الشرق الأوسط الجديد والحلم الكردي
عبداللـه حميد العتابي
ترددت عبارة رسم شرق اوسط جديد في الاونة الاخيرة على السنة مسوؤلين صهاينة ابرزهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو . والواضح فان اعادة ترتيب موازين القوى ورسم خارطة سياسية مختلفة للمنطقة هدفا صهيونيا جديدا وفي المنظور الصهيوني بات اقرب للتطبيق من اي وقت مضى في ظل التطورات المتسارعة منذ طوفان الاقصى في 7 تشرين 2023 وما أل اليه من تداعيات في غزة وجنوب لبنان واخيرا سقوط نظام بشار الاسد في سوريا . اسوق هذه المقدمة في ضوء ما قالته صحيفة جيروزاليم بوست إن وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد جدعون ساعر ذكر الشعب الكردي في أول خطاب له بعد توليه منصبه، بأن إسرائيل تمتعت منذ فترة طويلة بعلاقات إيجابية مع الأكراد منذ إنشائها، مشيرا إلى رغبته في متابعة التطورات في المنطقة وتوسيع «دائرة السلام والتطبيع» فيها. وقال ساعر إن تواصل إسرائيل مع الأقليات في المنطقة له تاريخ طويل، موضحا أن الشعب الكردي أمة عظيمة، وقال إنها واحدة من أكبر الأمم التي لا تتمتع باستقلال سياسي، مشيرا إلى وجود مصالح مشتركة بين اليهود والأكراد في المنطقة باعتبارهما أقليات غالبا ما تواجه الاضطهاد على أيدي نفس الأعداء.وختم ساعر بتذكير الأكراد بأن الأعداء استخدموا العلاقات الوثيقة بين إسرائيل والأكراد لمحاربة استقلال الأكراد، بعد أن رفع بعض الأكراد أعلام إسرائيل خلال استفتاء استقلال إقليم كردستان عام 2017، مما أدى إلى تأجيج المشاعر المعادية لهم في طهران وأنقرة اللتين عارضتا الاستفتاء، مدعيتين أن دولة كردية مستقلة ستكون «إسرائيل ثانية»، حسب تعبيره والاهتمام الإسرائيلي بإقليم كردستان وتحوله لدولة تخترق الدول الأربع -الأعداء لإسرائيل بتفاوت بين حجم هذه العداوة- العراق وإيران وتركيا وسوريا ليس جديدا، بل يعود لستينيات القرن الماضي عندما تبنى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ديفيد بن غوريون نظرية ما سماه «الطوق الثالث» أو «تحالف الأقليات» في المنطقة الذي كان يستهدف بشكل رئيسي اليهود والأكراد. تتعدد الأسباب التي يسردها سياسيون ومحللون، عوضا عما تكشفه حقائق التاريخ بين إسرائيل والأكراد تاريخيا، وهو ما يفسر أن تل أبيب تكاد تكون الدولة الوحيدة في العالم التي تعلن تأييدها قيام الدولة الكردية. لعل السبب الأهم حسب المنطق الإسرائيلي أن دولة كردية في شمال العراق ستكون نواة لدولة كردية أكبر يمكن أن تضم لها لاحقا مناطق الوجود الكردي في شمال وشمال شرق سوريا، وشرق تركيا وغرب وشمال غرب إيران. وستمكن هذه الدولة الكردية إسرائيل من اصطياد عدة عصافير بحجر واحد، حيث تفترض إسرائيل أن مثل هذه الدولة ستواصل نهج إقليم كردستان التاريخي في التحالف مع إسرائيل، بحيث إن هذه الدولة يمكن أن ترتبط بشراكة استراتيجية مع تل أبيب، تقلص من عزلتها، وتزيد من هامش المناورة أمامها في التأثير على المشهد الإقليمي.
ولعل واحدا من أهم الأسباب التي تدفع النخب الأمنية الإسرائيلية للمجاهرة بحماسها لفكرة إقامة دولة كردية هو تقديرها أن مثل هذه الدولة ستسهم في محاصرة كل من تركيا وإيران اللتين تناصبهما إسرائيل العداء. وكانت وسائل إعلام أجنبية تحدثت مرات عدة عن أن إسرائيل اتخذت من إقليم كردستان منطلقا لعمليات نفذتها ضد منشآت نووية إيرانية، وهو كشف يتوافق مع العلاقات العسكرية والأمنية بين تل أبيب وأربيل الضاربة في القدم. ولنا ان نتساءل هل سيشهد عام 2025 ولادة دولة كردية في ظل التعقيدات الدولية ؟