دروس من سقوط الأسد
علي موسى الكناني
المقولة الشهيرة لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق، ونستون تشرشل، «ليس هناك حليف دائم أو عدو دائم، بل هناك مصالح دائمة»، تتجلى اليوم بأدق صورها في أحداث سوريا، حيث أصبح هذا البلد خلال أكثر من عقد من الزمن، ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية.
كانت القوى العالمية حتى وقت قريب، تفرض نفوذها في سوريا عبر دعم وكلاء محليين، بينما لعبت دول إقليمية دورا محوريا في هذا الصراع المعقد. وما أن تلاقت مصالح هذه الدول –أو بعضها-، انكشفت هزالة النظام، وجسدت مقولة «الذي يتغطى بغير شعبه هو خسران..».
منذ اندلاع أول صراع في عام 2011، كانت سوريا مسرحاً لتدخلات متعددة من قبل القوى الكبرى. روسيا وإيران دعمتا نظام الأسد، بينما دعمت دول أخرى المعارضة. هذه التدخلات أبقت الأسد في السلطة لفترة طويلة، لكن تباين المصالح بين القوى المتدخلة أدت إلى تغييرات مفاجئة في موازين القوى، وأضعفت النظام الذي لم يصمد سوى ساعات حتى تهاوى سريعاً.
إن الصراع اليوم في سوريا يتسم بتعقيد سياسي وطائفي عميق، حيث يسهم الانقسام السياسي والطائفي في زيادة تعقيد الوضع وزيادة الاستقطاب داخل المجتمع السوري، حتى بعد ظهور الجولاني بهيئة مختلفة، وخطاب يوحي بالاتزان والحكمة في الظاهر، لكنه بالتأكيد ليس سوى سيناريو جديد، يؤسس لمرحلة جديدة في مستقبل سوريا.
ما وصلت اليه سوريا، جاء نتيجة للقمع الوحشي الذي مارسه النظام ضد الاحتجاجات الشعبية منذ عام 2011، وأسهم في تعميق الانقسامات الداخلية، ما أفقد الشعب السوري الثقة في قدرة النظام على تحقيق الاستقرار والعدالة على مدى أكثر من 13 سنة. واستمرت الحال لتنقل سوريا الى مرحلة معقدة، وتضع شعبه أمام اختبار صعب، في التوحد وبناء دولة جديدة قائمة على العدالة والمساواة، فهناك العديد من التحديات امام سوريا اليوم، بعد سقوط الأسد، وعليها أولاً تأمين الاستقرار، في ظل غياب السلطة المركزية ووجود ميليشيات متعددة الولاءات، التي تنذر في إشعال صراعات جديدة داخلية، وبذلك يتوجب معالجة الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها النظام خلال سنوات الحرب لضمان عدم العودة إلى الاستبداد.
كما أن إعادة بناء الثقة الشعبية، بعد سنوات من القمع والمعاناة، ستكون هي الآخرى تحدياً لا يقل أهمية عن باقي التحديات، ويمكن معالجته في أقل تقدير بإيجاد قيادة جديدة تستطيع إعادة الثقة بين الشعب والدولة.
سقوط الأسد، وإن لم يكن مفاجئاً، يمثل درسا بالغة الأهمية للعالم، ورسالة مفادها بأن الإصلاح السياسي والاقتصادي كفيل في تدارك الأزمات قبل وقوعها، وأن الاستجــــــــابة للمطــــالب الشعبية بطريقة سلمـــــية، هي الحــــــل الوحيد، فيما الحلول العسكرية ستلاقي نفس مصير الأسد ومن قبله....