نقطة ضوء
إنهم يقتلون الرحمة
محمد صاحب سلطان
حوار صامت، تسيده العجب والإندهاش، اشتركت فيه حركات العيون، وإيماءات الجسد للوهلة الإولى، دار بيني و بين مجموعة من المراجعين داخل عيادة أحد الأطباء ببغداد، مستغربين من ضخامة مبلغ المراجعة التي تطلبها السكرتيرة قبل الفحص (كشفية وإيكو وتخطيط) بمحصلة مائة ألف دينار، وإلا فلن تصافح العيون اطلالة الطبيب!،كمرحلة أولى، وعند الفحص الاولي، يطلب سعادته اكرمه الله، لاحقا (فحص جهد) داخل عيادته (مئة الف) ايضا، وفحص دم تراكمي في المختبر (خمسون الف)، وبذا تكون مبالغ المراجعة الأولى، ربع مليون دينار، تدفع عدا ونقدا، قبل كتابة (وصفة) الدواء!، وتخرج وأنت مصدوم، ويتيه بصرك ما بين ما استلب منك وبين جدران العيادة المعبأة بصور الطبيب وشهاداته ورحلاته، والمؤتمرات التي شارك بها!، فضلا عن لافتات الشكر والعرفان التي (اهداها) له المواطنين ممن (أنقذ) حياتهم، بعضها محاك كالحصران والآخر منسوج كالزوالي وبعضها مؤطر بآيات وحكم وأشعار من باب الدعاية والانبهار بجنابه!.
هذا إنموذج بسيط للعديد من العيادات المشابهة، بعد أن تحول الطب لدا البعض من مهنة إنسانية الى تجارة، فالربع مليون الأولى تتبعها أخرى عند الصيدليات التي تعود ملكيتها أو بالشراكة الى ذات (التاجر)، حتى إن بعضهم قد افتتح له جناح خاص متعدد الغرف أو الطوابق فيه كل مستلزمات عدة الشغل للكشف والجراحة، باتت كمستشفيات بحجم الكف إن جاز التشبيه، ولكنها عيادات!، يتواجد فيها التاجر الطبيب صباحاً ومساءا وحتى منتصف الليل إن اقتضى الأمر، وهو سعيد باكتضاض المراجعين الذين يراهم بكاميراته الموزعة في صالة الانتظار!.. بيد أن بعضهم، إفتتح له أكثر من عيادة وفي أماكن متفرقة، يقسم فيها ايام اسبوعه، وغالبية أولئك من الاعمار الشبابية ،فمتى يطالع ويتابع ما يستجد في العلوم الطبية وهم في سن الخدمة العامة ولديهم إلتزامات وظيفية في المستشفيات الحكومية!.
أما المستشفيات الخاصة، فحدث ولا حرج، فإن أصاب المواطن الغلبان مكروه لاسمح الله، وأضطر للنزول عندهم فتلك هي المصيبة المالية التي تقع فوق رأسه وعائلته، إذا ما علمنا إن مناخ العراق يساعد على كثرة الأمراض صيفا وشتاءا، وتشد من أزره الكهرباء التي باتت لندرتها ترى كهلال العيد!، ناهيك عن المستشفيات الحكومية وتعقيداتها والفوضى التي تدب فيها واولها طريقة التعامل مع المرضى ومرافقيهم والنقص الحاد في الكثير من مستلزماتها، حتى أضحت بيئة طاردة لصالح المستشفيات الخاصة وممر خلفي لها، بعد أن أظهر بعض الأطباء فيها، وجوها غير الوجوه التي نراها بعياداتهم الخاصة ،هنا غلظة ولا أبالية وهنالك رقة واهتمام!.
ختاما، دعوة مخلصة لوزارة الصحة ولنقابات الأطباء والصيادلة وكل من له علاقة بصحة الناس، أن يمارسوا أدوارهم في المعالجة، فلقد طفح الكيل، وكثرت الشكوى من تلك النماذج التي غيرت جلدها الانساني وأرتدت دروع الجشع لمهنة جوهرها الرحمة ولاغير!..