قامات عراقية خالدة
كوركيس عواد .. حارس المخطوطات العربية والاسلامية
صلاح عبد الرزاق
الأسرة والنشأة
ولد كوركيس عواد (١٩٠٨- ١٩٩٢) لأسرة مسيحية في الموصل من عائلة آل عواد ، وهي إحدى العوائل التي هاجرت إلى بغداد. والده حنا نجاراً برع في صناعة العود وكذلك آلة القانون حتى أصبح مشهوراً في العراق والعالم ، وبات اقتناء العود الموصلي مثاراً للفخر نظراً لما فيه من مواصفات. وهو شقيق الباحث والمؤرخ ميخائيل عواد.
ولد كوركيس في ناحية القوش بمحافظة نينوى سنة 1908 ، هذه الناحية التي دخلت التاريخ من أبواب عديدة منها ما تشتهر به من أديرة كدير الربان هرمز، ومنها ما يتصل بطبيعة أهليها الجبلية. وقد تحدث كوركيس عواد لمجلة التضامن في عددها الصادر في 18 شباط 1984 عن دراسته وذكرياته في الموصل مطلع القرن الماضي فقال: « كانت مدينة الموصل محدودة النظافة لا إنارة.. لا اسالة للماء كان السقاؤون يحملون قراب الماء من نهر دجلة ويأتون بها إلى البيوت.. كنا نعتمد في الإضاءة على الفوانيس والشموع وبهذا كنا نفضل ونحن صغار على الدراسة نهارا وعدم تأجيل الواجبات المدرسية إلى الليل حيث نضطر للقراءة على ضوء الشمعة والفانوس... «وأضاف: (كانت المدارس تعد على أصابع اليد... الطلاب قليلون الطرق غير معبدة والكتب غير متوفرة كانت الأمية هي الغالبة بحيث أن الرسالة التي كان يستلمها احدهم تطوف سبع أحياء سكنية من اجل العثور على من يستطيع قراءتها ، لكن الوضع تبدل بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى1918 ، وعرفت المدن طعم المدارس، وازداد الطلاب والمعلمين وكان الطالب الذي يتسنى له إنهاء الدراسة الثانوية يعين في الحال معلما ويصبح عندئذ موظفا مرموقا في الدولة).قدم كوركيس إلى بغداد عام ١٩٣٥ ، فقد ذكر أنه في تلك السنة قدمن من الموصل إلى بغداد وزار الأب أنستاس ماري الكرملي (١٨٦٦- ١٩٤٧) في صومعته في دير الآباء الكرمليين. ثم جاء إلى بغداد في أواخر سنة ١٩٣٦ فاتخذها سكناً له.
الدراسة والوظائف
تلقى كوركيس تعليمه في الموصل ثم دخل دار المعلمين الابتدائية في بغداد وتخرج منها عام ١٩٢٦. أصبح كوركيس عواد معلما بعد تخرجه وعين في بعشيقة المشهورة بزيتونها ، وأمضى معلماً في مدارس الموصل لمدة عشر سنوات . لكن الأستاذ ساطع الحصري مدير المعارف العام أراده أن ينتقل إلى دائرة الآثار بعد أن وجد بان له اهتمامات اثارية. في عام ١٩٣٦ عُيّن أميناً لمكتبة المتحف العراقي ، وبقي في وظيفته هذه حتى أحيل على التقاعد عام ١٩٦٣ بناء على طلبه.
تسلم مكتبة المتحف وفيها (804) مجلدات، وتركها ورصيدها ستون ألف مجلد. واشتغل في الأمانة العامة لمكتبة الجامعة المستنصرية 1964-1973..اجتاز دورة مكتبية في جامعة شيكاغو عام 1950 وفي أواخر عهده بالوظيفة تولى إدارة مكتبة الجامعة المستنصرية، وكانت قفراء وحينما تركها ناهزت محتوياتها مائة ألف مجلد ,
يعد الباحث كوركيس عواد ، من قلة قليلة اهتموا بعِلْمين قد لا يتأتيان إلا لمن وُهِب مزية المصاولة والمطاولة والتنقيب والتنقير في بطون المصنفات والمظان، وحمل الجذاذة في الجيب حتى لا تكاد تفارقه، كي لا تشرد واردة، ولا تذهب عن الخاطر شاردة، والإنسان نسّاء جُبِل على السهو والنسيان، وثمة من اللغويين من ينسبون الإنسان إلى النسيان، فكوركيس عواد من قلة اهتموا بعلم الفهرسة، ولعله كان رائداً من روادها في الزمن العراقي الحديث، ليتوالى رهط المفهرسين الأفذاذ، وفي الذاكرة الراحل صباح نوري المرزوك، وحاتم صالح الضامن، وحسن عريبي الخالدي، الذي يعكف على إنجاز مصنف العمر.وكان إلى جانب الفهرسة، اهتمام بالتحقيق؛ تحقيق المخطوطات، وذلك لَعَمْري جهد تنوء به العصبةُ أولو الأيْد والقوة، وإذ كُنتُ أصف هلال ناجي- رحمه الله- برأس مدرسة تحقيق المخطوطات في العراق، لما حقق واستدرك وعقب وصوّب، ولاسيما ما كان ينشره في مجلة «الكتاب» لسان حال اتحاد المؤلفين والكتاب العراقيين، حتى إلغاء الاتحاد وغلق مجلته سنة 1975 وقد كان إلى جانب الشاعر هلال ناجي رعيل رائع في علم تحقيق المخطوطات، الذي أخذناه عن المستشرقين، فلهم الفضل الأوفى في النشر الأول لمخطوطاتنا التي ظلت ثاوية في مكتباتهم، ولهم الفضل في تمهيد السبيل إلى معرفة هذا العلم، الذي يحتاج إلى أناة وصبر، لتنتج هذه المدرسة العراقية رهطا مُجيدا من أساطين المحققين: مصطفى جواد، علي جواد الطاهر، يحيى الجبوري، ومحمد عبد الجبارالمعيبد، وحاتم صالح الضامن، ومهدي المخزومي، وإبراهيم السامرائي، وأحمد مطلوب، وعقيلته خديجة عبد الرازق الحديثي، ونوري حمودي علي القيسي، ومكي السيد جاسم، ومحسن غياض عجيل، وعبود الشالجي…قُلتُ: لقد اهتم الباحث كوركيس عواد بالفهرسة وتحقيق المخطوطات، فضلاً عن كتابة المقالات والدراسات، التي أخذت مكانها اللائق بها في المجلات المتخصصة، إنه يرغب في النشر بالمجلات، مع أنه نشر في الصحف ولاسيما «البلاد» لصاحبها ومنشئها روفائيل بطي، وأرى أن السبب في ذلك، يعود إلى أن المجلة أكثر بقاء وديمومة من الصحيفة اليومية، التي لا تمكث في الباصرة سوى سويعات قليلات، إن المجلة تبقى مثل بقاء الكتاب، في حين عرف عن المصريين رغبتهم بالنشر في الصحف اليومية، لكثرة قرائها، وكثرة عدد المطبوع منها. فنشرت له مجلات «سومر» و«الرسالة» و«المقتطف» و«الرابطة الأدبية» في النجف و«المجمع العلمي العربي» في دمشق، و«المجمع العلمي العراقي»، فضلاً عن مجلة «المورد» التراثية الفصلية، نُشِرَت دراساتُه التي نافت على المئتين وخمسين، أحصاها حميد المطبعي- رحمه الله- في مقابلته الطويلة مع كوركيس عواد، التي نشرها أولاً في جريدة «الثورة» ثم أعاد نشرها في كتاب عنوانه «كوركيس عواد» صدر عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد سنة 1987، ضمن سلسلة (موسوعة المفكرين والأدباء العراقيين)، وهي دراساته التي نشرها منذ سنة 1931، وحتى سنة 1984 تاريخ المقابلة المجراة مع كوركيس عواد.
كتب الراحل
نذر كوركيس عواد نفسه وحياته ووقته للكتابة والكتاب، لذا حقق ونشر أربعة وسبعين كتاباً على مدى نصف قرن من الزمان بدءا بسنة 1934، وصولاً إلى سنة 1984، أولها (أثر قديم في العراق. دير الربان هرمزد جوار الموصل) طبع في مطبعة النجم في الموصل سنة 1934، وآخرها كتاب (فهارس المخطوطات العربية في العالم) ويقع في مجلدين، طُبعا في دولة الكويت سنة 1984، في نحو تسع مئة صفحة، وله أحد عشر كتاباً، لم يتيسر له طبعها، أولها (ذكريات ومشاهدات) وآخرها (بغداد في مؤلفات الجغرافيين العرب القدماء). لقد نذر نفسه للكتاب، وشُغل به عن سفساف الحياة وبهرجها الزائل، إذ لن تبقى وراء الإنسان سوى ذكراه، وما خطت يداه، وما خطته يدا كوركيس عواد، وفير ونافع ورصين، لقد كان من الممكن لولا بذرة الخلود الكامنة في نفس كوركيس عواد؛ لقد كان من الممكن أن يُمضي سنوات العمر معلما في قرية القوش، أو في بعشيقة، ويطوي الردى ذكره كما طوى ذكر الملايين، لكن الشاب الموهوب الناذر نفسه للبحث، أخذ طريقه نحو الذيوع والخلود.
اتجه نحو الترجمة والتحقيق وأحب الجغرافية واشترك بالمجلات العالمية وبدا رحلة الكتابة والنشر سنة 1931 عندما أرسل مقالة إلى مجلة النجم (الموصلية) التي كان يصدرها المطران سليمان الصائغ مؤلف كتاب تاريخ الموصل الذي يقع في 3 أجزاء وبعد فترة وجد مقالته منشورة وكان فرحه ليوصف، فازدادت ثقته بنفسه وانصرف إلى الكتابة.
كان كوركيس عواد عضوا في عدة مجامع علمية منها المجمع العلمي العراقي، ومجمع اللغة العربية بدمشق ومجمع اللغة العربية بعمان –الأردن ومجمع اللغة في الهند.
المناصب
- ١٩٢٦ – ١٩٣٦ عمل في مجال التعليم.
- ١٩٣٦ – ١٩٦٣ عمل أميناً لمكتبة المتحف الوطني في بغداد إلى تقاعده
- ١٩٤٧ انتخب عضواً مراسلاً في مجمع اللغة العربية في دمشق.
- ١٩٤٨ ترأس تحرير (مجلة سومر) الصادرة عن مديرية الآثار العراقية.
- ١٩٥٠ عُين أميناً لمكتبة الجامعة المستنصرية. وقد أهدى مكتبته الشخصية الكبيرة وفيها من الكتب ما يتجاوز (١٢) ألف كتاب ومصدر ، والتي انتقلت لتشكل نواة مكتبة الجامعة المستنصرية،
- ١٩٦٣ انتُخب عضواً عاملاً في المجمع العلمي العراقي.
- ١٩٨٠ عُين عضواً مؤازراً في مجمع اللغة العربية الأردني، وعضواً في المجمع العلمي الهندي في نيودلهي.
زياراته العلمية
في عام ١٩٥٠ تلقى كوركيس عواد دعوة من هيئة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة لزيارة الولايات المتحدة ، وعلى نقتها لمدة ستة أشهر. بدأت رحلته من بغداد في ٢٣ حزيران ١٩٥٠ وانتهت في ٣١ كانون الأول ١٩٥٠. أمضى منها خمسة أشهر في أمريكا ، بينما أمضى الشهر الأخير في جولة شملت بريطانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا. وكان يشغل آنذاك منصب أمين مكتبة المتحف العراقي.
يقول كوركيس عن هدف تلك الرحلة: (كان الغرض من إيفادي ، الوقوف على (دور الكتب) في ديار الغرب ، والاطلاع على أحدث النظم والأساليب المتبعة فيها ؛ لتطبيق ما يمكن تطبيقه منها في بلادنا ، والأخذ بما يحسن أخذه منها للمكتبات في العراق).
في شيكاغو استعان بالبروفسور كارنوفسكي Prof. Leon Carnovsky أحد أساتذة فن المكتبات في جامعة شيكاغو ، والمستر هملن Arthur T. Hamlin السكرتير الإداري لجمعية المكتبات الأميركية Association of College and Reference Libraries .
زار كوركيس احدى عشرة ولاية أميركية ، ومكث في مدن كثيرة وهي: شيكاغو ، كليفلاند ، ديترويت ، أن أربر ، نياغرا ، واشنطن ، بالتيمور ، فيلادلفيا ، برنستون ، نيويورك ، ويست نيويورك ، نيوهافن ، هرتفرد ، كمبردج ، بوسطن.
أما البلدان الأوربية التي زارها فهي: غلاسكو ، لندن ، أكسفورد ، كمبردج ، أمستردام ، باريس ، نيس ، روما.
وقد التقى في رحلته بالعديد من الباحثين الأكاديميين والمستشرقين والآثاريين والمهتمين بالحضارات القديمة مثل كون C. S. Coon ، سبايزر E. A. Speiser ، كوتزه A. Goetze ، وستيل F. R. Steele ، ريني F. G. Rainey ، كريمر S. N. Kramer ، كريلنك C. H. Kraeling .
وبعضهم مهتم بالبلدان العربية والبحوث الإسلامية واللغات السامية مثل فيليب حتي Philip K. Hitti ، كرنباوم G. E. von Grunebanm ، واتنكهاوزن R. Ettingshausen ، الأب سكيهن Rev. Patrick W. Skehan ، كلفرلي Edwin E. Calverley، ألفونس جميل شوريز A. Chaurize ، روزنتال F. Rosenthal ، أوكدن Robert F. Ogden ، مجيد خدوري M. Khadduri ، نيكل A. R. Nykl ، فراي R. N. Frye ، مندلسون L. Mendelsohn ، فلورنس داي Florence E. Day ، وكليدن H. W. Glidden ، أوبرمان J. Obermann ، ماثيوس R. D. Matthews ، وكل هؤلاء من أميركا.
أما الأوربيون فقد التقى كوركيس في بريطانيا كل من: فريتز كرنكوKrenkow Fritz، فولتون A. S. Fulton ، بيستن A. F. L. Beeston .
وفي فرنسا التقى بكل من : لويس ماسينيون Louis Massignon ، حبيب زيات Habib Zayat ، متى عقراوي Matti Akrawi ، ماسيه H. Masse ، دافيد وايل J. David Weill .
ودارت بين كوركيس وبين كل هؤلاء أحادث وحوارات تتعلق بشؤون المطبوعات والمخطوطات العربية ، ووضع الثقافة في ديار الشرق ، قضايا أخرى تتعلق بالتاريخ والآثار.
زيارة المكتبات الغربية
قام كوركيس بجولة ميدانية زار فيها كل القري والمدن التي وصلها ، وقام بزيارة معالمها ومكتباتها ، ثم وضع جداول لكل منطقة تضم اسم القرية وعدد نفوسها ( التي بحدود الألف نسمة) وعدد الكتب في مكتبتها التي يتجاوز العشرة آلاف كتاب.
يذكر كوركيس مدينة كبيرة مثل كليفلاند التي يبلغ عدد نفوسها (٩٠٠،٠٠٠) نسمة وهي تقدر مرة ونصف عدد سكان بغداد في عام ١٩٥٠. ثم يذكر مكتبات بغداد بالاسم وعدد الكتب الموجودة في كل منها ، فيبداً بمكتبة المتحف العراقي التي تضم (٢٦٥١٦) كتاباً ، ثم يذكر مكتبات الكليات العلمية والأوقاف والإمام الصادق (ع) والجوادين العامة في الكاظمية ، ثم يعرج على مكتبة المعهد الثقافي البريطاني ومكتبة العلاقات الأمريكية. ثم يذكر مجموع الكتب في كل هذه المكتبات وهو (١٣٩٩١٩ ) ، ويذكر عدد الكتب لكل شخص من السكان ، فيكون ربع كتاب لكل فرد في بغداد. أما في كليفلاند فهو ٤،٣٣ كتاب لكل فرد. فالنسبة بين البلدين تساوى ١ : ١٧ ، هذا إلى كون مدينة بغداد أعظم مراكز العلم في العراق.
ويحلل كوركيس هذا التفاوت بين كليفلاند وبغداد فيذكر الأسباب الأتية:
١-انعدام الأمية في ذلك البلد (أمريكا) وغلبتها في هذا (بغداد)
٢- القابليات والإمكانات المادية الواسعة المدى هناك. فهي مما يعين على الإكثار من الكتب واقتنائها بأي ثمن كان.
٣- تقدير القائمين بأمور البلد هناك للكتب ، واستيقانهم مما تؤتيه المطالعة من ثمار شهية لمختلف طبقات الشعب. فهم يعدون الكتب غذاءً أساسياً لا يستغني عنه البتة مهما تكن الحال. وأني لأذكر أن الجهات المختصة عندنا اتخذت قراراً قبل سنتين يقضي بإيقاف شراء الكتب للمكتبات ، توفيراً للنفقات.
٤- عدم وضع خطة ثابتة لتوسع المكتبات والنهوض بها في بلادنا، فالارتجال هو السائد عندنا.
المجموعات الشرقية في المكتبات الأمريكية
من خلال زياراته للمكتبات الجامعية في أمريكا يشير كوركيس عواد إلى وجود مجموعات كبيرة من المصادر الشرقية الرصينة التي يعتمد عليها باحثون وطلاب وأساتذة ومستشرقون في جامعات بنسلفانيا وشيكاغو وبرنستون وييل ومشيغان وغيرها. ويلاحظ أن الذين يكتبون في الشؤون السومرية والبابلية والآشورية والمصرية القديمة والعبرية والقبطية والحبشية أنهم استعانوا بتلك المصادر.
وأما البحوث العربية والإسلامية فقد وجدت اهتماماً كبيراً بها. ولذلك تحرص تلك المكتبات على اقتناء الكتب والمطبوعات الصادرة في الدول العربية والإسلامية. وكذلك اقتناء ما ينشره المستشرقون من مؤلفات عربية قديمة في البلدان الغربية . كما تصدر في أمريكا مجلات علمية تهتم بالدراسات الشرقية . وتقوم المطابع الأمريكية بطباعة الكتب العربية القديمة بعد تحقيقها من قبل المستشرقين والباحثين. ويذكر كوركيس أسماء بعض الكتب العربية المطبوعة وهي عديدة.
تختزن المكتبات الأمريكية مجموعة ضخمة من المخطوطات الإسلامية ، وتوليها عناية فائقة. ويقدر عددها بعشرين ألف مخطوطة في ذلك الوقت (١٩٥٠). ويعود الحصول على تلك المخطوطات هو عملية الشراء من بلدان العالم الإسلامي. وقد قام كوركيس بإعداد ببليوغرافيا للمخطوطات في كتاب سماه (المخطوطات العربية في دور الكتب الأميركية).
لقد زار كوركيس مكتبة الكونغرس وفيها ١١ مليون مخطوطة إضافة إلى الخرائط واللوحات ، المجلات والصحف . ويبلغ عدد المخطوطات العربية (١٥٤٩) مخطوطاً ، الفارسية (٨٣) والتركية العثمانية (١٤). ومن بين المخطوطات التي وجدها كوركيس هو كتاب (نهج البلاغة) للشريف الرضي مخطوط عام ( ١٠٩٠ هجرية) ، وكتب (عجائب المخلوقات) للقزويني مخطوط عام ( ٩٦٠ هجرية).
وتحدث عن تاريخ المكتبة وأقسامها والوثائق النادرة وأوائل الكتب المطبوعة.
تتبع المخطوطات العربية في العالم
بهدف تقديم إحصاء للمخطوطات العربية القديمة المنتشرة في خزائن الكتب قي العالم قام كوركيس عواد بتأليف كتاب (أقدم المخطوطات العربية في مكتبات العالم ، المكتوبة منذ صدر الإسلام حتى سنة ٥٠٠ هـ / ١١٠٦ م) ، نشره عام ١٩٨٢ .
في مقدمة الكتاب يقدّر كوركيس عدد المخطوطات الموجودة في بلدان العالم بأربعة ملايين مخطوطة عربية. ولا ريب أن انتشارها بهذا الاتساع الهائل دليل على نفاسة هذا التراث العربي الذي هو في الوقع تراث الإنسانية قاطبة ، ينهل منه علماء الأرض ، ألواناً من العلم والأدب والفن. وهذه مزية يندر أن نجدها في كثير من مخلفات الأمم الأخرى.
ويضيف كوركيس: (حاولنا في هذا الكتاب أن ننوه بأقدم المخطوطات العربية التي سلمت من الضياع ، واستقرت في كثير من مكتبات آسيا وأفريقيا وأوروبا وأميركا الشمالية. ونعني بلفظة (أقدم) ما كُتب منها خلال القرون الخمسة الأولى للهجرة ، أو بتعبير آخر ، ما كُتب منها منذ صدر الإسلام حتى سنة ٥٠٠ هـ.
استوعب هذا الكتاب ذكر (٧١٧) مخطوطة فيها التام المتكامل ، وفيها ما تبقى منه قطعة أو بعض المجلدات أو الأجزاء. وغني عن البيان هذه المخطوطات في جملتها من أقدم المخطوطات العربية في العالم. بل بوسعنا القول ، إن (أحدث) مخطوط منها قد مضت على كتابته تسعمائة سنة).
ويذكر كوركيس: ( أن أشهر من كتب في عناوين الكتب وأسماء مؤلفيها هو محمد بن إسحاق المعروف بابن النديم ، أشهر ورّاقي زمانه ومن أفذاذ المفهرسين (توفي سنة ٣٨٠ هـ / ٩٩٠ م)، فقد ألّف كتابه (الفهرست) الذي ذكر فيه ما يقارب ستة آلاف كتاب ، تشكل بضعة عشر ألف مجلد. ولكن تلك الثروة الفكرية الطائلة لم يصل إلينا منها إلا القليل الذي قد لا يتجاوز بضع مئات من الكتب. أما سائرها ، وهو يُعد بالألوف ، فقد ضاع بين سمع الأرض وبصرها.
هذا مع العلم أن ابن النديم لم يستوعب ذكر جميع أسماء الكتب التي أُلّفت في زمانه ، بل فاته ذكر الكثير من مؤلفات المغاربة والأندلسيين وغيرهم ، الذين لم يكن من السهل في ذلك العصر ، وصول كتبهم إلى بغداد ، بالرغم من أن بغداد كانت واسطة العقد بين مدن العالم الإسلامي ، بل مركز إشعاع علمي عظيم).
وينقل عن ابن النديم أنه شاهد مصحفاً بخط خالد بن أبي الهيّاج ، صاحب علي عليه السلام. ثم وصل هذا المصحف إلى أبي عبد الله ابن حاني رحمه الله. ورأيت عدة أمانات فيها بخطوط الأئمة من الحسن وإلى الحسين عليهم السلام. ورأيت أمانات وعهود بخط أمير المؤمنين علي عليه السلام.
يتحدث كوركيس عن مصادر قوائم المخطوطات العربية التي اعتمدها في توثيق المخطوطات الموجودة فيقول: لكي نعرف ما سلم من تلك المخطوطات ، كان لابد لما من أن نتتبع (فهارس المخطوطات العربية) المحفوظة في سائر أنحاء العالم ، ونستقصي ما ذكرته من مخطوطات قديمة ، يرقى زمن كتابتها إلى القرون الخمسة الأولى للهجرة.
وهذه الفهارس من الكثرة والتنوع بحيث يتألف من مجموعها خزانة كتب قائمة بذاتها ، نذكر منها :
١-فهارس المكتبة العربية في الخافقين ، ليوسف أسعر داغر ، بيروت: ١٩٤٧ .
٢- قائمة ببليوغرافية بفهارس المخطوطات العربية والشرقية المحفوظة بدار الكتب والمكتبات الملحقة بها ، القاهرة: ١٩٥٩.
٣- تطور فهرسة المخطوطات في العراق ، كوركيس عواد ، مجلة المجمع العلمي العراقي ٢٣ (١٩٧٣) ، ص ١١٠-١٥٦ .
٤- المخطوطات العربية خارج الوطن العربي ، كوركيس عواد ، المورد ٥ (١٩٧٦) ع ١ ، ص ١٧١ – ٢٤٦ .
٥- مصادر ومراجع خاصة بفهارس المخطوطات في الجامع الأزهر ، مكتبة أيا صوفيا بإسطنبول ، دار الكتب المصرية بالقاهرة ، مكتبة الخزانة العامة بالرباط (المغرب) ، دار الكتب الظاهرية بدمشق ، خزانة جامعة القرويين بفاس ، الفهارس التحليلية لعزير سوريال عطية (بالإنكليزية) ، فهرس مكتبة كوبريلي بإسطنبول ، فهرس مكتبة لالة لي بإسطنبول ، ومراجع أجنبية عديدة في بلدان أوروبية وأمريكية.
وتم تصنيف المخطوطات العربية إلى خمسة أصناف وهي:
الأول: المصاحف الشريفة
الثاني: أوراق شتى من مصاحف
الثالث: الكتاب المقدس (العهد القديم والعهد الجديد)
الرابع: أوراق البردي العربية
الخامس: كتب التراث العربي القديم.
المخطوطات العربية والإسلامية في المتحف العراقي
عمل كوركيس عواد مديراً لمكتبة المتحف الوطني العراقي من عام ١٩٣٦ وحتى عام ١٩٦٣ أي آنه شغل هذا المنصب لمدة ٢٧ عاماً.
منذ عام ١٩٣٨ أخذت خزانة المتحف العراقي تقتني ما يقع بيدها من مخطوطات. وصار عدد المخطوطات ينمو سنة بعد أخرى حتى وصل عددها إلى (٢٢٩١) مخطوطة حتى غاية تموز ١٩٥٧. كان قسم من هذه المخطوطات يأتي بالشراء ، وآخر يُهدى إلى المتحف من بعض المؤسسات وجماعة من الناس الفضلاء وغيرهم.
استعان كوركيس عواد بمصنفات فهرسية مثل كتاب (كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون) لحاجي خليفة (مجلدان ١٩٤١- ١٩٤٣) ، وكتاب (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) للشيخ أغا بزرك الطهراني ، صدر منها عشرة أجزاء (طهران ١٣٥٥ – ١٣٧٥ هـ )، وكتاب (كشف الحجاب والأستار عن أسماء الكتب والأسفار) للكنتوري (كلكتا ١٩٣٥) .
ويضيف كوركيس : إن أكبر هدية تلقيتها هي مكتبة العلامة الأب أنستاس ماري الكرملي الذي توفي في ٧ كانون الثاني ١٩٤٧ ، وهي مكتبة تضم آلاف المخطوطات والمطبوعات كانت بحوزة الآباء الكرمليين في بغداد . وكان يجمعها الأب أنستاس ، وعُرفت باسم (مكتبة أنستاس) ، وتبرعوا بها بعد وفاته بسنتين إلى خزانة المتحف العراقي. تضم المكتبة ستة آلاف مجلداً مطبوعاً ، و(١٣٣٥) مجلداً مخطوطاً.
يذكر كوركيس أسم المخطوط واسم مؤلفه وناسخه وتاريخ نسخه وأبعاد الورق ، ورتبها حسب الحروف الأبجدية نذكر منها.
• جاء في بداية التسلسل كتاب (أبواب الروضات) وهو فهرس كتاب (روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات) لمحمد باقر الخوانساري ، المتوفى سنة ١٨٩٥ . وفي الصفحة الأولى منه كتابة بخط الأب أنستاس الكرملي هذا نصها: (خط سنة ١٣٢٤ هـ بيد الشيخ على كاشف الغطاء النجفي).
• كتاب (أرض النهرين) ألفه بالإنكليزية أدوين بيفن Edwyn Bevan بعنوان The Land of the Two Rivers ، وطبع في لندن عام ١٩١٧. وقد ترجمه الأب أنستاس الكرملي إلى العربية عام ١٩١٨ لكن الترجمة لم تطبع ، فبقيت مخطوطة.
• كتاب (الإكليل) للحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني (المتوفى عام ٩٤٥ م). وكتاب يتكون من عشرة مجلدات ، لكن الموجود منها الجزء الثامن والجزء العاشر.
• كتاب (أنساب الطالبيين) وهو غير كتاب (عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب).
• كتاب (انسان العيون في سيرة الأمين المأمون) والمعروف بـ (السيرة الحلبية) وهو من أشهر كتب السيرة النبوية ، ألفه علي بن برهان الدين الحلبي (المتوفى سنة ١٦٣٤ م).
• كتاب ( البداية والنهاية في التاريخ) لابن كثير الدمشقي (المتوفى سنة ١٣٧٢ م) . الموجود منها النصف الأول في مجلد كبير ذي خط دقيق . جاء في آخره (تم النصف الأول من البداية والنهاية ، ويتلوه في الثاني إن شاء الله خلافة الأمام الحسن بن علي رضي الله عنهما).
• كتاب (تحفة الأزهار وزلال الأنهار في نسب الأئمة الأطهار) للسيد ضامن بن شدقم (كان حياً سنة ١٦٨٨ م). وهي نسخة غير كاملة ، وتوجد منه نسخة كاملة في خزانة آل كاشف الغطاء في النجف.
• كتاب ( ترجمة الأولياء في الموصل الحدباء) لأحمد الشهير بابن الخياط الموصلي. ذكر فيه أشهر المراقد والمزارات المعروفة في مدينة الموصل. وهي نسخة بخط المؤلف ، كتب في آخرها: (تمت الرسالة ، عجلة بلا مسودة ، فالمرجو من الذي اطلع على عيب فيها أن يسترها بذيل حلمه ، فإن الانسان محل النسيان ، في سنة ١٢٥٨ هـ / ١٨٤٢ م).
• كتاب (خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى) لعلي بن عبد الله أحمد السمهودي الشافعي (المتوفى سنة ٩١١ هـ / ١٥٠٥ م). وهو في تاريخ المدينة المنورة . وهذه النسخة كتبها عبد الله بن سعيد باجوده الحضرمي الشافعي سنة ١٢٧٣ هـ / ١٨٥٨ ).
• كتاب (رجال الشيخ الطوسي) للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي (المتوفي سنة ٤٦٠ هـ / ١٠٦٧ م). نسخة كاملة تمت كتابتها في بغداد سنة ١٣٠٣ هـ / ١٨٨٥ م).
كتاب (عيون أخبار الرضا) لمحمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (المتوفى سنة ٣٩١ هـ / ١٠٠١ م) وهي نسخة كاملة تتألف من جزئين في مجلد واحد ، وقد أصابتها الأرضة فأتلفت مواطن منها. فرغ من كتابتها عبد الحسن بن عناية الله النجفي (سنة ١٠٢٩ هـ / ١٦١٩ م).
• كتاب (فضائل الامام علي بن أبي طالب) لأبي الحسن محمد بن أحمد بن علي بن شاذان ، وقد كان حياً (عام ٤١٢ ه- / ١٠٢١ م ).
• كتاب (مختصر مناقب عبد القادر الجيلاني) لأبي الحسن علي بن يوسف اللخمي الشطنوفي (المتوفى سنة ٧١٣ هـ / ١٣١٣ م) . وهي نسخة مكتوبة بالخط المغربي.
• كتاب (مروج الذهب) لأبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي (المتوفى سنة ٣٤٥ هـ / ٩٥٦ م). النسخة الموجودة كتبها عبد الله بن محمد الحكمي بلدا الزيدي مذهبا سنة (١٩٤٩ هـ / ١٦٣٩ م).
• كتاب (مناقب بغداد) لجمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن علي الشهير بابن الجوزي (المتوفى سنة ٥٩٧ هـ / ١٢٠٠ م) . وهي نسخة مصورة من نسخة محفوظة بالخزانة التيمورية في القاهرة ، والمعروفة اليوم بدار الكتب المصرية.
• كتاب (نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب) لأحمد بن محمد المِقرَّي (المتوفى سنة ١٠٤١ هـ / ١٦٣١ م) . وهو من أشهر الكتب في تاريخ الأندلس وأدبها. وقد كتلها صالح بن حسن الطالقاني (سنة ١٢١٢ هـ / ١٧٩٧ م).
• كتاب (وقعة صفين) لنصر بن مزاحم (المتوفى سنة ٢١٢ هـ / ٨٢٧ م) . نسخة مكتوبة بخط غريب ردئ يرجع إلى القرن الحادي عشر للهجرة / القرن السابع الميلادي.
مؤلفاته
عرف بنبوغه وعلميته ودقته في التوثيق ، وبرز بشكل خاص في فهرسة الكتب. ألف وحقق ما يقارب((٩٠) كتابا، وله اكثر من 400 بحثا ودراسة ومقالة في التاريخ والبلدان والآثار والتراث العربي منشورة في امهات المجلات العراقية والعربية والأجنبية. ومن كتبه التي حازت الاهتمام كتابه: ( مصادر التراث العسكري عند العرب ) وقضى في تأليفه 18 سنة. أما مؤلفاته فهي:
١-أثر قديم في العراق : دير الربان هرمز بجوار الموصل ( 1934.)
٢ -دليل خرائب بابل وبورسيبا (ترجمة) تأليف يوليوس يوردان ( 1937.)
٣ -العراق في القرن السابع عشر كما رآه الرحالة الفرنسي تافرنييه (ترجمة) بالاشتراك مع الاستاذ بشير فرنسيس ( 1944)
٤ -رسائل احمد تيمور إلى الأب انستاس الكرملي (تحقيق) بالاشتراك مع أخيه الاستاذ ميخائيل عواد (1947)
٥-خزائن الكتب القديمة في العراق منذ أقدم العصور حتى سنة ألف هجرية ( 1948)
٦-الديارات (تحقيق) للشابشتي 1951.
٧-جولة في دور الكتب الأمريكية 1951.
٨-بلدان الخلافة الشرقية تأليف لي لسترنج (ترجمة) بالاشتراك مع الاستاذ بشير فرنسيس 1954.
٩-المكتبات العامة والخاصة في العراق ( 1961 )، (فصل طبع ضمن كتاب دليل الجمهورية العراقية)
١٠-جمهرة المراجع البغدادية بالاشتراك مع الاستاذ عبد الحميد العلوجي ( 1962)
١١-مقامة في قواعد بغداد في الدولة العباسية تأليف ظهير الدين الكازروني (تحقيق) بالاشتراك مع اخيه ميخائيل عواد ( 1962.)
١٢-المباحث اللغوية في مؤلفات العراقيين المحدثين ( 1965.)
١٣-التفاحة في النحو لابن جعفر النحاس النحوي (تحقيق) ( 1965.)
١٤-فهرست مخطوطات خزانة يعقوب سركيس ببغداد ( 1966.)
١٥-الأب انستاس الكرملي، حياته ومؤلفاته ( 1966.)
١٦-تاريخ واسط تأليف اسلم بن سهل الرزاز الواسطي (تحقيق) (1967.)