تحت المجهر
النفط العربي يحرق المواطن ويدفئ الحكومات
موفق الخطاب
سنتطرق اليوم لتأثير ما يجري على حياة المواطن العربي بشكل عام والعراقي بشكل خاص في الدول المنتجة للنفط، فأصبحت الشعوب ينتابها القلق مع أي إرتفاع فلكي أو أي إنخفاض حاد في سعر برميل النفط، وبات المواطن يخشى أن يطاله لهيب النفط ويفتك به وينغص عليه معيشته ، على العكس من الحكومات والمتنفذين، فلهم جلود سميكة تتكيف معه ليزيدهم ثراءً ودفئاً .
لم يلمس المواطن في الدول النفطية العربية على مدى العقدين الماضيين أي تحسن في مستوى معيشته وسلم راتبه مقارنة بين أدنى و أعلى سعر وصله البرميل !
فلم يتضاعف راتبه مرات كما تضاعف سعر برميل النفط «بل تضاعف الكادر الوظيفي المترهل كماً وإضمحل نوعاً، وتضاعفت النفقات الغير مدروسة والسرقات الترليونية بالعقود والرواتب الفضائية و الوهمية والهبات الحكومية غير الضرورية عندما تدرج سعر البرميل تصاعدياً من 30 دولارا صعودا إلى 140 $ لغاية عام 2014 ثم اعقبه الهبوط التدريجي ليستقر عند 45 $ للبرميل ثم ليصل مرة اخرى الى 120$ اليوم، وربما سيقفز قريبا الى 150$ في الايام القليلة المقبلة مع اي تطور او تهور في الملف الأوكراني الملتهب.
كذلك لم يشعر المواطن بالفارق الكبير في الخدمات والبنى التحتية بين الحقبتين فلم يشهد تحسن في البنى التحتية من مدارس ومستشفيات ومصانع ومطارات ولا حلا لأزمة السكن ولا الكهرباد؛ بل على العكس تضاعفت عليه أسعار كل السلع الغذائية والخدمية والعقارية وبما لا يتناسب مع مدخوله مع زيادة معدلات البطالة والجهل والتي اضطرت لكثير من الشباب اما لإدمان المخدرات او الانتحار وللاسف لا يوجد لدينا احصائية دقيقة لنسوقها لكم!!
رفع الدعم
ومع حصول أي انتكاسة في أسعار النفط تعود الحكومات بضغط النفقات ورفع الدعم عن الخدمات و مضاعفة وفرض رسوم جديدة واستحصال ضرائب لا تخطر على بال ابليس لمعالجة العجز وربما الذهاب بالإقتراض من صندوق النقد الدولي لتكبيل البلاد، هذا من ناحية رسمية اما ما تقترفه المليشيات والمكاتب الاقتصادية وقطاعي الطرق المحتمين بالحكومة واحزابها فذلك امر مرعب عصيب.
ومن المثير للجدل أن تبقى الأسعار للسلع اليومية في برجها العاجي دون أي تأثر لها مع كل انخفاض وتقفز لأرقام جنونية مع اي ازمة ومع اي ارتفاع لسعر برميل النفط!!
يحدث هذا في القطاعات التي تسيطر عليها كبريات الشركات والتجار والموردين، والذي تمثل لهم هذه الأزمة وغيرها فرصة ذهبية للإبقاء على مستوى الأسعار دون مراعاة لما يطرأ على اسعارها عالمياً، وفي الاونة الاخيرة وخاصة مع أزمة جائحة كورونا دخل طرف ثالث قلب المعادلة على الجميع الا وهو الناقل الذي غير اتجاه البوصلة تماما فتعقدت الامور وتضاعفت الاسعار بين المــنتج والمورد والناقل والمستورد نزولا الى تاجر الجملة والمفرد ثم رسوم الحكومة ال vat او ما يسمى ضريبة القيمة المضافة التي تزداد عاما بعد عام وقد تصل ربما الى 25 في بعض الدول!! ومع هذه الازمات المتراكبة كقطع الليل المظلم زادت الطين بلة الحكومة العراقية بولوجها النفق الذي سلكته وزارة المالية بالتدخل في سعر الصرف دون دراسة مستفيضة ولا تحوط لارتداداته ليترنح المواطن تحت هذه السياط التي لا ترحم وغدا كالريشة تتلاطمها الأمواج و الرياح ، وبذلك سيكون الضرر الذي يقع على المواطن مركباً ومن الصعب الانفكاك منه.
وتتناسى بعض الحكومات بأن ليس واجبها المحافظة والدفاع عن الأوطان مع اهميته بل هنالك أمر أسمى من ذلك وهو الحفاظ على من يقطن تلك الأوطان وتجنيبهم أي نوع من المخاطر والمجاعة والفاقة والفقر ، خاصة في مجال عيشهم ورزق يومهم، وعلى وجه الخصوص الحفاظ عليهم من تقلبات السياسة النفطية وإيجاد آلية لضبط المستوى المعاشي لهم، وبما يتناسب مع المدخول القومي وتفعيل الصندوق السيادي ليكون المواطن بمنأى عن المضاربات والتقلبات التي تعصف به دون ذنب، ويشمل ذلك الإجراء الوقائي للقطاعين العام والخاص، مع إعادة النظر ببرنامج الدعم الحكومي الذي يستنزف المبالغ الطائلة وبطريقة غير متقنة ومدروسة، فمن المفترض أن يكون الدعم موجهاً للمواطن حصراً ولشرائح معينة تستحقه . وفي حال اصرار الحكومات على تجاهل المواطن فقد تصل بعض الشعوب مع انظمتها الى طريق مسدود لا تحمد عقباه و ولات حين مندم..
كذلك يتوجب على الأفراد والشركات والجمعيات والمنظمات مسؤولية وطنية وأخلاقية ليكونون رديفاً للحكومات في تحمل جزء من المسؤولية الواقعة على عاتقهم، فليس من الإنصاف أن نطالب الحكومات بتجاوز تلك الأزمات، والكل يرقب وينتظر وكأن الأمر لا يعنيهم بشيء، بل يتحتم عليهم تفهم الوضع في حالة الكوارث والحروب والنوازل في إعادة النظر في الكثير من حالات الترف والبذخ والصرف غير المرشد في كثير من جوانب الحياة، ولا نغفل عن مقارعة الفساد الذي هو آفة كبرى لا تقل عن أوجه التآمر والخيانة، فالفاسدون هم كالأرضة التي تنخر في أي شيء أتت عليه ثم إن تمكنت منه أردته صريعاً فيجب تتبع الايرادات والفروقات المتحصلة من ايرادات النفط خاصة وتوزيعها بشكل عادل عند الظروف الاستثنائية، لا ان تتسرب لحسابات الفاسدين ويتحمل المواطن لوحده المحنة.
ومثلما نطالب الحكومات بإيجاد بدائل لتنويع الموارد وألا يكون اقتصادها أحادي الجانب، كذلك يقع على الجميع التفكير الجدي في تنويع مصادر الدخل بالإبداع في جوانب عديدة من الحياة وإحياء نشاطات كانت بالأمس مصدراً مهماً من مداخيلنا كالزراعة والصيد والحرف اليومية كالصناعة والسياحة، وصعوداً إلى تنشيط كافة أنواع الاستثمارات لتتشكل لدينا رويداً رويداً قاعدة من مصادر الدخل على المستوى الحكومي والشعبي بما يجعلنا بمنأى عن أي مخاطر على المدى البعيد. فما أروع أن تمتد وتتحد أواصر الثقة والتعاون بين الحكومات التي تخلص لشعوبها ومواطنيها لتخطي الأزمات.