(الزمان) تحاور مدير عام شؤون الألغام ظافر محمود خلف: 2700 كيلو متر مربع مساحة إنتشار الألغام في العراق وهو التحدي الأكبر
- البصرة أكثر مناطق العراق تلوثاً بالألغام والمتفجرات
- أولوية العمل في المناطق المحررة وجنوب العراق ونحن شموع الأمل.
- المحافظات لا تقدم الدعم اللوجيستي لفرق الإزالة برغم تواضعه.
- 10 مشاريع مهمة للإزالة أمام وزارة التخطيط وجهل طبيعة عملنا مشكلة تعوق إنجاز المهمات.
- إتفاقية اوتاوا تلزمنا بتنظيف العراق من الألغام في 28 حزيران 2028 لكن !
- كنا بصدد إعلان بغداد منطقة نظيفة لو لا رقعة عسكرية ملوثة .
أحمد عبد المجيد
من النادر ان نذكر اسم الالغام أو المتفجرات ، دون ان نضع أيدينا على موضع قلوبنا ، فقد اكدت الوقائع والحوادث في العراق والعالم ان حصادها مفجع وان خسائرها البشرية جسيمة، لكني ولجت مدخل شؤون الالغام – الدائرة الكائنة في بغداد والتابعة الى وزارة البيئة المدمجة ، وأنا مطمئن .
ففيها عشرات الخبراء والفنيين الذين كرسوا حياتهم لانقاذنا من الخطر عبر نزع الالغام المتروكة في المدن وتطهيرها لتصلح للعيش والنشاط البشري العام .. انهم شموع الأمل ، كما وصفهم المدير العام ظافر محمود خلف المهندس مواليد (ميسان) 1968 خريج جامعة بغداد، المدير العام السابق لدائرة المشاريع في وزارة الصحة .. رجل مفعم بالحماس وروح المسؤولية الوطنية، وقد حاورته (الزمان) وفيما يلي النص:
{ قبل الشروع بهذا الحوار أشرت الى التحديات التي تواجه نزع الالغام .. ما هي أبرزها؟
- التحدي الأبرز هو سعة المساحة التي تواجهنا في عملية ازالة المتفجرات والالغام . حالياً المساحة غير المنزوعة تبلغ 2700 كيلومتر مربع أي نحو مليارين و700 مليون متر مربع تشمل عموم مدن العراق عدا اقليم كردستان. والعمل يجري من خلال الجهد بالاعتماد على وزارتي الدفاع والداخلية فضلاً عن الدعم الدولي عن طريق المنح الدولية والامم المتحدة ولهم دور كبير في العمل في المناطق ذات الاولوية واقصد المحررة ويتم ذلك عبر برنامج المنح الدولية.
{ على ذكر وزارة الدفاع ، كان الخبراء يصفون العاملين في ازالة الالغام خلال الحرب بـ(مصابيح الارض الحرام)، فما يسمونكم الآن؟
- يضحك بقوة ثم يجيب): بصراحة يسموننا شموع الامل. لان المفروض ان نعطي عراقاً خالياً من الالغام بحيث يكون بمستطاع أي عائلة عراقية ان تتجول أو تتنزه وتستنشق هواء نقياً دون خوف من الالغام والمتفجرات ، لكن للأسف نسمع عن حوادث كثيرة نتيجة المساحة الواسعة الملوثة.
{ المؤسف ان الرأي العام يتذكر جهدكم فقط حين وقوع تفجيرات في المناطق الملوثة أو يسقط ضحايا بانفجار لغم من مخلفات الحروب.. كيف ترى ذلك؟
- انت تعرف ان الخطأ يعم والصح يخص وبعض القنوات الفضائية لا تنقل الوقائع بصورة دقيقة، فعندما يحدث تفجير لا ينتظرون نتائج التحقيق بل يلقون التهم جزافاً ، وسبق ان اتهمنا باننا جواسيس أو ........ في وقت اننا نرفع الالغام ولا نزرعها.
{ ربما لان جل عملكم يجري مع منظمات أجنبية؟
- وهذا هو التحدي الآخر الذي نتجه الى حله بالتنسيق مع وزارتي التخطيط والمالية، انهم لا يمنحون تمويلاً لازالة الالغام والمتفجرات، كل برامج العالم تعتمد على ذلك.
{ هذا يعني ان ميزانية وزارة البيئة تفتقر الى التخصيصات اللازمة لعملكم؟
- ثمة ميزانية للوزارة واخرى لدائرة شؤون الالغام لكن لا يوجد باب مخصص لمشاريع الازالة. وهذا الخطأ الكبير الذي نعاني منه . كل برامج شؤون الالغام الانسانية في العالم مثل دائرتنا، تتملك خصوصية عالية لانها كفيلة بفتح معظم المجالات الاستثمارية في البلاد من خلال تأمين سلامة جميع المناطق . نحن الأن لا نستطيع ان ننشئ معملاً أو محطة للكهرباء أو خطاً مائياً اذا لم يتم تأمين المنطقة وملاحظة كونها مطهرة من الالغام. فالعراق كان ساحة حرب منذ 30 سنة واكثر.
{ لماذا لا تشمل اعمالكم اقليم كردستان .. هل لديهم دائرة مماثلة؟
- نعم .. لديهم هيئة يقودها موظف بدرجة وزير وتتمتع بصلاحيات واسعة جداً.
{ هل تعتقد ان الاقليم نجح في ازالة جميع الالغام؟
- لم يكملوا برنامج الازالة حتى الأن، برغم الصلاحيات الواسعة ولا يوازوننا في العمل . هم يعملون على وفق المرونة والحركة الواسعة لكنهم لا يصلون الى درجة عملنا . وكمثال فان تسهيل الحركة ومنح الفيزا للفرق الأجنبية عملية يسيرة جداً في الاقليم، فيما يواجهنا الروتين والتعقيد، والمشكلة ان برامجنا غالباً ما تعاني من ضغط كثرة اللجان ، ومعروف ان اي برامج أو خطط مصيرها الفشل متى ما احيلت الى لجان، بحكم البيروقراطية والروتين . وهكذا تتوزع المسؤوليات ويضيع الدم بين القبائل ، كما يقول المثل.
{ متى تعتقدون اذن ان العراق سيخلو من شر الالغام والمتفجرات؟
- بحسب اتفاقية اوتاوا فان آخر موعد محدد لنا هو 28 حزيران 2028 اي في هذا الموعد يكون العراق خالياً تماماً من الالغام . لكن الواقع والافتقار للدعم المادي الحكومي يشيران الى تعذر الوصول الى هذه النتيجة . نحن نحتاج الى صلاحيات أوسع في تنفيذ المشاريع عبر الشركات، ولا سيما العراقية التي أصبح لديها الخبرة الكافية في هذا المجال ، وموظفين مزيلي الغام بكفاءة عالية وثقة تنافس الاجنبية . عند ذلك نستطيع النجاح اذا توفر التمويل .
{ هل ضمن طواقم العمل لديكم عناصر من الجيش السابق في صنف الهندسة العسكرية ؟
- نعم لدينا اعداد منهم فضلاً عن الموظفين المحليين الذين دخلوا دورات وتأهلوا وتراكمت لديهم خبرة. انا أتابعهم ميدانياً.
{ بصراحة .. هل انت متفائل ام محبط في ضوء واقع ما اشرت اليه؟
- بكل صراحة .. انا محبط بسبب افتقار الدائرة الى التمويل اللازم الذي يساعدها على الوصول الى الهدف المنشود وضعف التعاون بين المؤسسات ذات العلاقة.
{ ماذا تنصح اذن؟
- نحن مازلنا نواصل العمل ونخاطب الجهات ذات العلاقة وننسق لتسهيل الاجراءات والوصول الى أسهل الطرق في تنفيذ الازالة . نحن نقوم باكثر مما نحن مكلفون به من اجل انجاز الاعمال.
{ رأيت ان الفضائيات اجرت لقاءات معك خلال وقوع التفجيرات على مجموعة شباب في البصرة .. هل كانت كافية لكشف الحقيقة؟
- نعم حدث ذلك، وكان الأمر يتعلق بالنقل الخطأ للمعلومات بشان الحادث . وقد توصلنا الى ان العبوة المتفجرة كانت عبارة عن مخلف حربي منقول من مكان الى آخر.
{ هل بحوزتكم خريطة واضحة لمواقع الالغام في العراق؟
- لدينا خريطة متكاملة.
{ ما اكثر المناطق احتواءً للالغام؟
- البصرة اكثرها.
{ هل هي ملوثة أم تحتوي على ألغام؟
- ملوثة بالالغام والمتفجرات ، مزروعة حتى الأن وقد شملتها المنح الدولية، ولا سيما ما يتعلق بالاتحاد الاوربي ، الذي يعمل في المناطق الجنوبية من العراق ، ويجري تنفيذ بنود منحة في قضاء شط العرب حالياً. هم يعملون وتقريباً سينتهي العقد.
{ وهل ذلك يجري تحت اشرافكم؟
- نعم كل الاعمال تجري باشرافنا لان برنامجنا انساني ، ونحن اذا لم نتأكد بدقة ان المنطقة المعنية مطهرة تماماً لا نعلن ذلك، فلدينا معايير دولية ووطنية تسمح لنا باعطاء وثيقة كون المنطقة مطهرة ام لا . ومعروف ان التطهير العسكري غير التطهير الانساني.
{ ما وجه الاختلاف بينهما؟
- التطهير الانساني أشمل يعني اعترافاً بان الارض صالحة للعمل، وللسكن والمعيشة ولبقية النشاطات الحياتية ، فيما يستخدم التطهير العسكري ابان الحروب ولا يشمل سوى فتح مسالك لمرور القوات وحركة بعض الافراد . الهدف هو مساعدة الجيش في اداء واجباته . وحالياً دخل الجيش معنا في النشاطات والتنسيق.
{ وقاطعته بالقول .. هل لدينا صنف خاص في الجيش معني بازالة الالغام؟
- نعم صنف الهندسة العسكرية فضلاً عن الدفاع المدني ولهم دور كبير في المساعدة واعتمادنا في الغالب عليهما . وانا أعدهم يمثلون الجهد الوطني ، وهم ما زالو يعملون في بعض المناطق لكونهم أيضاً يعانون مثلنا ، والآن لدينا مشكلة في بحر النجف أو بادية النجف تشمل 350 كيلو متراً مربعاً . وقد تم تكليف الدفاع المدني في محافظة النجف بالمهمة لكنهم يطلبون منا الآن داعماً لوجيستياً . وعلي الاعتراف ان المحافظات متلكئة في ابداء المساعدة والمفروض ان تتفهم ظروف الدفاع المدني وطبيعة اشراف فريق الدائرة الذي نوفره للاشراف على العمل ، والدعم اللوجستي لا يزيد عن توفير واسطة نقل ووجبتي طعام ثم فريق حماية في المناطق الحدودية البعيدة . وللأسف المحافظات لا توفر هذه المستلزمات، في وقت ان العملية تهدف الى مصلحة المحافظة ومواطنيها ، ونحاول الأن حل هذه المشكلة.
{ اي مشكلة؟
- مشكلة الدعم اللوجستي في النجف ، واعود الى تأكيد ان السبب يعود الى نقص التمويل والمحافظات تزعم عدم وجود التخصيصات اللازمة للدعم اللوجيستي فنضطر الى تحمل نفقته.
{ ما المانع لو فكر محافظ النجف بسبل بديلة، كأن يحيل الاطعام الى مضيف العتبة العلوية أو الى البيوتات الكريمة في النجف أو الى شيوخ العشائر .. كل ما في الأمر نحتاج الى نخوتهم طالما ان النتائج تصب في مصلحة المواطنين؟
- هذا واجب المحافظة. نحن نعمل وهؤلاء الذين ذكرتهم لا يقصرون لكن تبقى العملية بيد المحافظة . وليس لدينا مشكلة، نحتاج يومياً الى سيارة او سيارتين لنقل فريق الازالة واعادتهم من موقع العمل .
{ نحن كمؤسسة صحفية نتطوع لتوفير سبل نجاح مهمة ازالة الالغام، وماذا تحتاج في المهمة الاعلامية التنويرية سنكون رهن الاشارة . فأي تقصير في تنفيذ المهمات الانسانية صفة معيبة.
- الله يحفظكم . نحن الأن انهينا اكثر من 50 بالمئة من العمل برغم هذه العقبات . كانت المساحة الملوثة في العراق ستة آلاف كيلومتر مربع اي ما يعادل ستة مليارات متر مربع . انا الأن مقدم عشرة مشاريع الى وزارة المالية اذا تمت المصادقة عليها، هي الآن لدى وزارة التخطيط تخضع للمناقشة ، والمشكلة ان لجان التخطيط غير متخصصة، وهنا يكمن سبب التأخير . فنظرة برنامج شؤون الالغام غير نظرة الرجل المدني الذي يجهل ما هي الالغام وطبيعتها ومعايير ازالتها.
{ لماذا لا يستعينون بخبراء من وزارة الدفاع او الداخلية لمساعدتهم ؟
- المشكلة ان الخبراء هم نحن..
{ ضحكنا واستأنفنا الحوار:
- نحن لا نتردد في ابداء المساعدة لهم وحتى المنظمات الدولية العالمية في العراق نحن نشرف على اعمالها وملاحظاتنا ازاء اي قضية يتم تطبيقها من قبلهم مجبرين . ونحن اعطيناهم برامج لازلة نحو 600 كيلو متر مربع اي اكثر من ثلث المناطق المشمولة باالزالة.
{ هل تزور كل هذه المناطق وتطلع ميدانياً على ظروفها؟
- تماماً.. لان عملنا ميداني ويجب ان اعاين المشكلة موقعياً لأضع الحلول الصحيحة بشأن اي خلل يصادف فرق الازالة. احياناً توقف بعض المنظمات عملها برغم انها تستحوذ على منحة دولية، هنا يجب ان اذهب الى الموقع للاطلاع على الظروف واستكشف الاسباب التي أدت الى توقف العمل. نحن نهدف الى الوصول الى الحقائق ورصد نقاط الاختلاف او الاختناقات. وان شاءالله سنقوم دراسة بهذا الشأن.
{ هل تصلح هذه الدراسة للنشر؟
- (صمت) نحن نواصل التوعية وقد شملت جهودنا نحو مليوني مواطن واعطينا الرقم المجاني 182 للابلاغ عن اي جسم غريب. وهو رقم مجاني ولكن بعض الناس لا تلتزم ولا سيما أهل (العتيك).
{ هؤلاء يكسبون عيشهم من جمع السكراب؟
- صحيح، لكن يجهلون خطورة بعض الاجسام الغريبة والخطرة. والمؤسف ان بعض الافراد يضيعون نتيجة الاهمال. ويؤسفنا ان عائلة بأكملها قتلت في منطقة جبلة بمحافظة بابل نتيجة انفجار من هذا النوع. عملية موجعة وتجعلنا نؤكد ضرورة توفير المستلزمات لازالة الالغام والمخلفات الحربية.
{ وبالنسبة لبغداد.. هل ثمة تهديدات تواجهها من الالغام.. هل ننام رغداً؟
- بغداد بمجملها تم تطهيرها باستثناء، منطقة في التاجي استجدت بعد اكتشاف منشأة عسكرية كانت تستخدمها لاغراض الجيش..
وهي لم تكن مدرجة بوصفها خطرة . تم تطهير نحو 11 مليون متر مربع بالكامل باستثناء هذه المنطقة . الآن نعمل على استكمال تطهيرها وكان في النية الاعلان عن خلو بغداد من الالغام .
{ كم عدد منتسبي دائرة شؤون الالغام؟
- عندي حالياً 220 موظفاً.
{ كم عدد الذين يشتغلون، فعلاً؟
- وابتسم مومئاً الى جهاز التسجيل فبادرت الى اقفاله، وبدأنا الحديث، مؤكداً لي انه سينجح في زج 50 بالمئة من عدد المنتسبين كلياً في العمل خلال العام الجاري.