الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الفكرة المحورية لثقافة المستقبل

بواسطة azzaman

أفكار بين شقي الرحى

الفكرة المحورية لثقافة المستقبل

عامر حسن فياض

 

الملاحظ ان لكل جماعة ثقافة ،ولكل ثقافة فكرة محورية ،فمحور الثقافة في حضارة بلاد مابين النهرين يتمثل في (فكرة الاسطورة الكونية )ومحور الثقافة في الحضارة المصرية القديمة يتمثل في (فكرة الخلود )،ومحور الثقافة في لحضارة الاغريقية القديمة يتمثل في (فكرة القانون )،ومحور الثقافة في حضارة الصين والهند القدميتتن يتمثل في (فكرة الانسجام مع الطبيعة )،ومحور الثقافة في الحضارة الاسلامية يتمثل في (فكرة النص)بينما يتمثل محور الثقافة في الحضارة الغربية الحديثة في (فكرة العقل) .

ان ثقافات عالمنا المعاصر ،وكما هو الامر مع ثقافات العوالم السابقة ،قد شهدت التجاوز والتداخل وفق اسلوبين هما اسلوب الغلبة العسكرية والانتقال من الغالب الى المغلوب .

ثقافات متجاورة

واسلوب السريان الحضاري والانتقال من المغلوب الى الغالب ولايعني الامر في الحالتين ان يؤدي هذا التجاوز وذلك التداخل الى مسخ الواحد للاخر ،واكتساح ثقافة الغالب لثقافة المغلوب وبالعكس اذ تبقى الثقافات متجاورة ومتداخلة كما يؤشرالتاريخ ويؤكد الواقع ،ولكن العلاقة بين الثقافات ،قد لاتكون كذلك من حيث السياسة والايدولوجيا فقد تتصادم كما يرى (صموئيل هنتغون )الذي يقول ان تصادم الحضارات هو خليفة الحرب الباردة وفقا لشعار (الغرب والبقية the west and rest) وفي السياق ذاته ،وبالنتيجة ،يصل  (فرانسيس فوكوياما) في كتابه الى ان الغرب المعاصر المتمثل بالليبرالية فكرا والرأسمالية سلوكا ،بات هو المتسيد على العالم ،بينما يؤكد التاريخ والواقع ان حوار الثقافات في عالمنا المعاصر ،حوار مستمر ومتواصل ضمن سياقات تؤدي الى تشكيل ثقافة عالمية سريعة الانتشار وواضحة التأثير هي ثقافة التكنولوجيا .ويجعلنا ذلك نتذكر ان تداخل الثقافات لابد ان يخلق نوعا من الصراع بين الجماعات المختلفة بسبب حساسية مسألة الهوية ،ولكن من دون ان يتخد هذا الصراع طابعا سرمديا لان مانجده ونعيشه من صراعات راهنة ،تحركها دوافع سياسية وايدلوجية، ليست كامنة في طبيعة البشر ولا في طبيعة ثقافاتهم المتنوعة التي لاتعرف سوى علاقة التجاور والتداخل .

وبقدر تعلق الامر بحرب المعلومات وتحولات الاقتصاد ،فأن النمط المعاصر لوظيفة الجاسوسية وصراع المصالح وتنافس السياسات ،هو نمط جاسوسية المعلومات والشركات الخاصة وندرة او وفرة المعلومات ،فالذي يمتلك المعلومة في عالمنا المعاصر في كل مكان وزمان يكون سيدا سياسيا واقتصاديا وكذلك عسكريا ،وتكمن علة ذلك في :

- ان من يمتلك المعلومة ،يستطيع ان يتملك الثروة ،ومن يمتلك الثروة يسيطر على كل شي بما في ذلك السلطة السياسية .

- ان من يمتلك المعلومة يستطيع ان يشكل العقول ، ومن يشكل العقول يستطيع ان يحدد ويوجه السلوك ومن يفعل ذلك يصبح صاحب القوة فالسلطة والسلطان .

اذا كان عالم الاجتماع الالماني (ماكس فيبر )قد تحدث في السابق عن ثلاثة مصادر لشرعية السلطة هي(التقاليد –الكاريزما-البيروقراطية )،وتحدث (كارل ماركس) عن مصدر وحيد لشرعية السلطة هما (القوة والايديولوجيا )او غيرههما من المصادر ،فقد افرزت متغيرات عصرنا الراهن ،مصدرا جديدا هو (المعرفة او المعلومات )وهذا ما سيجعل المنافسات والحروب الحالية والقادمة ليست منافسات اقتصادية ولاحروبا عسكرية بالمعنى التقليدي ، بقدر ماهي منافسات ثقافة وحروب معلومات من حيث الانتاج والتشكيل ،ولن تكون منافسات وحروب بين دول فقط ،بل وايضا بين مؤسات اقتصادية عملاقة لاتعرف لها حدود ولامراكز (شركات عديمة الجنسية )مقابل الشركات متعددة الجنسية السائدة قبل الثورة المعلوماتية المعاصرة .

سلطة سياسية

ويعني ماتقدم كله ،أن مفاهيمنا السائدة والمعتادة ،تعيش ثورة عامة وشاملة ،فقد كانت تلك المفاهيم تخضع لطبيعية السلطة السياسية وشرعيتها القائمة على الحق الالهي ثم على القوة ثم  على العقد الاجتماعي ،لتتحول الى شرعية امتلاك وانتاج المعلومات .واذاكان مفهوم (الامن )يعني في الماضي أمن الدولة والمجتمع على اسس عسكرية أو بوليسية ،فان مفهوم (الامن)يعني في الحاضر امتلاك المعرفة المفصلة عن الاشخاص والاشياء والظواهر لضمان أمن الدولة والمجتمع واشباع الحاجات والتعامل السليم مع الداخل والخارج . وتطور مفهوم (حقوق الانسان )عبر ضرورة تاريخية على شكل أجيال من مرحلة اللا حقوق الى مرحلة الحقوق الطبيعية المقتصرة على شعوب وبلدان دون اخرى ،الى مرحلة الحقوق الشاملة ،وصولا الى الامم المتحدة واعلانها العالمي وملاحقه ،ثم حقوق الانسان  بالنهايات المفتوحة من فردية الى جماعية (حقوق افراد-حقوق جماعات –حق الاختلاف-حق التمنية –حق البيئة –حق الاتصال...الخ)وكذلك في مضمار التقسيمات المفاهيمية للارض على (شرق –غرب)و (شمال –جنوب)و(رأسمالي –اشتركي ) و(مختلف-متقدم )و(نام-متطور)و(صناعي –زراعي )و(مركز –اطراف )...الخ ،بينما يقوم عالمنا المعاصر والمقبل على تقسيم جديد معيارهه المعلومة ومن يمتلك صناعتها ويحتكر تقنيتها ،انه تقسيم يقوم على معادلة (من يعلم –من لايعلم ) او (من يحتكر المعلومة –من يفتقر للمعلومة ).

وسيكون من لايعلم خاضعا ،سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتابعا ومرتهنا بمصيره ومستقبله لمن يعلم ،والتقسيم المقبل غير قائم على اسس ايديولوجية ولاسياسية ولااقتصادية كمية بل قائم على اسس معرفية اولا واخيرا .

 

 


مشاهدات 83
الكاتب عامر حسن فياض
أضيف 2024/12/09 - 4:26 PM
آخر تحديث 2024/12/12 - 2:29 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 392 الشهر 5060 الكلي 10061155
الوقت الآن
الخميس 2024/12/12 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير