذ عليه،يبقى السيد مصطفى الكاظمي هو افضل رئيس وزراء بعد التغيير في موقفه من المثقف وادراكه لدور الثقافة وما تفعله حين يتعمد الحكّام الفاسدون اشاعة الأحباط ليوصلوا الناس الى التيئيس من اصلاح الحال.