مسار التحول نحو إقتصاد السوق وأسباب الفشل
خالد محسن الروضان
لقد ادت التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتوالية التي اعقبت الاحتلال الانكلو امريكي للعراق 2003 الى تضارب بين المصالح الخاصه (لكبار المسؤولين واقاربهم) ومصالح المجتمع ذلك لان المنافسة الحرة هي محور الاقتصاد الحر، فالتحول نحو (اقتصاد السوق) كانت المهمة الاولى التي دعا لها اصحاب التغيير وماصاحبها من فساد، وتركيز الثروات الطائلة في ايدي فئة قليلة من المواطنين (كبار المسؤولين واقاربهم) وفيما يسمى اللجان الاقتصادية التابعة للاحزاب الحاكمة، يوجهونها توجيهاً لا اكتراث فيه لمصالح الاغلبية العظمى من المجتمع واستغلت هذه الاموال في مزادات العملة التي تقام في البنك المركزي العراقي لتحقيق ارباح هائلة واغلبها هرب خارج البلاد ولم يستغلونها في عملية الاستثمار. الامر الذي دعانا الى مناقشة الصراع الدائر بين القوى داخل المجتمع، ونوجه السؤال التالي اين ذهبت شركات ومؤسسات الدولة المختلفة (شركات القطاع العام)؟ واين ذهبت اموالها وممتلكاتها وماهو مصير القوى العاملة فيها؟ لقد ابتلعت هذه الشركات والمؤسسات الانتاجية والخدمية والعمرانية والصناعية بعد تفكيكها من قبل الفاسدين (طبقة كونت لها رأس مال من سرقة المال العام وسرقة ممتلكات شركات ومؤسسات الدولة واعتبرت نفسها من طبقة المقاولين وهي لا تملك اي مقومات الطبقة نفسها وقد تطفلت على اقتصاديات الدولة بحكم الوجاهة وصلات القربى مع كبار المسؤولين).
افواج العاطلين
اما مصير العاملين في هذه الشركات والمؤسسات الحكوميه فهو مع افواج العاطلين عن العمل فزادت نسبة البطالة في المجتمع، ولم تكترث الحكومة لمصالح الاغلبية العظمى من المجتمع ثم ماجدوى النص في الدستور على الحقوق وحرية العمل في الوقت الذي يترك المواطن فريسة للبطالة والتشريد، وحتى اذا وجد العمل فهو انما يطلبه تحت وطأة ظروف غير ملائمة وبشروط جائرة ومهينة.وماهي فائدة النص على كفالة حق الحياة والحريات الشخصية للمواطن؟ بينما لايجد هذا المواطن الحماية من مخاطر الجوع والعري والسكن غير الصحي.. واين هو دور السلطة الحاكمة في تحقيق التوازن بين المصالح الخاصة للافراد والمصلحة العامة للمجموع وبالتالي لامعنى للتغني بحقوق الافراد وحرياتهم مادام السواد الاعظم منهم باتوا لايملكون سوى حريات جوف لاحول لهم ولاقوة ضد العدوان عليها، وعلى اساس من تلك الانتقادات الموجهة الى فكرة التحول نحو (اقتصاد السوق) والتي كانت نتائجها تغليب المصالح الفردية على المصالح العامة واستشراء الفساد وهدر لثروات البلد البشرية والثروات النفطية، وتخريب الاقتصاد بكل فروعه (الزراعية والصناعية والخدمية والنقل والسياحة) وتغييب كل التوجهات الاشتراكيه لبناء مجتمع ينعم فيه الفرد بحقوقه الاساسية في الوقت تتحقق منفعة الغالبية العظمى من الناس وفي هذا الصدد نجد توسيع الحقوق والحريات في الدول الرأسمالية باستخدام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بهدف تحرير الافراد من الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية وضمان ظروف افضل لهم، لتمكينهم من ممارسة الحريات الاخرى التقليدية، فمثلاً صدر في بريطانيا سنة 1984 قانون المساعدات القومية، وصدر في الولايات المتحده الامريكية 1935 قانون الضمان الاجتماعي الذي يشمل معالجة مشاكل الشيخوخة والطفولة ومشاكل كل من لايستطيع اعالة نفسه. وفي فرنسا تضمنت ديباجة الدستور الفرنسي حقوقا اقتصادية واجتماعية للافراد.حق كل فرد بالحصول على وظيفة .حق كل فرد بالدفاع عن حقوقه.
التأمين الصحي لكل الافراد خصوصاً الاطفال والشيوخ
والمساواة في مفهوم الدولة الرأسمالية لم يعد يعني مجرد الاعتراف النظري بأن الافراد متساوون امام القانون، بل يعني تحقيق العدالة الكاملة في ظروف والاوضاع الاجتماعية والاقتصادية بين الافراد وهذه المفاهيم اقتضت بالضرورة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي للحد من الحرية الاقتصادية بوجه خاص وتدخلها في بقية الحريات الفردية الاخرى بوجه عام، بقدر مايلزم الحماية للمجتمع من اضرار الانفلات في الحريات والحقوق الفرديه. ففرنسا مثلا اممت البنوك وشركات التأمين والمصانع حتى قيل ان فرنسا لم يعد يفوقها حالياً في نشاط الدولة في المجال الاقتصادي سوى روسيا، كما اتخذت حكومات الدول الغربية المختلفة الوسائل للسيطرة على الشركات الاحتكارية، ففي عام 1967 اممت صناعة الحديد والصلب في انكلترا وصدر في امريكا لهذا الغرض (قانون شيدمان).فالحرية في المجتمعات الرأسمالية لم تعد تعني مجرد الاعتراف بقدرة كل فرد على التصرف في نطاق القانون، بل تحرير الانسان من عوامل الضغط الاقتصادي بغية تحقيق مستوى افضل في المعيشة. فهل ياترى ينتبه ساسة العراق الى هذه التحولات في المجتمعات الرأسمالية والتي جاءت نتيجة مزاوجة الفكر الرأسمالي مع الفكر الاشتراكي لخلق حياة حرة وسعيدة لمواطنيهم واوطانهم؟.