نحو سوريا حرة موحّدة
محمد الكرخي
لعل التخوف الذي يبديه بعض المسؤولين ومتصدري المشهد الإعلامي في العراق وباقي الدول العربية من سيطرة «هيئة تحرير الشام» على السلطة في سورية، لعله تخوف مبالغ فيه أو هو تخوف ليس بمحله في الوقت الراهن، وذلك لاعتبارات عديدة، أهمها: أولاً- إن سيطرة «الهيئة» على سورية لم تكن وليدة لحظة مفاجئة، وإنما هي وليدة قمع وحشي لكفاح شعبي سلمي تحول إلى عسكري لمدة 13 سنة متواصلة، جابه الشعب السوري فيها ماكنة عسكرية لنظام قمعي مستبد، كاد -أي النظام- أن يخسر النزال أمام شعبه لولا دعمه عسكرياً وسياسياً من قبل دول خارجية. ثانياً- إن التدين الجهادي الذي رعاه ذات النظام السوري قبل انطلاق الثورة السورية في العام 2011، سبب آخر ورئيس في ظهور مختلف التنظيمات الإسلامية السياسية والعسكرية في الساحة الوطنية السورية، مما أفضى آخر الأمر لانضواء كافة التيارات الإسلامية تحت راية «هيئة تحرير الشام» ومن ثم الزحف بدعم تركي -غير بريء- على العاصمة دمشق. ثالثاً- المسلمون هم غالبية الشعب السوري، وحتى الطوائف أو الأديان غير الإسلامية في سورية تسعى من قريب أو بعيد للوصل بالإسلام، أي أن «الهيئة» ليست بالجسم الغريب عن المجتمع السوري، بالخصوص آخر 20 سنة من أسلمة كل شيء. رابعاً- الواقع السياسي السوري أيام الأسد، لم يكن ديموقراطياً حتى نستغرب تمثيل جماعة دينية إسلامية لأغلب السوريين وغياب شبه تام للأحزاب الوطنية العلمانية. من الخطأ نصب العداء “لهيئة تحرير الشام” ونحن لا نزال لم نر أفعالها في الواقع السوري، وإن عاديناها لأدبياتها السياسية-الدينية، فحري بنا بالمرة معاداة أدبيات الأنظمة العربية المستبدة ومعاداة أدبيات الجماعات الإسلامية الأخرى. بعض متصدري المشهد الإعلامي-الثقافي في العراق، يتخوفون من “هيئة تحرير الشام” فبحسبهم؛ ربما تتحرك بشكل مباشر أو غير مباشر نحو العراق لمبررات شتى. في الحقيقة استغرب من هؤلاء، فهم يعتقدون أن سقوط العراق سيقع بمجرد تحرك “الهيئة” نحوه، وغاب عنهم أنه يستحيل على النظام الديموقراطي العراقي أن يسقط إن لم يكن مهيئاً للسقوط من الداخل، وقد أشرت في مقالات عديدة سابقة إلى العديد من الأسباب التي تجعل نظامنا الديموقراطي العراقي قائماً بإرادة أميركية لا بظروف طبيعية نابعة من الإرادة العراقية، وهذا مما يعني نظرياً “أن نظامنا السياسي العراقي بحكم العدم”، ومما يعني عملياً “أن نظامنا السياسي العراقي باق ما دامت المصلحة الأميركية تتطلب بقاءه”. كل مقومات سقوط النظام الديموقراطي في العراق ظاهرة للعيان، منها: البطالة - التضخم السكاني - انتشار الأمية العلمية والثقافية - السلاح المنفلت - الغلاء الفاحش - أزمة السكن - محاصصة المؤسسات الحكومية والعسكرية - الأسلمة - انحدار مستوى التعليم - التعصب بكافة أشكاله ومستوياته - وجود الميليشيات الطائفية والمناطقية - الفساد المالي والإداري - غياب التخطيط - غسيل الأموال - غياب الشفافية - تطبيق القانون على الضعفاء.على الجهات المعنية العراقية، الإسراع في دعم سورية اليوم، ولعل أهم مجالات الدعم تتلخص في: إيصال المشتقات النفطية - المشاركة الفاعلة والكبيرة في إعمار البنى التحتية السورية - التعاون السياسي-الاقتصادي في القضايا المتعلقة بالبلدين حصراً وفي القضايا والمجالات العامة بين البلدين الشقيقين من جهة وبين باقي بلدان الإقليم والعالم من جهة أخرى - تسهيل الحركة السياحية والتجارية بين شعبي البلدين الشقيقين.ولا يظنن أحد، أن دول الإقليم وبعض دول الغرب سترحب بأي تعاون جاد وصادق بين سورية والعراق، ولذلك، وجب على المعنيين في كلا البلدين أن يناضلوا ويعملوا بصدق وجد وعزم من أجل تلاحم الشعبين السوري والعراقي. إن السياسة الدولية والإقليمية تجد مصلحتها في أن يحكم هذين البلدين -أي سورية والعراق- نظامين سياسيين غير متعاونين ويُفضل أن يكونا متحاربين، وهنا سيتضح دور عقلاء العراق وسورية.
وعلى الجهات المعنية في سورية أن تضع نصب أعينها “الجولان” وأن تتحرك بسياسة وطنية تجاه الأكراد شرق الفرات، وأن تنفتح على كل السوريين وتحفظ حرياتهم المدنية وكرامتهم الوطنية. كما ولا بد من كتم الأصوات الطائفية في كلا البلدين ومنعها من نشر البغضاء بين مكونات الشعبين السوري والعراقي.