في ذكرى تأسيس الجيش الباسل
سامي الزبيدي
يحتفل أبناء جيشنا ومعهم شعبنا العراقي بذكرى تأسيس جيشهم الباسل جيش العراق الأبي جيش المآثر والبطولات والأمجاد الوطنية والقومية التي سطرها في سفره الخالد الطويل خلال أكثر من مائة عام لقد كان جيشنا البطل سباقا في المشاركة بكل الانتفاضات والثورات ضد الاحتلال البريطاني مؤازراً شعبنا فيها كما شارك جيشنا في كل الحروب العربية ضد الكيان الصهيوني بدأ ً من حرب عام 1948 ومن ثم حربي عامي 1967 و 1973 وسطر فيها بطولات نادرة سجلها التاريخ بأحرف من ذهب ولا زالت مقابر فلسطين والأردن تحتضن رفات شهداء جيشنا الباسل الذين استشهدوا دفاعا عن فلسطين والأراضي العربية ,ان صولات جيشنا الباسل ومآثره البطولية والمعارك التي خاضها دفاعا عن الوطن والشعب وانتصاراته الكبيرة فيها ومآثره القومية لا تخفى على شعبنا وعلى أبناء امتنا العربية ولهذا سوف لن اذكرها لكني سأستعرض بدايات تشكيل جيشنا الباسل من قبل ثلة من الضباط العراقيين الذين عملوا في الجيش العثماني والجيش الحجازي كما سأتطرق الى أولويات تدريب ضباطه وجنوده وبدايات تسليحه وتجهيزه .
بدايات تشكل هذا الجيش البطل كانت بداية تأسيس جيشنا الباسل بعقد اجتماع لعدد من الضباط العراقيين يوم الخميس 6 كانون الثاني 1921 في بيت عبد القادر الخضيري لفتح دوائر المقر العام للجيش العراقي .
مستشار بريطاني
ورأس الاجتماع الفريق جعفر العسكري وزير الدفاع في الحكومة العراقية المؤقتة ومعه الميجر أيدي المستشار البريطاني للوزارة ووكيل القائد (الرائد) محي الدين عمر الخيال واثنا عشر ضابطا عراقيا ودارت في الاجتماع مداولات تناولت العديد من القضايا منها تثبيت الزي العسكري للضباط والجنود والرتب وشارات الصنوف والملاكات والرواتب وواجه المجتمعون صعوبة في اللغة في تسمية الرتب والمصطلحات العسكرية باللغة العربية فجميع الضباط كانوا يستخدمون المصطلحات التركية بيد ان وجود بعض الضباط العراقيين الملمين بالعربية الفصحى ساعد في التغلب على تلك المصاعب وبدؤوا باستعمال المصطلحات العربية التي تعلموها في الجيش الحجازي وتقرر في الاجتماع تأليف المقر العام للجيش من أربع دوائر هي الحركات والإدارة واللوازم والطبابة والمحاسبة ووزع الضباط الحاضرون في ثلاث دوائر ما عدا الطبابة فلم يكن بين الحضور ضابط طبيب (التحق لاحقا في 25 شباط 1921 القائم مقام العقيد الطبيب أمين المعلوف وهو ضابط لبناني ) وبذلك أصبح يوم السادس من كانون الثاني يوماً خالداً في تاريخ العراق الحديث , وبعد شروع ضباط المقر العام بواجباتهم ظهرت الحاجة الى تعيين ضابط لرئاسة أركان الجيش وبعد مشاورات بين وزير الدفاع والمندوب السامي البريطاني رشح لهذا المنصب نوري السعيد , وفي أواخر نيسان 1921 كان ديوان وزارة الدفاع والمقر العام الذي سمي الأركان الحربية يتألف من :
وزير الدفاع
مرافق الوزير
مساعد (سكرتير) عسكري رئيس الأركان الحربية ومرافق رئيس الأركان ضابط الأركان الحربية درجة أولى عمليات ضابط الأركان الحربية درجة ثانية عمليات عدد (2 ) ضابط الأركان الحربية درجة ثالثة عمليات ضابـــــــــــــــط الأركان الحــــــــــربية درجة ثالثــــــــــــــة استــــــخبارات مســـــــــــــــــــــــــــاعد رئـــــــــــــــيس الإدارة ورئيــــــــــس اللوازم العام نائب مساعد رئيس الإدارة العامة ومعه عدد من ضباط الإدارة والكتبة نائب مساعد رئيس اللوازم العام ومعه عدد من الضباط والكتبة ضابط المستودعات (العينة) مساعد رئيس القسم القضائي رئيس الطبابة _ ضابط الركائب _ السكرتير المالي (دائرة المحاسبة) المفتش العمومي للجيش ومعه عدد من المستشارين البريطانيين وقد استعملت المصطلحات الآتية لرتب الضباط في مدة الحكومة المؤقتة ملازم ثانِ , ملازم أول,رئيس ,وكيل قائد ,قائد, قائم مقام ,زعيم ,أمير لواء , فريق .
وحدات عسكرية
واستمر استعمال هذه التسميات للرتب والمناصب حتى كانون الأول 1921 ,لقد اخذ المقر العام على عاتقه منذ أيامه الأولى في كانون الثاني 1921وضع قائمة بالوحدات العسكرية الواجب تأليفها على ضوء المهمات التي من اجلها تم تأسيس الجيش ثم وضع تفاصيل الملاكات لتلك الوحدات فيما يخص الأشخاص والأسلحة والتجهيزات وقد عرض ذلك وزير الدفاع عند اشتراكه في مؤتمر القاهرة في آذار 1921 فحصل على موافقة الحكومة البريطانية لأنها المنتدبة على العراق لتأليف الوحدات العسكرية الأولى بعد إلحاق الضباط والجنود وتدريبهم وفتح الدوائر والخدمات الضرورية ثم البدء بتأليف الوحدات تدريجيا وصاحب ذلك تعيين الضباط المستشارين البريطانيين للإشراف على خطوات تشكيل الجيش وتم الاتفاق على تشكيل الجيش الوطني العراقي بسرعة وان يتألف من (24 ) فوج مــشاة و( 6 ) كتائب خيالة و(6 ) بطريات مدفعية و( 6 ) سرايا رشاشات متوسطة ووحدات فنية وإدارية ومخابرة . إعداد الضباط وتدريبـــــــــــــهم كانت أول محاولة لتدريب الضباط وإعدادهم تلك التي جرت بعد زيادة عدد الضابط الملتحقين في الجيش الى عشرين ضابطاً طلب إليهم الحضور يوميا في وزارة الدفاع وخصص لهم مكان للتجمع الأمر.
الذي دفع المسؤولين الى جعل هذا التجمع بمثابة صف دراسي ومما ساعد في تحقيق ذلك وجود بعض الضباط من ذوي الثقافة العسكرية الذين اشتغلوا في المدارس العسكرية العثمانية أو من الذين تدربوا في المدارس الألمانية أو من ضباط الركن فحاضر هؤلاء لزملائهم محاضرات في التعبية والتاريخ العسكري وبتزايد عدد الضباط العراقيين بعد عودتهم من سوريا في آذار 1921 تم القرار على تدريبهم على الأساليب البريطانية بإشراف هيئة تدريب بريطانية وضباط عراقيون وبدأ تدريب الضباط في 21 نيسان 1921 وقد التحق الفريق جعفر العسكري بهذا الصف وتدرب مع الضباط وتطور هذا التجمع (الصف ) الى مؤسسة سميت باسم المدرسة العسكرية العراقية وهي غير الكلية العسكرية الحالية التي فتحت باسم المدرسة العسكرية الملكية في 12 أيار 1924 .
المدرسة العسكرية العراقية صدر الأمر بافتتاح المدرسة العسكرية العراقية في 9 أيار 1921 في الثكنة الشمالية (ثكنة الخيالة) وكان الهدف منها تدريب (250) ضابطاً عراقياً ممن سبق لهم الخدمة في الجيش العثماني لتعليمهم الأساليب البريطانية وكانت مدة الدورة ثلاثة أشهر للقادة وستة أشهر للأعوان وكان ملاك المدرسة يتألف من قسمين الأول بريطاني يضم أربعة ضباط وعدد من ضباط الصف البريطانيين والثاني عراقي يضم آمر المدرسة وضابط الإعاشة والرواتب وأربعة معلمين عراقيين . فتح دوائر التجنيد وإعداد الجنود أقر مجلس الوزراء في 26 أيار 1921 قانون التطوع المؤقت للجيش العراقي الذي عرضته وزارة الدفاع على ان ينفذ في 1 حزيران 1921 وقد أجاز القانون لكل عراقي يتراوح عمره من 18 سنة الى 40 سنة ان يتطوع في الجيش العراقي وحددت مدة الخدمة بسنتين لصنف المشاة وثلاث سنوات للصنوف الراكبة وفي حزيران 1921 فتح مقر التجنيد في بغداد ومقرات التجنيد الألوية العراقية الأخرى
بدء التسليح والتجهيز اعتمد الجيش العراقي منذ بداية تأسيسه على الجيش البريطاني في تسليحه وتجهيزه وتم سد القسم الأكبر من لوازمه من أسلحه ومدخرات حربية وعتاد وتجهيزات وملابس وأدوات طبية بشرائها من الجيش البريطاني بأسعار مخفضة وهي من المستعملة في الجيش البريطاني منها البندقية لي أنفليد عيار303, 0 عقدة ورشاشات لويس وهوجكس وفيكرس وتم سد حاجة الجيش من هذه الأسلحة كما تم الحصول على كميات من السيوف والحراب والرماح لجميع الوحدات وجرى شراء الحيوانات الزائدة من الجيش البريطاني وتم شراء الجياد وبغال العينة وبغال الحمل والنقل , وجابهت المسؤولين مشكلة الملابس والزي الذي ينبغي القرار عليه ولم يكن لهم من خيار الا الأخذ بزي الضباط والجنود البريطانيين مع إجراء بعض التغييرات للباس الرأس والرتب والعلامات واتخذت الخوذة الفلينية وهي مزيج من الخوذة البريطانية المستخدمة في المناطق الحارة والخوذة العربية القديمة وزودت بمضلة وعقال عربي كما استخدمت الفيصلية (السدارة) أيضاً . تشكيل الأفواج في 28 تموز 1921 تم تشكيل أول فوج مشاة سمي فوج المشاة الأول (فوج موسى الكاظم) واسكن في الثكنة الشمالية ببغداد وعين العقيد أمين عبد الغفور آمراً له ولصغر هذه الثكنة فقد استأجرت وزارة الدفاع خان الكابولي في الكاظمية لإسكانه وكان تنظيم الفوج يتألف من مقر وأربعة (ارهاط )سرايا ويتألف المقر من آمر ومعاون وملحق (مساعد) وضابط إعاشة ورواتب وكاتب وإمام وترجمان أما (الرهط) السرية فتتألف من آمر ووكيل (معاون) وأربعة فصائل ,وفي 10 آب 1921 تم تشكيل الفوج الثاني في الثكنة الشمالية بنفس تنظيم الفوج الأول وعين المقدم محمود سامي الاورفلي آمرا له. ومع مرور السنين بدا الجيش العراقي يتطور تدريباً وإعداداً وتسليحا وتجهيزاً ليلبي المهام الموكلة إليه ورغم ان البريطانيين كانوا حريصون على إبعاد الجيش عن إدراك الأهداف الوطنية والقومية والاجتماعية للشعب وعلى إبعاده عن النضال من اجلها لكن جيشنا الباسل أبى إلا ان يكون جيشا وطنيا وليشارك أبناء شعبه في كل انتفاضاتهم ضد الاستعمار البريطاني حتى تمكن من إنهاء التبعية لبريطانيا في ثورة 14 تموز 1958 وبعد الاستقلال الكامل للعراق بدأت مراحل جديدة ومهمة لتطوير الجيش العراقي وذلك بتسليحه بأسلحة حديثة وتجهيزه بمعدات ودبابات ومدرعات جديدة ومتطورة مع تشكيل صنوف وخدمات جديدة وتطوير قواته البرية والجوية والبحرية رافق ذلك زيادة رواتب منتسبي الجيش كافة واستمر الاهتمام بالجيش وتطويره وزيادة قواته والاهتمام بتدريبه وإعداده الإعداد الجيد من قبل أغلب الحكومات التي تعاقبت على العراق حتى أصبح من الجيوش المتطورة على المستوى العربي ومنطقة الشرق الأوسط ,فهنيئا لجيشنا الباسل في عيد تأسيسه الأغر والرحمة والغفران لكل شهداء جيشنا الأبطال الأبرار.