الملك فاروق الأول واخلاقيات السلطة
نوري جاسم
الملك فاروق الأول، الذي حكم مصر من عام 1936م إلى عام 1952 م، واجه ثورة 23 يوليو 1952 م التي قادها تنظيم الضباط الأحرار داخل الجيش المصري بقيادة اللواء محمد نجيب والعقيد جمال عبد الناصر، وعندما اندلعت الثورة كان رد فعل الملك فاروق هادئًا نسبيًا ولم يسعى لمقاومة عسكرية عنيفة، لكي يجنب شعبه والجيش الانقسام والمواجهات واسالة الدماء، في البداية، حاول فاروق التفاوض مع قادة الثورة، لكنه واجه رفضًا قاطعًا لمطالبه بالبقاء على العرش، وأمام الضغط المتزايد من الضباط الأحرار والاضطرابات الشعبية، أدرك الملك أن وضعه أصبح غير قابل للدفاع عنه، وفي النهاية قبل فاروق بالتنازل عن العرش لصالح ابنه الصغير أحمد فؤاد الثاني، وفي 26 يوليو 1952 م، غادر الملك فاروق مصر على متن اليخت الملكي “المحروسة”، متجهًا إلى إيطاليا حيث قضى ما تبقى من حياته في المنفى، وبذلك انتهت فترة حكم أسرة محمد علي التي دام حكمها أكثر من 150 عامًا في مصر، ان تصرف فاروق بالاستسلام وتجنب سفك الدماء يعكس فهمه للواقع السياسي والضغوط التي كان يواجهها، ورغبته في تجنيب مصر وشعبها العنف والفوضى في البلاد من أجل ملك زائل، ويمكن القول إن تصرف الملك فاروق بالاستسلام والتنازل عن العرش يعكس تصرفًا حكيمًا يعبر عن حبه لشعبه، وذلك لعدة أسباب، منها تجنب العنف والدمار، وقد اختار فاروق الاستسلام بدلاً من الدخول في مواجهة عسكرية مع الضباط الأحرار، مما جنب البلاد احتمالات سفك الدماء والدمار الذي كان يمكن أن ينجم عن مقاومة مسلحة، وكذلك هو دليل على احترام إرادة الشعب، وقد كانت الثورة تعبيرًا عن رغبة قطاعات واسعة من الشعب المصري في التغيير والإصلاح، وبتنازله عن العرش، أظهر فاروق احترامه لهذه الإرادة وعدم تمسكه بالسلطة على حساب مصالح الشعب، وكذلك حافظ هلى وحدة الجيش المصري ، وعدم حصول اي انقسام فيه، وكذلك لضمان استمرارية الحكم، على الرغم من تنازله عن العرش، حرص فاروق على تسليم السلطة بطريقة منظمة إلى الضباط الأحرار، مما ساعد في الحفاظ على استقرار الدولة وعدم حدوث فراغ سياسي قد يؤدي إلى الفوضى، وقد غادر فاروق مصر بشكل سلمي، مما سمح بانتقال السلطة دون حدوث صراع داخلي كبير، وهو تصرف يعبر عن رغبة في الحفاظ على سلامة وأمن البلاد، ان تصرف فاروق في تلك اللحظة الحساسة يمكن اعتباره دليلاً على وعيه بالمصلحة العامة وحبه لشعبه، حيث فضل مصلحة البلاد وسلامتها على التمسك بعرشه وسلطته، وليكن في ذلك درس لكل الحكام المستبدين الذبن يحكمون، فعندما تنتفض شعوبكم ضدكم، فلا تلوموا احد، بل لوموا انفسكم، فلا اننم احطتم حكمكم باسوار العدالة، والعدل اساس الملك، ولا خدمتم شعوبكم بصدق وإخلاص، فلم تكونوا قادة حقيقين، فما يصيبكم من ضرر، فلا تجدوا لكم من ناصر ولا معين، ويا اسفي على الندم، ولات حين مندم، وقد قالها بعضهم عند الندم على ذهاب السلطة ( لقد جوعت الذئاب، واشبعت الكلاب ) وما أكثر الدروس وما اقل المعتبرين من هذه الأحداث....