الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
معضلة العزلة الإقليمية وسـط بيـئة داخلية ضـاغــطة

بواسطة azzaman

معضلة العزلة الإقليمية وسـط بيـئة داخلية ضـاغــطة


صلاح نـوري

‮ ‬عاشت الدولة العراقية عُزْلة دولية بصُورَة إِرْغَام قسري‮ ‬,وليس بصُورَة طوعية واختيارية ناهَزتَ‮ ‬تلك العُزْلة ما‮ ‬يقارب ثلاثة عشر عاماً‮  ‬من عام‮ ‬1990 الى عام‮ ‬2003 بسبب‮ ‬غزو العراق للكويت‮ ‬,وما ترتب على ذلك الفِعْل من إجْراءاَت دولية شملت العقوبات الاقتصادية والسياسية وقامت معظم دول العالم بقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع العراق توافقاً‮ ‬,واستجاباً‮ ‬لقرارات مجلس الامن الدولي‮ ‬التي‮ ‬جاءت تحت طائلة البند السابع‮ ‬,وتزايدت ظاهِرة العُزْلة الدولية‮ ‬,وإِسْتَفْحلت الازمات السياسية إِبَّان تسعينيات القرن الماضي‮ ‬بسبب الازمات المفتعلة سواء من النظام السابق او من مفتشي‮ ‬الامم المتحدة حول اسلحة الدمار الشامل او من قبل دول الجوار‮.‬
‮  ‬بعد التغيير السياسي‮ ‬عام‮ ‬2003 كان هناك من نَوْع الانفتاح السياسي‮ ‬,والاقتصادي‮ ‬للعراق الا ان ذلك الانفتاح كان‮ ‬يشوبه الحذر الشديد بسبب تَوَجُّس‮ ‬,وقَلقَ‮ ‬دول الجوار من طبيعة التغيير السياسي,وماسوف‮ ‬ينتج عنه لذلك ظلّت معظم دول الجوار العربي‮ ‬في‮ ‬حَالَة من الترقب نتيجة ما‮ ‬يشهده العراق من سُيوُلَة متلاحقة للاحداث دون تفاعل الدول العربية مع الاحداث والتطورات السياسية في‮ ‬العراق بصورة ايجابية,و لكن لانه في‮ ‬الجيوسياسية كما في‮ ‬الفيزياء لكل فِعْل رَدّة فِعْل‮ ‬,ونتيجة لذلك التباطؤ في‮ ‬عملية التفاعل مع احداث العراق من قبل دول الجوار العربي‮ ‬كان رَدّ‮ ‬فعل ايران سريع اذ عمدت الى إِتِّباع سياسة مَلُّ‮ ‬الفراغ‮ ‬,والذي‮ ‬نَتَج عن عملية التغيير السياسي‮ ‬,وكان ذلك نتيجة طبيعية للفراغ‮ ‬الذي‮ ‬تركته معظم الدول العربية في‮ ‬العراق‮ ‬,وعدم الاندماج والتكيف مع الواقع العراقي‮ ‬الجديد فضلاً‮ ‬عن تَوَجُّس النظام الايراني‮ ‬على امنه القومي‮ ‬من التواجد الامريكي‮ ‬في‮ ‬العراق‮ ‬,والذي‮ ‬بات قريب من حدود ايران‮ ‬غربا‮ ‬,وفي‮ ‬افغانستان شرقاً‮ ‬فكان جُلّ‮ ‬هَاجس صانع القرار الايراني‮ ‬هو ان لا تعاد السُلْطَة وتركيبتها في‮ ‬العراق وفق القاعدة السابقة‮.‬
‮ ‬
‮   ‬ونتيجة لتلك السياسات المتَأَرْجُحة من قبل دول الجوار العربي‮ ‬انطلقت ايران في‮ ‬سياستها لتحقيق اهدافها لتصبح المدة الممتدة من عام‮ ‬2003 الى عام‮ ‬2014‮ ‬امتداداً‮ ‬للمرحلة الاولى من العزلة الدبلوماسية لدول الاقليم اذ أَحْجَمت اغلب الدول العربية عن تمتين آواصِرَ‮ ‬العلاقات السياسية والدبلوماسية فضلاً‮ ‬عن عدم فتح سفارات لتلك الدول في‮ ‬بغداد بسبب طبيعة تركيبة النظام السياسي‮ ‬العراقي‮ ‬بعد عام‮ ‬2003 ,فاصبح الفاعل الاكثر تاثيراً‮ ‬في‮ ‬تَشْكِيل معظم الحكومات العراقية المتعاقبة بعد عام‮ ‬2003‮ ‬هي‮ ‬الولايات المتحدة الامريكية وايران‮ .‬
علاقات دبلوماسية
فالمُسوّغات التي‮ ‬كانت تطرحها الدول العربية لقطع علاقاتها الدبلوماسية مع العراق بعد عام‮ ‬2003 هي‮ ‬الإِنْقِياد لاسلوب المحاصصة الطائفية والمذهبية في‮ ‬العملية السياسية,والذي‮ ‬ادى بدوره‮  ‬الى تغيير جذري‮ ‬في‮ ‬ميزان القوى السياسي‮ ‬لتَميْل لمصلحة المكون الشيعي‮ ‬مقارنة بما كان سائداً‮ ‬في‮ ‬مدة حكم النظام السابق,وبالتالي‮ ‬فان ذلك المتغير‮ ‬يعد بمثابة تهديد للدول العربية لاسيما دول الجوار التي‮ ‬توجد فيها طائفة شيعية‮  ‬فضلاً‮ ‬عن تخوف بعض دول الجوار من تغيير انظمتها السياسية بصورة او اخرى بسبب التفاعل التسلسلي‮ ‬حَسب نظرية الدومينو‮ .‬
‮    ‬بعد عام‮ ‬2014 ,وعلى اثر انكفاء مرحلة رئيس الوزراء الاسبق نوري‮ ‬المالكي‮ ‬,وتولي‮ ‬حيدر العبادي‮ ‬رئاسة الحكومة‮ ‬,وبدفع من الادارة الامريكية‮ ‬,ومن منطلق القبول بالامر الواقع‮ ‬,ولمنافسة النفوذ الايراني‮ ‬في‮ ‬العراق عمدت اغلب دول الجوار العربي‮ ‬الى الانفتاح على العراق‮ ‬,والعمل على مد جسور التعاون السياسي‮ ‬,والامني‮ ‬والاقتصادي‮ ‬,وتوج ذلك الانفتاح بافتتاح المملكة العربية السعودية سفارتها في‮ ‬بغداد بتاريخ‮ ‬30 كانون الاول من عام‮ ‬2015‮ ‬ونتيجة لذلك التحول في‮ ‬العلاقات السعودية العراقية اخذت معظم الحكومات العربيـــة الاخرى بالانفـــتاح على العراق‮ .‬
ان مُعْضِلَة العزلة الاقليمية التي‮ ‬كسرت بصورة فعلية بعد عام‮ ‬2014  ينظر اليها البعض من المحللين والمراقبين السياسيين على انها بارقة أَمَل لتحسين الاوضاع الامنية والسياسية فضلاً‮ ‬عن الاقتصادية‮.‬
فالمواطن العراقي‮ ‬أَخَذ‮ ‬ينظر الى اي‮ ‬لقاء بروتكولي‮ ‬ثنائي‮ ‬لرئيس الحكومة العراقية مع رئيس دولة اخرى بوصفه إنْجاز‮ ‬يحسب لرئيس الحكومة,وهذه اشكالية فعلية سببها عقدة العزلة الاقليمية‮ ‬,والدولية التي‮ ‬كان‮ ‬يشعر بها المواطن العراقي‮ ‬تلك العزلة جعلت المواطن العراقي‮ ‬يصنف لقاءات رئيس الحكومة مع قادة الدول الاخرى في‮ ‬خانة الانجاز حتى ولو كانت تلك اللقاءت بروتكولية ذات طابع شكلي‮ .‬
‮   ‬الحكومة الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي‮ ‬تدرك جيداً‮ ‬حجم التحديات الداخلية التي‮ ‬تواجهها‮ ‬,وقد تكون حجم التحديات اكبر من قدرة الحكومة لمواجهتها لذلك اخذت تراهن كثيراً‮ ‬على المتغير الاعلامي‮ ‬في‮ ‬نشاطها‮ ‬,فرئيس الحكومة مصطفى الكاظمي‮ ‬رجل ذو خلفية اعلامية بالدرجة الرئيسة قبل ان‮ ‬يكون رجل سياسة‮ ‬,وهذا بحد ذاته‮ ‬يعطي‮ ‬انطباع اولي‮ ‬على ان حكومة الكاظمي‮ ‬لا تختلف كثيراً‮ ‬عن اخواتها من الحكومات السابقة فهي‮ ‬لا تكترث كثيراً‮ ‬لتحديات البيئة الداخلية التي‮ ‬اخذت بالتزايد‮ ‬يوم بعد اخر لتَشْكل عامل ضغط رئيس على الجهاز الحكومي‮.‬
فالبيئة المحلية في‮ ‬العراق تعاني‮ ‬من اختلالات هيكلية كبيرة دون وجود معالجات جذرية‮  ‬لتلك الاختلالات والتي‮ ‬تطول قائمتها من مشكلات البنيــــــة التحتية الى مشكلات القطاعات الحكومية الخاملة مروراً‮ ‬بازمة البطالة المتفاقمة التي‮ ‬ارتفعت الى نسب قياسية في‮ ‬وقت قصير فضلاً‮ ‬عن المشكلات السياسية الداخلية‮ ‬,والمتمثلة بالصراع حول النفوذ السياسي‮ ‬والسلطة والمكاسب السياسية والاقتصادية بين القوى السياسية الفاعلة في‮ ‬المشهد السياسي‮ ‬العراقي‮.‬
تركيز العمل
‮  ‬ان حكومة الكاظمي‮ ‬او اي‮ ‬حكومة اخرى تاتي‮ ‬بعدها اذا ما ارادت النجاح في‮ ‬عملها فعليها بتركيز العمل على ملفات‮  ‬داخل البيئة المحلية‮ ‬,وامتصاص ضغط البيئة المحلية عبر انتاج سياسات عامة فاعلة في‮ ‬الوسط المحلي‮ ‬وتصفير المشكلات الداخلية, فالواقع‮ ‬يشير الى تحول الحكومة الحالية الى انتهاج سياسة خارجية تبدو اكثر مرونة وانفتاحاً‮ ‬على دول الاقليم والعالم لتغطي‮ ‬على الاخفاقات الداخلية والهروب من واقع البيئة الداخلية,‮ ‬وقد تم التعبير عن ذلك عبر تكثيف النشاط الخارجي‮ ‬مقابل خفض الاهتمام بالاولويات الداخلية فاذا ما استمرت الحكومة على هذا النمط من السياسات فانها سوف تواجه في‮ ‬المستقبل القريب متغيرات جديدة قد تكون الجماهير هي‮ ‬المحور الرئيس بتلك المتغيرات‮.‬
‮ ‬وفي‮ ‬هذا السياق‮ ‬يمكننا القول ان الحكومة الحالية والحكومات القادمة بحاجة الى إعادة ترتيب للاهداف والخطط‮ ‬,والتي‮ ‬يجب تنطلق من الداخل عبر وضع الشؤون الداخلية في‮ ‬الحسبان‮ ‬,وانتهاج سياسة توازن بين السياسات الخارجية‮ ‬,والداخلية واذا اضطرت فان تبني‮ ‬منهج العزلة الخارجية الطوعية للانكفاء داخلياً‮ ‬,والعمل على بناء القدرات‮ ‬,والمقومات الداخلية قد‮ ‬يكون هو الخيار الاصعب للتفرغ‮ ‬لمواجهة اعباء الضغوط الداخلية‮ ‬,فالانعزالية المؤقتة سوف تسهم في‮ ‬تقليل‮ ‬,وضبط النفقات الخارجية التي‮ ‬لا طائل منها سوى هدر في‮ ‬القدرات المادية دون تحقيق اي‮ ‬مكاسب تذكر‮.‬
‮   ‬ومن ثم بعد مدة زمنية متوسطة‮ ‬يمكن اعادة النظر في‮ ‬السياسة الخارجية من خلال التركيز على محورين رئيسيين المحور الاول‮: ‬يستند الى التكامل بحيث‮ ‬يدفع الحكومة العراقية نحو المزيد من التعاون انطلاقاً‮ ‬من وضع داخلي‮ ‬متماسك وقوي‮ ‬,وايجاد مساحة مشتركة تؤيد التكامل بين الاطراف الاقليمية والدولية بحيث‮ ‬يكون العراق في‮ ‬ذلك المحور هو الطرف الاكثر فاعلية وتاثير‮.‬
المحور الثاني‮: ‬ضرورة‮  ‬ايجاد نوع من التوازن في‮ ‬عملية الارتباط الاستراتيجي‮ ‬في‮ ‬العلاقات مع دول الجوار واعادة النظر بحجم وكثافة العلاقات مع دول الجوار‮ ‬,ولتكن مصلحة العراق هي‮ ‬الحاضرة في‮ ‬الدرجة الاولى في‮ ‬اي‮ ‬علاقة تعاون مع دول الجوار بحيث‮ ‬يكون هناك توزيع للادراك بشكل متوازن في‮ ‬العلاقات الاقليمية‮ ‬,والدولية‮ ‬,وإعادة ترتيب الاولويات وايلاء المزيد‮  ‬من الاهتمام لعملية التوازن في‮ ‬العلاقات‮ ‬,وتعزيز التكامل الاقتصادي‮ ‬,والاكتفاء الذاتي‮ ‬من مصادر الطاقة الحيوية‮ ‬,والعمل على دعم الاستجابات الجماعية للتحديات العالمية,وبطبيعة الحال فان هذان المحوران لا‮ ‬يتحققان من دون وجود الاشتراطات التي‮ ‬يجب ان تتوفر في‮ ‬البيئة الداخلية العراقية المساندة لعمل البيئة الخارجية‮.‬
‮ ‬فالتهديد الفعلي‮ ‬والحقيقي‮ ‬للدولة العراقية‮ ‬ياتي‮ ‬من داخلها, صحيح توجد تحديات خارجية الا ان البيئة الداخلية تشكل المتغير الاهم في‮ ‬معادلة السياسة الخارجية بالنسبة للعراق‮ ‬,ومن هذا الاساس فان تأزم وتفاقم الاوضاع الداخلية‮ ‬ينعكسان سلباً‮ ‬على اي‮ ‬تحرك خارجي‮ ‬للعراق‮ ‬,وياثر على قدرة العراق في‮ ‬الحفاظ على مصالحه الذاتية فالشي‮ ‬المثير للإِضْطِراب بالنسبة لسياسة العراق الخارجية هو تراجع الاسس الداخلية للقوة العراقية‮ ‬,لاسيما تدهور البنية التحتية الداخلية‮ ‬,وتَأخُّر نظام التعليم‮ ‬,وعجز الموازنة الدائم‮ ‬,وارتفاع نسب الدين العام‮ ‬,والتضخم فضلاً‮ ‬عن النمو الاقتصادي‮ ‬المنخفض‮.‬
وهذه المشكلات ارتبط بصورة او اخرى بالحروب والازمات التي‮ ‬شهدها العراق سواء قبل عام‮ ‬2003 ‮ ‬او بعد ذلك العام‮ ‬,وبالتالي‮ ‬فان جميع تلك الاختلالات البنيوية تحتاج الى اعادة تَقْييِم‮ ‬,وتَقْوِيم من قبل صانع القرار العراقي‮ ‬لمخرجات السياسات العامة‮ ‬,ومقدار الاهداف المحققة منها فضلاً‮ ‬عن معرفة جوانب الوهن والقوة لتعزيز الجوانب الايجابية,ومعالجة السلبية منها قبل الانطلاق الى البيئة الخارجية‮ ‬,وكسر عقدة العُزْلة الاقليمية‮.‬


 


مشاهدات 476
أضيف 2020/09/18 - 10:38 PM
آخر تحديث 2024/06/28 - 4:58 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 134 الشهر 134 الكلي 9362206
الوقت الآن
الإثنين 2024/7/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير