إزدواجية قوانين التعليم.. هل تسهم في توحيد العراق؟
عمار يحيى
في وطنٍ أنهكتهُ الحروبُ والتحدّيات، ما يزالُ العراقيونَ يحاولونَ بناءَ جسورِ الثقةِ والوحدةِ بين مختلفِ مكوّناته. إلا أنّ هذا المسعى يصطدمُ أحياناً بتحدياتٍ أُخرى أكثر خفاءً، لكنّها لا تقلُّ خطورة. من بين تلك التحدّيات، يبرزُ التناقضُ الصارخُ في القوانينِ والقراراتِ بين بغداد وإقليم كردستان في قطّاع التعليم. هذا التباين، الذي يطالُ مسألةً حيويّةً كمعادلةِ الشهاداتِ الدراسية، لا يعكسُ فقط خللاً في التنسيقِ المؤسّسي، بل يهدّدُ وحدةَ الوطن، ويزرعُ الإحساسَ بالتفرقةِ والتمييزِ بين أبناءِ البلدِ الواحد. إنّ هذه القضيةَ ليست مجرّدَ مشكلةٍ إداريّة، بل هي أزمةٌ وطنيّة تتطلّبُ حلاًّ عاجلاً يعيدُ الثقةَ بين المواطنِ ومؤسّساتِ الدولة، ويعزّزُ من قيمِ العدالةِ والمساواةِ التي كفلها الدستور.
توحيدِ صفوف
ففي بلدٍ ما يزالُ يحاولُ لملمةَ أشلائهِ الممزّقةِ وتضميدَ جراحهِ وجمع أبنائهِ تحت مظلّةٍ واحدة، يجبُ على السياسيين والمسئولينَ أنْ يكونوا أكثرَ حذراً في التعاملِ مع القوانينِ والتشريعاتِ التي تمسُّ مباشرة الإحساسَ الوطني بالانتماء. فبينما تحاولُ الحكومةُ والشرفاءُ من أبناءِ الشعب، إعادةَ لمّ شمله بعد كلّ هذه الحروبِ التي مرّ بها، وتوحيدِ صفوفهِ، والتعايش في بلدٍ فدراليٍّ موحّدٍ جديد، يجدُ الباحثُ في الشأنِ العراقيّ أنّ هناك تعارضاً، بين هذهِ المحاولاتِ وبين القراراتِ والتشريعاتِ في البلد.
ومن الأمثلة الحيّةِ والمهمّةِ على هذا التعارض، أنَّ وزارتي التعليم في الحكومةِ الاتحاديّةِ والأُخرى في الإقليم، لا تعترفانِ بعددٍ غير قليلٍ من القراراتِ الصادرةِ من الطرفين. حيث يجدُ الطلبةَ الذين أنهوا دراستهم خارجَ العراقِ أنفسهم مرفوضينَ في بلدهم، تائهينَ بين قراراتِ وزارتي التعليم في بغداد والإقليم، وفي أيّهما يختارُ الطالبُ لإكمالِ معاملتهِ، حيثُ أنّ هذا القرارَ سيؤثّرُ مباشرةً على مستقبلهِ القريب. قد لا يكونُ المسئولونَ في الوزارتينِ على درايةٍ بقدرِ أهميةِ تعديلِ القراراتِ وتوحيدها، ومدى تأثيرها على العقلِ الجمعي للمجتمعِ الذي ما تنفسَ الصعداءَ إلا مؤخراً، متأملاً خيراً بالحكومةِ بالدعمِ نحو وحدةٍ كاملة، بقدرِ تركيزهم على إعطاءِ الحريّةِ للطرفين في اختيارِ القراراتِ المناسبة.
حكومةِ فدرالية
إنّ مشكلةَ الاعترافِ بتعديلِ الشهادةِ للحاصلينَ على شهاداتهم خارجَ العراقِ صارتْ مشكلةً عويصةً تؤرّقُ الطلبةَ العراقيين في إقليمِ كردستان. حيثُ أنَّ عدمَ اعترافِ الحكومةِ الفدرالية بالقراراتِ الصادرةِ من وزارةِ التعليم في الإقليم، يعدُّ خرقاً واضحاً للدستور، وتعارضاً مع ما تعملُ عليهِ وزارة التعليمِ الاتحاديةِ من تحقيقِ أهدافِ الحكومةِ كمجمل، وأهدافِ الوزارةِ نفسها بشكلٍ خاص. فحيثُ تعترفُ الوزارةُ في الإقليمِ بكلِّ الشهاداتِ المعدّلة من قبلِ وزارةِ التعليمِ الفدرالية، يتفاجأ النازحونَ والساكنونَ في إقليمِ كردستان العراق ممّن درسوا على نفقتهم الخاصة، وبعدَ شهورٍ طويلةٍ من إجراءاتِ تعديلِ الشهادةِ في وزارةِ التعليمِ في حكومةِ إقليمِ كردستان العراق، والتي تتمُّ بطريقةٍ قانونيةٍ وبإجراءاتٍ مطوّلةٍ ودقيقةٍ تستغرقُ حوالي ثمانيةَ أشهر، بأنّ وزارةَ التعليمِ الاتحادية لا تعترفُ بقرارِ التعديل. وأنّ المواطنَ في حال أرادَ العمل في المحافظاتِ خارجَ الإقليم، فإن شهادتهُ لا تُساوي شيئاً، وكأنه ذاهبٌ إلى العملِ في دولةٍ أخرى!
إنّ المتضرّرَ الرئيسي من عدمِ توافقِ القوانينِ بينَ وزارةِ التعليمِ في الحكومةِ المركزيّةِ ووزارةِ التعليمِ في حكومةِ الإقليمِ هو الوطنُ كلّهُ أولاً، حيثُ لا تعملُ قراراتٌ كهذه إلاّ على زرعِ الإحساس بالتشتّتِ والتفرقةِ بين أبناء الوطن الواحد. والمواطنونَ ثانياً، وخصوصاً أولئك الذين درسوا ضمنَ فقرةِ النفقةِ الخاصةِ من غيرِ الموظفينَ، حيث يتعرضونَ للظلمِ بعدمِ الاعترافِ بشهاداتهم في الحكومةِ المركزيّةِ والحاجة مرةً أخرى للتعديلِ الذي قد يستغرقُ شهوراً طويلةً مرّةً أخرى بعد تعديلها في وزارةِ التعليمِ في الإقليم. يجبُ على وزارةِ التعليمِ العراقيةِ متمثّلةً بالسيدِ وزيرِ التعليم أولاً، إعادةَ النظرِ في هذه القراراتِ التي اتّخذتْ بعد 2003، والنظرَ في قضيةِ الطلابِ ومعاناتهم التي يمرّونَ بها منذُ سنينَ طويلة، بتعديلِ القوانين وتوحيدها باعتبارِ قراراتِ التعديلِ الأصولية الصادرةِ من وزارة التعليم في حكومةِ إقليم كردستان شهادات رسميّةٍ ومقبولة في بقيةِ أنحاءِ العراق. وإذا كانت هناك أيّةُ ملاحظاتٍ أو خلافاتٍ حولَ إجراءاتِ التعديلِ بين الوزارتين، فيجبُ إقرارُ القوانين بتاريخٍ جديدٍ مع إعلامِ المواطنينَ حتى لا يتمُّ ظلمهم.
حيثُ أنّ قراراتٍ كهذهِ أينما تخصُّ فهي غيرُ مجديةٍ ولا تعملُ إلّا على زيادةِ الشعورِ بالتفرقةِ وتشتّت الوطن ممّا يرفضهُ دستورُ العراقِ الذي أتم إقرارهُ عام 2005، حيثُ ينصُّ على أنّ العراق يُعتبر دولة فدرالية، ممّا يمنحُ الأقاليم حقوقًا إدارية وتشريعية، وينصُّ بوضوحٍ أيضاً على حقّ التعليم لكلِّ المواطنين. لذا فيجبُ أنْ تكون هناك قوانينٌ واضحةٌ تعزّزُ من هذا الحقّ بدلاً من أنْ تخلقَ عوائقَ للطلابِ أو تبخسَهم حقوقهم الدستورية.