أنهم يقتلونك
فيصل عبد الحسن
أنهم يقتلونك بالكلمة، بنظرة العين المستهزئة، بقتل الأمل داخلك، بقطعهم أسباب التواصل بينك وبين الناس الذين أحببتهم، اختلفت طرق القتل وتطورت، فكل شيء في الحياة يتقدم، فلماذا لا تتقدم وسائل القتل أيضاً، وتصير أكثر فتكاً، ولا يستطيع إلا أهل العلم كشفها، ومعرفة طرائقهم في القتل (من قال لا !! قتلناه بالسيف ومن صمت مات بدائه) أنهم يقتلونك كل يوم عضواً عضواً بالماء الملوث وبالشد العصبي وأنت تسفح عرقا في صيف العراق اللاهب والكهرباء مقطوعة؛ كل المحاولات متاحة لديهم و بالتدريج الممل يقتلونك حتى يقضون عليك بالسكتة!! نعم صار القتل بسماع شكواك عبر وسائل التواصل متلذذين بما أصابك من حيف وظلم دون أن ينبسوا بكلمة مواساة أو ينصفونك، أنه زمان جديد؛ فقد اتقنوا فيه قواعد القتل بالوعد الكاذب، وبترك النفايات حول دارك، بتأخير راتبك الذي لا تملك غيره لتعتاش منه، يقتلونك بطلب الرشوة منك عند تسجيل طفلك في مدرسة حكومية، أو عند نقله إلى مدرسة أخرى، يقتلونك بالدواء المغشوش والطعام المستورد المنتهي الصلاحية، فتبلعه وأنت تعرف عدم صلاحيته غصبا فلا يوجد غيره، فللفقر سلطان والجوع كافر.. تعددت أسباب الموت في بلادك وبقي القتل وسيلة وطريقة سريعة ومهذبة للموت المجاني في بلاد الخيرات والنفوط التي تعوم بيوتاتكم فوقها. نعم وسائل القتل تعددت وتنوعت وصارت أكثر من طلقة كاتم صوت، أو لصقة تفجير تلصق بأسفل مقعد دراجتك الهوائية المتهالكة أو جهاز هاتفك الذي ينفجر في وجهك حين تتصل بك أمك، لتطمئن عليك، فيصير صوتها الحنون الأنشوطة التي ستلقي بك إلى حتفك مهشم الوجه والكفين !! أبتكروا العديد من وسائل القتل، أنهم يقتلونك عند أبواب المستشفيات لأنك لا تملك ثمن الدواء الذي وصفه لك طبيبهم. يقتلونك حين تجد طلبك الذي قدمته للحصول على عمل أي عمل في صفيحة النفايات، و تصاب بالسكتة الدماغيةحين تجد من يمثلك في البرلمان إبن شوارع تعرفه وأحد الذين حرموك من أن تنال لقمة عيش كريمة أو فرصة حياة من الدرجة العاشرة، أصمد يا صاحبي في بلدك حتى تجرب آخر تقليعات القتل، ولا تهتم بمصير من سبقك، فقد قتلوه عدة مرات من قبل وحتى قبل أن تولد، فهذه بلادنا، فإن لم تجد من تقتله غيرنا لتبكي عليه بعد أن تغسله وتكفنه وتشيعه؛ وتضع على شاهدة قبره تسمية شهيد.
فرصة الموت المبكر في بلادنا متوفرة للجميع، بلا ثمن أنها متيسرة وبسيطة وغاية في الروعة!! فالموت بوسائلهم توفر حصة نفط لسرقاتهم فلا يطالب بها من هو في القبر، وهي قادمة لا محالة عما قريب، فهذه البلاد لم تعد بلاداً للأحياء بل استحكم فيها مجموعة قتلة، وأخذوا يوزعون لأولادهم وأتباعهم الأدوار لقتلك وقتل غيرك، فهم منذ جاءوا يوزعون لأمثالك تعليمات الموت الرحيم خلال أربع وعشرين ساعة بلا ألام ولا شهود ولا قضاة، وبتوجيهات رشيدة من أهل الأمر المكلفين بشؤون الآخرة عن أقصر الطرق لبلوغ الجنة بلا حساب ولا كتاب، فاستعد للموت الرحيم فكلنا لها!! وعندما يقتلون أحدا في ظلام الليل؛ فهم في الصباح سيقولون من قتل هذا القتيل ؟!!
□ كاتب مقيم بالمغرب