الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
كورونا يخيط ضفتيه جالسا القرفصاء.. خمسة أيام هزت الكبرياء في جسدي

بواسطة azzaman

كورونا يخيط ضفتيه جالسا القرفصاء.. خمسة أيام هزت الكبرياء في جسدي

محمد اسماعيل

 

أجزئ المسافة التي أعتزم قطعها، الى ثلثين مشيا على الأقدام، وبينهما ثلث في سيارة نقل عام.. كيا نفرات.

شعرت بألم شديد في البلعوم والرئتين، أعاقني عن سرعة المشي الأقرب الى الركض، فوق جسر السنك.. صباحا؛ فإتأدت متسائلا:

{ ما الجديد، منذ خمسة وخمسين عاما.. في القمائط.. أمشي بهذا التسارع؟

- عزوت الأمر الى نغزة عابرة، مواصلا السير، لكن بتكرر الحالة كلما أسرعت، مع شيء من دوار، لم يعد الأمر عابرا إنما يجب أخذه على محمل الجد؛ فآثرت أن أعتبرها "فقرات" ناتجة عن إنحناءتي على كيبورد الكومبيوتر حوالى ست عشرة ساعة في اليوم.

أعطِ فرضيات كيفية "فطيرة" وأبني عليها مسلمات واجبة الاعتماد طبيا؛ لذلك بقيت أمشي "مشجوخ" الظهر؛ كي أريح الفقرات، وأوهم نفسي بأن الدوخة وألم الرئتين والبلعوم، زالتا مع "الشجخ" مواصلا العمل...

فاطمة رحمة

ثمة حيوية وتفاؤل تبلغان حد السير على القدمين من المسبح الى الباب الشرقي، وصعود سيارة من ساحة الطيران الى العلاوي، ثم معاودة السير من المحطة العالمية الى سيد الحليب، حيث تنتظرني الزميلة فاطمة رحمة.. من وكالة الانباء العراقية؛ لنأكل همبركر.

مكنتني طاقة التفاؤل والمناعة البايلوجية، من قسر فايروس كورونا على عدم التفتح ثلاثة أشهر.. إذ لم يتمكن من إطلاق أعراضه إلا عند حظر التجول الذي أجلس الناس كلها في البيوت.. فهدأ عنفوان جسدي، وظهرت السخونة والإختناق النسبي الذي لا يكاد أشعر به إلا غروبا، وفي ليلة او ليلتين أبقاني يقظا أنا وزوجتي بتول ثم زال ولم يعد يلوح إلا من بعيد على إستحياء وخجل ودماثة خلق حيية.

جيهان الطائي

قالت الاعلامية القانونية جيهان الطائي:

- أكلك إنت تتعاطى حشيشة؟

- ليش؟

- الدنيا واجه إبنار، وكل ما أكلك إشلونك؟ تكلي: بخير؛ الصحة والرزق وستر العيال.

- جا شريد غير ذني؟ صحة عيالي ورزقهم؛ شعليه؟ إلشرقت وإلغربت!

هذه اللا مبالاة والتفاؤل، ربما سبب داعم لقوة عضلات جسدي، التي أحبطت كورونا، وأطالت الفترة بين حملي الفايروس وظهور الاعراض.. ثلاثة أشهر، إتضح بعدها لا فقرات ولا بطيخ.

جاسم العزاوي

يومان ملت فيهما الى لذة الاسترخاء، ظنا مني أنها مجرد حمى تقليدية، وحفيداي.. محمد الصادق ومنسة معي في الفراش، يمسحان العراق عن جبيني ويمسدان رأسي:

- جدو إحنا قهرانين عليك!

- إسم الله عليكما من القهر جدو؛ أنذر حياتي؛ كي لا يمسكما قهر.

بعد منتصف الليل غفوت في شبه إغماءة متوسطا صالة البيت، والحفيدان.. محمد بين أرجلي ومنسة تمسح التعرق، وبتول زوجتي تهاتف حيدر إبني الأكبر، الذي جاء مع إثنين من أولاد إخوتي.. ياسر بن أخي فاضل.. محامٍ.. أسمر ظنه الطبيب بنكالي.. وحيدر بن أخي عباس.. إعلامي، نقلوني الى مستشفيات الاعظمية، التي إنتهت الى تشخيص فايروس رئوي.. يحتمل كورونا بنسبة تسعين في المائة، حوالى وجه الصباح.. عند الرابعة ليلا.

عزلت.. حسب توجيهات الطبيب في غرفة الاستقبال، وبتول معي، صباحا أخذني إبني الصغير أحمد.. مرحلة ثالثة موسيقى في كلية الفنون بجامعة بغداد.. الى اقرب مركز صحي معني بكورونا.. في البلديات، حيث أسكن حي الصحفيين.

بعد يومين ظهرت المسحة سالبة، لكن صديقي نقيب الاطباء د. جاسم العزاوي، يصر على أنها كورونا، وأن قلبي فيه تلف عاطفي، ظهر على ورقة التخطيط؛ جعله يتحول من المزاح الى الجد...

قال د. جاسم العزاوي:

- مناعتك جعلت كورونا يلعن الساعة التي نفذ خلالها الى جسدك.

"شاف التخطيط د. جاسم، وإنعقج.. لهسة ما أريد أعرف غير كورونا شكو في قلبي" كي لا أنعقج مثل د. العزاوي الذي آثر أن أعود إليه الخميس المقبل "حينها.. مر قبل النشر" كي يجري لي إيكو.. تخيلت الإيكو إنموذج لقصيدة الهايكو اليابانية، التي تأثرت قصصي بها: "النهر يخيط ضفتيه جالسا القرفصاء".

منير حداد

خمسة أيام، عدت بعدها مثل الصل، لأسجل نبل مواقف فاطمة رحمة ومنير حداد وعائلتي.. ماديا ومعنويا.

حداد وفاطمة ناء كلاهما بقلق كما لو ليس لهما صديق في الدنيا سواي، وهذا وحده يعيد لي قيمة حــــــياتي التي أستمد نسغها من هذين الصديقين اللذين إذا فديتهما بروحي.. قليل عليهما، أما عائلتي، فبــــــــتول زوجتي أقامت معي في العزل.. مشروع شهيدة، وحـــــــيدر اوقف الدنيا على "تك" رجل.. وعلي بن أخي الذي منـــــــعوه بحد السيف عن تقبيلي:

- لا تلقوا بأنفسكم الى التهلكة، بعدين بوستك ما راح تزيل كورونا من عمك!؟ بس تطرح في البيت مصابا آخر؟

لكنه من حلاة روحه ومحبته التي أنذر عمري لها...

أحمد إبني وزوجته منار، أتخماني طعاما، كما لو أن الأكل يزيدني جلداً في قهر كورونا المحبط لأن مناعتي هزت كبرياءه؛ إذ لا أظن سواي أحد تعافى في يومين حسب المسحة او خمسة أيام حسب تقدير د. جاسم العزاوي، الذي أدين له بالمحبة طوال عمري.

أما نور.. زوجة ولدي حيدر؛ فلم تعنِ بي من باب "جنه وشايب.. زلمه جبير لوجه الله" إنما بحرص صادق "من كل قلبها" كما لو إبنتي من صلبي، وهي كذلك لأنها إبنة أخي أصلا.


مشاهدات 1407
أضيف 2021/03/30 - 8:19 PM
آخر تحديث 2024/06/29 - 4:40 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 347 الشهر 11471 الكلي 9362008
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير