فم مفتوح .. فم مغلق
الإحساس بالآخر .. شعور إنساني كبير
زيد الحلّي
بينما ، كان حديثنا يسير باتجاه معاني الحياة ، وتقلباتها ، لاسيما في ظرفنا الراهن ، توقف زميلي ، لحظة ، ثم روى لي حكاية ، عظيمة في مغزاها .. وجدتُ انها تعكس جانبا من ازدواجية الشخصية في انسانيتها ورؤاها الحياتية ، فرجوته ان اشارك القراء بها .. فوافق .. قال زميلي:
ألحّ احد الذين اعرفهم ، عليّ كثيراً بزيارته فاستجبتُ خجلاً : كنتُ اعرف وجهه حين غادر الوطن قبل عقود ، مثل وجه عذراء ليلة عرسها ، وحين عاد رأيت وجهه ، مثل صخرة ملساء تحت ليلة ماطرة ... ذهب بقلب صاف نقي طاهر يأنس بالعفو ويستريح الى العذر ، وعاد بقلب مكفهر لا يفارقه السخط على الأرض وساكنيها ، ولا يمتلك احساساً بالآخرين ..
انه ليس " فلان " الذي كنتُ اعرفه ... فخرجت من "مكتبه الحكومي الفخم" وهو يلحق بي ، مستغرباً !
( حدث ذلك ظهر احد الايام من السنة المنصرمة ، في مبنى وزارة ..)
وفي مقابل ذلك ، يقول الزميل : مررت مؤخرا ، بتجربة لن انساها ما حييت ، معكوسة تماما عن الحالة التي ذكرتها ، كان بطلها شخصية ، هي نسغ
ارث عائلي بهي ، سارع ، بشعور عميق الدلالة ، وبإحساس نبيل الى القيام بموقف ، يعزز من صلابة الشكيمة في ظروف الحياة القلقة ، حيث قرأ الحال ، بعين الصقر ..
وانتهى حديث الزميل ، وشخصيا ، اجد ان هذين الموقفين ، وامام حالات متباينة ، يشكلان ما يشبه التربة ، التي تحمل صفات عكس الاخرى .. فهي مثل الارض السبخة غير الصالحة للزراعة والعطاء ، والارض المحاطة بالإرواء وصالحة للزراعة .
فالإحساس بالآخرين يشكل ذروة الصدق في المشاعر النبيلة الداعمة لكل عمل خير، ويعد حافزاً خلاقاً لبذل العطاء على نحو يجسد علو الهمة في فهم ظروف الآخر .. إن ارتفاع المنسوب الذي يفيض تألقاً ونبلاً سينثر جداوله الوارفة ، رقراقه على شواطئ العز والأمان والاطمئنان في الجوانب الانسانية كافة ، لأن الشعور بالآخرين حاسة سادسة لا يمتلكها الا اصحاب القلوب البيضاء ، والانسان الرقيق ، هو من يتسلل داخلنا دون أن نشعر.. وصدق من قال ان الشعور بالآخرين ، قيمة إنسانية رفيعة لا يمتلكها إلا الأنقياء ..
كم جميل ، ان تتبادل الانسانية مشاعر الفرح وتتقاسم الهموم ، راسمة خارطة واحدة في فهم دوران الحياة ، وتقلبات الزمن .. واختتم عمودي بالقول : ان الاحساس الانساني ، مثل زهرة متفتحة وسط زهور ذابلة في ايام الخريف ، وعنوانا للإحسان .Z_alhilly@yahoo.com