محاضرة الحياة مدرسة

آمنة محمد جعفر

الحياة: مدرسةجميلة، مكونة من كلمتين، مبتدأ وخبر، لم أكن أعرف معنى هذه الجملة ولا أفهم ما مدلولاتها، ذلك أني كنت لا أزال تلميذة في المرحلة الابتدائية، وتحديداً في الصف الثاني، لقد كانت هذه الجملة ذات الكلمتين لها مغزى عميق وكبير في داخلي، كنت كلما دخلت قاعة درس مادة الرياضيات أجلس على المقعد وأرفع رأسي ناحية السبورة لأجد فوقها عبارة الحياة مدرسة، فكنت أضحك كثيراً بعد قراءتها؛ لأني لم أكن أستوعب أو أفهم معنى الحياة مدرسة، لأني أعرف مدرسة واحدة -هي التي أدرس بها-، وأعلم أن للمدرسة مديرة أو مديراً، وأساتذة أو معلمين.

لذلك وبحكم سن والطفولة كنت أتخيل هذه الجملة، واتخيل من أساتذتها أو معلميها، فكان ينتابني ضحك كثير بعد خيالي الذي يذهب بي للتفكير في هذه المدرسة التي يكتبون عنها “الحياة مدرسة”، لكن مع تقدمي بالعمر وكذلك مع كثرة فهم مشاكل الحياة وهمومها، بدأ يظهر لي شيئا فشيئا بعض الأمور عن معنى هذه الجملة التي طالما ضحكت من أجلها، كلما دخلت حجرة درس مادة الرياضيات، وعرفت الحياة مدرسة فيها الفقير والغني، لكن الفقير لا يوجد من ينتبه لأنه فقير إلا من رحم الله، فيطلب ود الغني ويداس الفقير، ويسمع لكلام الغني وإن كان جاهلا، ويعرض عن كلام الفقير وإن كان عالما.

عرفت أن الحياة مدرسة، وعلمت بعد أن كنت أحسب أن الحي الذي أعيش به يوجد وحده في الدنيا، وفهمت أن الحي يوجد في مدينة والمدينة توجد في بلد، نعم أيقنت أن الحياة مدرسة عندما صادفت اناسا يصاحبونك لأجل مصلحتهم وليس لأجل الصداقة التي يدعونها.

في الجانب الآخر هناك، عبارة لم أنساها عن موضوع الرحمة، تقول: (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) لكن عرفت أن الحياة مدرسة عندما وجدت الناس بعيدون كل البعد عن معنى الرحمة، فالحياة مدرسة فيها ظالم وفيها مظلوم، والظالم لايوجد في قلبه رحمة؛ لأن ظلمه نابع عن ثقافة وتربية تربى عليها هذا الإنسان بكرهه لمن يخالفه، وسلبه أرضه تحت قهر القوة. بلى، الحياة مدرسة، عندما يصبح فيها الجاهل يسيّر أمور العالم، عندما يصبح الجاهل  الذي لايستطيع قراءة جملة يدير شؤون العوام، وذلك فيما يعرف البرلمانات، والحياة مدرسة حيث عرفت أن الشواهد العلمية تباع وتشترى من أجل شغل مناصب دنيوية، عندما يتم تزويرها ليصبح هذا أو ذاك يحمل لقب دكتور.

أجل، الحياة مدرسة يتحدث فيها المسلمون ويقولون أنهم مسلمون، وغالبيتهم لو سُئلوا عن معنى الإسلام لايعرفون الإجابه، الإ من رحم الله. لكنهم يعرفون ان الخيانة محرمة، فتجدهم يخونون، ويعرفون أن الكذب مبغوض عند الله فيكذبون. وأخيرا الحياة مدرسة، فأساتذتها ومعلموها التجارب، ودروسها العبر والعظمات، فكم من تجارب مرت علينا كانت قاسية وتعلمنا من قسوتها، فالحياة مدرسة لم تستقم لأحد حتى تستقيم لنا، ولم تدم لمن سبقنا حتى تدوم لنا، فصدق الله العظيم الذي قال عنها: أنما الحياة الدنيا لعب ولهم وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد، وستبقى الحياة مدرسة.