جدلية الصراع في تاريخ الفرد والمجتمع والدولة
مزهر الخفاحي
الصرعة - الصراع :-
هم القوم الذين يصرعون من يصارعوه كما يقول ابن منظور في لسانه
والصراع هو اصطلاحاً هو حالة من التوتر والنزاع بين شخصين او ( مجموعتين ) تحاول كل منها ان تتغلب على الاخر ... والمقصود بها هنا ان النزاع والصراع قد يجلب الصراع بين قوتين صراعاً يحاول كل من هاتين المجموعتين او الطبقتين ان تحل محل الأخرى .
ولقد عرف قديماً وحديثاً ان الصراع قد يتحول من خلال الإحساس بتضارب باطني ناشئ عن تناقض غير قابل للموازنة بين إرادة المعتقدات ورغبات الناس أن حاله الصراع ظاهره اقرتها المجتمعات البشرية لاينتهي فيها الصراع الا بتحقيق هذه الجماعات ( المنتصرة في صراعها ) الى تحقيق الهدف .
وبهذا الصراع يصبح تعبيرعن موقف انساني إزاء الطبقة والمجتمع سواءاً في الواقع المادي او في فعل الانسان وقد قسم اهل العلم الصراعات الى نوعين
الصراع التكاملي ( التوافقي )
والذي ينجم عن تناقض في المواقف والسلوكيات ينتهي الى انحرافه بين الخصمين المتنازعين ( جماعة – طبقة – دول ) الى التوافق او التصالح والقبول .
الصراع التصاعدي :
وهو الصراع الذي يقوم بين جبهتين او طبقتين او دولتين والذي يأخذ منحى تصاعدي يحاول احد الطرفين ان يلغي احد الطرفين المتناقضين الامر الذي قد ينتهي بالتدمير الذاتي لهذه الجهات ؟؟ .
لقد آمن العراق القديم .. ان الحضارة هي المرحلة الثانية للإنسان بعد (ثورة انتاج القوت ) وما تبعها من استقرار واجتماعاً بشري أي النظام والمدنية ضد الفوضى .. يصح ان نقول ان الانسان العراقي قد تحايل على الشقاء في كل بيئه وتعايش مع كل الظروف البيئية بعد ان قدم الكثير من التضحيات في ( صراعه المتراتب مع البيئة والماحول والأخر ) ... وقد نجح الانسان العراقي من البقاء وتمكن من تثبيت اركان بقاءه واستثمار مواد بيئته وتنظيم حياة واقتصاد واستخدامها لقواه الذهنية ... وكان من أسباب انتصاره في صراعه وتعزيز وجوده التاريخي والحضاري أنه خاض صراعه مع ثالوث الطبيعة والماحول والغازي...وقدم في صراعه التضحيات وكان سبب انتصاره انه فكر بعقلية الانسان المجتمع وليس الانسان الفرد .
لقد نجح العراقي القديم في صراعه الوجودي .. في تنظيم وجوده المادي من خلال :-
1- الاستقرار البشري
2- توفير مقومات الاستقرار ( الامن ) 3- خضوع مجتمع المدن الى نظام حكم سياسي مستقر
4- توفير (العقد الاجتماعي – الشتريع ) ( القانون لتنظيم العلاقة بين الفرد والمجتمع )
ان هذا الوجود واقصد الوجود العراقي ومنذ الاف السنين واجه مجموعة من الصراعات
اولاً – صراع مجتمع البداوة ومجتمع التحضر ،
بين المجتمع الذي أسس مدنه واستقرارها والوافد المهاجر سومريين مع ( اقوام جزرية) ( اكدية بابلية ) ( اشورية كلدية ) وفي صدر الإسلام بين اقوام العربيه التي استقرت فيه من نصارى ، سريان ، نبط ، وزنج ، وعرب يمانيين ، وعرب جزريين وقيسسين وموالي ومماليك ، وترك ، واكراد ، وشركس وارمن
وفي العصور الحديثة :- واجه العراقيون صراعاً من نوع اخر مثله الغزو من قبل الاقوام البربرية عليه او الاقوام كوتيه وعيلاميين ، وحثيه ، وكشيه ، وساسانيين ، وجلائريين وقاجار وعثمانيين او مماليك وانكليز و أمريكان
ان استمرار وتيرة الصراع بين ثقافتين ونقصد بها قيم البداوه الوافده وبين الحضارة الاصلية .
لم يكن مدعاة لصراعات دينية او عقائدية او طائفية او مناطقية
وقد استطاعت الشخصية العراقية من احترام الاخر عربياً او جزرياً او تركياً او سريانياً الخ .. وخلق بيئة متصالحة تحترم الاخر وتتجانس معه وتتصالح معه بالقدر الذي يحترم قيم وعقائد وثقافة وتقاليد هذا الشعب .
فتجاورت محلاتهم ( عقد النصارى ) التوراة، الفضل ، أبو سيفين مثلما اصطفت قبائل زبيد ، وتميم وخزاعة وقيس وشمر وجبور وسواعد والمياح والسادة مع بعضها البعض فكان جوهر الصراع فردياً ( صراع أنماط سلوك وتقاليد مدن مقابل تقاليد قرى وحواضر مدنية مقابل عشوائيات متفوعة للهجرة بسبب جور الاقطاع ، او القحط المتزايد ، او البحث عن فرصة للعمل ) بعد ان مارست الاقطاعيات الثلاث ( القبلية ، الاولغاركية ، الاقطاعيات ) شكلاً من اشكال الخذلان والاضطهاد او الابتزاز للكيانات الاجتماعية في كل محافظات العراق لقد كان الصراع صراعاً (مزدوجاً سياسياً واقتصادياً ) ونقصد به صراعاً العراق الدوله – الحضاره مقابل الفرد الأصيل والمهاجر يتعايشان ويقبل كل منهما الاخر ويتحمل جور الحكومات او تدخل الغزاة الغرباء في شؤونهما .
العامل الثاني -:
من الصراع المجتمعي
هو صراع ( رجل الدين – رجل الدولة )
ويسميه اهل التاريخ بين كهنه المعبد ورجال الدولة وقد حسم هذا الامر الملك ( سرجون الاكدي ) 2371ق . م حين حولت الدولة
( السومرية الاوتوقراطية ) الى دولة مدنية بأمتياز ووحدتها
تحت دولته المركزية ومن ثم اخضع سلطة الكهنة ورجال الدين لسلطتهة ... وكرس مفهوم العراق الدولة المركزية المدنية الملك حمورابي 1792ق.م وتفرع عنها الدولة المدن المعروف وقد تعاملت مواد هذه الشريعة ( مع العراقيين الرافدينيين مهما كانت مدينته او ارومته او اصله ) ويعد تشريعة تكريساً لمفهوم الدولة المدنية التي ضمنها مفهوم المواطنة ، وعززت وجودها ( العقد الاجتماعي ، الدستور ، الشريعة ) .. وتعاضم قدراتها بوجود الحاكم (المستبد المستنير ) المحافظ على دولتة المركزية وخضع الجميع ( حكام مدن ، زعماء قبائل ،كهنه ، ظباط ، اقطاعيين ، وفلاحين ) لسلطتة .
وهذا النوع من الزعامة الموافق عليها والمحمية بشريعة القانون قد عززت مفهوم الوحدة العراقية – الدولة المركزية ... وخلصت الدولة من فكرة الصراعات القائمة بين ثنائية ( القصر و المعبد وبين الحاكم وزعيم القبيلة وبين العسكر وملاكي الأراضي – الاولغاركية ) لكن هذا الشكل من الأنظمة المدنية الذي ابعد منظومة الدولة المدنية قديماً وحديثاً من النظام التحاصصي او المناطقي او الطائفي وان لم تخلو ( من مؤامرة المتضربين والحاسدين والحاقدين ) .
والعامل الثالث :-
ومن عوامل الصراع الأخرى التي عانى منها والتي واجهها المجتع العراقي تمثلت في فكرة تعاطي المجتمع العراقي مع زعامتة او حاكمة ... ولا مندوحة من القول ان الخيال والواقع العراقي قد جبل او تماهى مع فكرة ( الزعيم ، الحاكم البطل المخلص الحامي ، المنقذ القوي ) ...
ونحن نعتقد ان هناك مجموعة من المحفزات التي ساهمت في جعل العراق أفضل بيئة مجتمعية وسياسية في صناعة وتصدير البطل ... ونحن نعتقد ان خبرة العراقيين لمن يرمزلهم فكرة العدل ... او من يخلصهم من سطوة رجال الدين وحكام الأقاليم والاقطاعيين ... كما أن تعرض أراضيه ومدنه للغزو عوامل كرست حاجته للحامي المدافع عنها .
فكانت بيئة العراق المثلى في تصديرصناعة الزعيم القوي البطل المستبد ... ، الحماة والمخلصين والاحرار ومن يدقق في ملحمة كلكامش ، وبطولة انكيدو او زعامة سرجون الاكدي ، وعظمة حمورابي وعدل علي ( عليه السلام ) وثورة الحسين ( عليه السلام ) وبدر الرميض ، وشعلان او الچون و عبد الكريم قاسم ... ان العراق والعراقيين كمجتمع كانوا مولعين بصناعة الزعيم البطل .. او صناعة المستبد القوي وان تبدلت ضروف الصراع او تعددت اشكالها مع هذا الزعيم ، فقد يغالي العراقيون في تمجيد ابطالهم .. او قد يغامر الحاكم او الزعيم في التفريط في محبته شعبه له وهذا مكمن او جوهر الصراع .
والعامل الرابع :-
من الصراع هو صراع الفرد العراقي والمجتمعات مع البيئة ... فقد عانى اهل العراق منذ 7000 آلاف سنة ( سومر ، اكد ، بابل ، اشور ، الكوفة ، بغداد ، بصرة و الموصل ) قبل الميلاد طوفان النهرين ... في موسم الحصاد وتهديدها لزراعته وعانى العراقيون كذلك من ملوحة الأرض ( سبخها ) فجعلته كثير ما يهاجر أراضيها ويزحف باتجاه الاهوار وثالث هذه المشاكل تتمثل في ارتفاع درجات الحرارة وقحط امطارها وشح المياه في انهارها ... فجعل المجتمعات العراقية تعاني
الكثير ونقصد التحدي البيئي ... في الوقت الذي كان النيل كما يقول أبو المؤرخين ( هيرودت ) .
مصر : هبة النيل ، او كما يقول احمد فخري .. النيل حابي ( اخ المصررين ) فكان فضله على مصر كبير وأضاف الدكتور جمال حمدان : مصر عبقرية مكان ونحن نقول اذا كانت مصر عبقرية مكان .. ونقصد ان النيل قد اعطى اناسها استقرار وخيرات كبيرة وعزلة وحصانة مقابل عنف ( دجلة والفرات ) فان حضارة العراق ودولته .. انما كانت عبقرية انسان كان الصلابة وجسارة وعبقرية هذا الانسان دوراً كبيراً في استمرار الحياة والحضاره والدولة فيها
العامل الخامس :
وخامس هذه الصراعات التي واجهت العراقي القديم والحديث والمعاصر (الحضارة ، الدولة ، الانسان ) تمثلت في موقعة الجغرافي ويحق لنا ان نقول ان هذا الموقع نعمة ونقمة في ذات الوقت ... فنعمت الرافدين ( دجلة والفرات ) كانت قد صوبت اعين الكثيرين على ( بلاد سومر ) من كورش الى الاسكندر الى سليمان القانوني الى تشرشل الى بوش .
نعم كان للعراق الجغرافية ( المياه ، الموقع ، النفط ، الغاز ، فوسفات ، اليورانيوم ) خيرات كفيلة ان تدعو الجار او الإقليم والدول الكبرى ان تصوب انظارها اليه ... فعانى العراقيون من غزوات مؤذية واحتلالات تركت اثارها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنفسية عليه .
دفع هذا الصراع الكثير من العراقيين الى ان يعيشوا حالة من الاستنفار (السياسي ، العسكري ، المجتمعي) ... افراداً وجتمعات يؤمنون بالمؤامرة او يصدقون بنظرية انتقام الجغرافية او بالغضب الرباني هذا الامر هو الذي جعل ( الفرد ، المجتمع ) العراقي يضل طيلة عصوره التاريخية الى ان يكون فيها الانسان العراقي مستنفراً قلقاً منفعلاً مالت فيه الدولة الى عسكرة هذا المجتمع او اخضاعة لضريبة ( التآمر او المسؤولية التاريخية ) لكن كل هذه العوامل ومنذ الاف السنين لم تفتر من عضد الانسان العراقي ... ولم تزعزع من قناعتة بقدرته على التحدي السياسي والاقتصادي والعسكري والثقافي ... الذي عاناه وعانته دولته ومجتمعه ثقافته ووعيه ...
الامر الأكيد الذي جعل العراق يخوض هذه الصراعات ويخرج منها بأقل الخسائر وان لم يخلو يوماً من تصدير الوهم الذي يحاول من ان يفت من عضد العراق الانسان ، الفرد ، الدولة وهو ان العراق خلق ليكون واحداً .
نعم العراق دولة واحدة .. في اطار تنوع بشري وثقافي ... والديل هنا التاريخ ، الجغرافية ، الدولة ، الحضارة ، الدين ، الاساطير ، اللغة والمنجز العبقري
- نعم لم تكن حضارة العراق عبقرية مكان رغم ما افاض الرافدين عليه من نعمة .. بل كانت عبقرية انسان لانه خاض صراعاً جللاً مع البيئة والطبيعة
- نعم لقد عانى العراق وبسبب موقعة الجيو- سياسي من جار حاسد او حاقد .. فاكتوى بنار الغزو والاحتلال
- نعم لقد جبل العراقي على التحدي وعلى الصراع لكنه وان جار علية الزمان لكنه ولود وأهله قد يمرضوا لكنهم لن يموتوا فهم صناعها واقصد الحضارة والحياة .