الإعلان الإمامي لحقوق الإنسان
سعد حسون نهاي
إن معظم الناس حينما يقرأون أو يسمعون عبارة حقوق الإنسان يتبادر إلى أذهانهم في الحال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان غافلين أو جاهلين للإعلان الإمامي لحقوق الإنسان والمتمثل برسالة الحقوق للإمام علي بن الحُسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السَّلام) التي تعد الرائدة في مجال حقوق الإنسان، لأنها سبقت الإعلان العالمي لحقوق الانسان بعدة قرون.
فلو عقدنا المقارنة بين الإعلان الإمامي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنجد هنالك فرقاً شاسعاً بينهما شبيهاً بالفرق الموجود بين الفَرش والعَرش أو بين ضوء الشمس وضوء عود الثقاب، من حيث الأشخاص الذين قاموا بصياغة النصوص، ومن حيث الزمان، ومن حيث المكان، ومن حيث فحوى النصوص ومقدار حقوق الانسان التي شملتها، ومدى القابلية على التطبيق في كل زمان ومكان وعلى الناس كافة. فمن حيث الأشخاص نجد إن متن الإعلان الإمامي صاغه شخص واحد وهو المعصوم الثالث من بين تسلسل الائمة المعصومين الاثني عشر، الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السَّلام)، الذي استقى أحكامه من المنبعين الصافيين، وهما كلام الله تعالى الوارد في القرآن الكريم وكلام أكمل البشر من أول الدنيا وحتى فنائها ومن الآخرة إلى بقائها وهم أهل البيت الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا (محمد، عليٌ، فاطمة، الحسن والحُسين) – عليهم أفضل الصلاة والسلام- بينما تمت صياغة بنود الإعلان العالمي لحقوق الانسان من لدن لجنة صياغة شكلتها شعبة حقوق الإنسان في منظمة الامم المتحدة (CHR) عام 1947م (برئاسة إليانور روزفلت أرملة الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت وعضوية رينييه كاسان من فرنسا، ومدير شعبة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة جون بيترز همفري من كندا، ونائب رئيس اللجنة جيم تشانغ من الصين، ومقرر اللجنة شارل مالك من لبنان وآخرين) الذين استقوا أحكامه من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر عن الثورة الفرنسية عام 1789م وشريعة الماغنا كارتا (الميثاق العظيم) الصادرة عن نبلاء بريطانيا عام 1215 م، وشتَّان ما بين أن يكون النص مستخلص من كلام عامة البشر وما بين أن يكون مستشف من كلام رب البشر وسادة البشر.
حقوق الانسان
ومن حيث الزمان فقد سبق الإعلان الإمامي لحقوق الإنسان الإعلان العالمي لحقوق الانسان بأكثر من اثنى عشر قرناً اذا إن الإمام زين العابدين عليه السلام عاش (57) سنة امتدت من سنة(38 ه – 95 ه) وأصدر الإعلان الإمامي لحقوق الإنسان بعد استشهاد أبيه وأهل بيته في واقعة الطف الأليمة في كربلاء المقدسة التي وقعت سنة (61 ه)، وبذلك يعد هذا الإعلان أول إعلان قانوني جامع لحقوق الإنسان تم تدوينه في التأريخ البشري، في حين اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 8/كانون الأول/1948 الموافق 2/صفر/1368 ه، وغني عن البيان إن الإعلان الإمامي أقدم وأعرق.ومن حيث المكان فقد أقر الإمام زين العابدين (عليه السَّلام) نص الإعلان الإمامي لحقوق الإنسان على ما يبدو في بيته المتواضع آنذاك الواقع في المدينة المنورة بالرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلَّم) الكائنة في بلاد الحرمين الشريفين، بينما أقرت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في قصر شايو في باريس عاصمة فرنسا، ولا شك إن مكان إقرار الإعلان الإمامي أطهر وأقدس من مكان اقرار الإعلان العالمي.ومن حيث فحوى النصوص ومقدار حقوق الانسان التي أشتمل عليها كل من الإعلانين، سنجد إن الإعلان الإمامي لحقوق الإنسان تضمن كل الحقوق المترتبة على الإنسان تجاه الإنسان الآخر في حركاته وسكناته كافة، وفي كل منزلةٍ نزلها أو جارحةٍ قلبها أو آلة ٍ تصرف بها بغض النظر عن جنسه وعرقه وقوميته ولونه وسواء أكان مسلماً أو غير مسلم، ولم يقف عند هذا الحد بل زاد على ذلك، حينما تضمن الحق المترتب على الإنسان تجاه خالقه (تبارك وتعالى) الذي وصفه الإمام زين العابدين (عليه السَّلام) بأنه أكبر الحقوق وأصلها الذي تتفرع منه, علاوة على ذلك فقد تضمن الحقوق المترتبة عليه تجاه نفسه، من أجل أن يفقه الإنسان ما له من حقوق وما عليه من حقوق لربه ولنفسه وللإنسان الآخر، ويعيش بسلام في هذا العالم، إذ أورد الإمام زين العابدين (عليه السلام) خمسين حقاً مترتبة على الإنسان، نحو ربه ونفسه وغيره بدءاً من حقه تجاه ربه مروراً بحقوقه تجاه نفسه وجوارحه السبعة التي بها تكون الأفعال وصولاً إلى حقوق أفعاله، وحقوق أفراد أسرته وانتهاء بحقوق أهل ملته، وحقوق أهل الذمة وسنكتفي بذكر عنوانات الحقوق هذه تاركين شرحها وتفاصيلها إلى المصادر التي سنشير إليها قبل ختام هذا المقال، وهي: [1- حق الله. 2- حق النفس. 3- حق اللسان. 4- حق السمع. 5- حق البصر. 6- حق الرِجلين. 7- حق اليد. 8- حق البطن. 9- حق الفرج. 10- حق الصلاة . 11- حق الصوم. 12- حق الصدقة. 13-حق الهَديْ. 14- حق السائس بالسلطان. 15- حق السائس بالعلم. 16- حق السائس بالملك. 17- حقوق الرعية بالسلطان. 18- حق الرعية بالعلم. 19- حق الرعية بملك النكاح. 20- حق الرعية بملك اليمين.
21- حق الأم. 22- حق الأب. 23- حق الولد. 24- حق الأخ. 25- حق المنعم بالولاء.
26- حق الجارية. 27- حق ذي المعروف . 28- حق المؤذن. 29- حق إمام الصلاة. 30- حق الجليس. 31- حق الجار. 32- حق الصاحب. 33- حق الشريك. 34- حق المال. 35- حق الغريم الطالب لك. 36- حق الخليط. 37- حق الخصم المدعي عليك. 38- حق الخصم المدعى عليه. 39- حق المستشير. 40- حق المشير عليك. 41- حق المستنصح. 42- حق الناصح. 43- حق الكبير. 44- حق الصغير. 45- حق السائل. 46- حق المسؤول. 47- حق من سرك الله به وعلى يديه. 48- حق من ساءك القضاء على يديه. 49- حق أهل ملتك عامة. 50- حق أهل الذمة.].
بينما اشتمل الإعلان العالمي على دیباجة و(30) مادة، أكدت المادة (١) منه على إن الناس أحرار ومتساوون في الكرامة والحقوق، وتضمنت المادة (٢) منه إن لكل إنسان حق التمتع بالحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان من دون تمييز من أي نوع، وتكلمت المواد من (3 – 21) منه عن حقوق الإنسان المدنیة والسیاسیة وهي: (المادة3: الحق في الحیاة والحریة والأمان الشخصي. المادة 4: الحق بعدم الاستعباد. المادة :5 الحق بعدم التعذیب والمعاملة اللاإنسانية. المادة 6: الحق بالشخصیة القانونیة لكل فرد. المادة 7: الحق في المساواة أمام القانون وفي حق التمتع بحماية القانون . المادة 8: الحق في المحاكمة العادلة. المادة 9: الحق في عدم الاعتقال أو الاحتجاز أو النفي بشكل تعسفي. المادة 10: الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة محايدة نظراً منصفاً وعادلاً للفصل في حقوقه والتزامته. المادة 11: حق المتهم بالبراءة حتى تثبت إدانته في محاكمة علنية وفرت له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه. المادة 12: حق كل شخص في أن يحميه القانون من التدخل التعسفي في حیاته الخاصة أو شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ومن التعرض لمحملات تمس شرفه وسمعته. المادة 13: حق حریة والتنقل واختيار محل الإقامة داخل حدود الدولة. المادة 14: حق اللجوء السیاسي. المادة 15: حق الحصول على الجنسیة. المادة 16: الحق في الزواج وانحلاله. المادة 17: حق التملك. المادة 18: الحق بحریة الفكر والوجدان والدین، المادة 19: حق التمتع بحریة الرأي والتعبير. المادة 20: حق التمتع بحریة الاشتراك في الجماعات والجمعیات السلمیة .المادة 21: حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة للبلاد)، وخُصصت المواد من (٢٢ – ٢٨ (من الإعلان للحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة وهي:(المادة 22: الحق في الضمان الاجتماعي. المادة 23: الحق في العمل ومتطلباته. المادة 24: الحق في الراحة وأوقات الفراغ. المادة 25: حق الإنسان في مستوى معيشي يكفي لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته. المادة 26: الحق في التعلیم. المادة 27: حق المشاركة الحرة في حياة المجتمع الثقافية، والحق في حماية المصالح المعنوية والمادية. المادة 28: الحق في التمتع بنظام اجتماعي دولي تتحقق في ظله الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الأعلان). وأكدت المادة 29: من الإعلان على ان لكل فرد واجبات نحو المجتمع وإن ممارسته لحقوقه وحرياته لا تخضع إلا للقیود التي يفرضها القانون، وإن حقوقه يجب أن لا تُمارس بشكل يناقض مقاصد الأمم المتحدة، فيما وأشارت المادة (30) منه إلى إن الإعلان خالٍ من أي نص يمكن تأويله على نحو يفيد انطواءه على تخويل أية دولة أو جماعة أو فرد حق القيام بأي نشاط أو فعل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه.
فإذا أمعنا النظر في مضمون الإعلان الإمامي لحقوق الإنسان مقارنةً بالإعلان العالمي لحقوق الانسان، سنجد أَّن الإعلان الإمامي بلا شك أشمل وأكمل وأرقى وأنقى من جهة، وأبقى من جهة أخرى لأنه كان وما زال وسيظل صالحاً للتطبيق في كل زمان ومكان، فلم يجرِ عليه أي تعديل لغاية الآن على الرغم من مرور أكثر من أثنى عشر قرناً على تشريعه، على العكس من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي لم يمضِ على تشريعه سوى سنوات قليلة حتى بدأت الأمم المتحدة تستدرك ما فيه من قصور محاولة سد ثغراته بين الفينة والأخرى عبر إصدار اعلانات أخرى مخصصة مثل (إعلان الأمم المتحدة لحقوق الطفل الصادر في 20/ تشرين الثاني 1959م، إعلان الأمم المتحدة بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والنزاعات المسلحة الصادر في 14/كانون الأول/1974 م، وإعلان الأمم المتحدة بشأن المبادئ الأساسیة لتوفیر العدالة لضحایا الجریمة وإساءة استعمال السلطة الصادر في ٢٩/ تشرین الثاني/ ١٩٨٥، وإعلان الأمم المتحدة بشأن الحق في التنمیة الصادر في /٤ كانون الأول/ ١٩٨٦، وإعلان منظمة الدول الإسلامیة لحقوق الإنسان الصادر في ٥/ حزیران/ ١٩٩٠).
ويبدو لي إن غياب او تغييب مضامين هذه الرسالة عن المختصين بحقوق الانسان في العالم يعود إلى أسباب كثيرة، منها جهل العاملين في مجال حقوق الانسان بنصها ومضمونها، وتقصير المسلمين بشكل عام والامامية بشكل خاص عن تسويقها والترويج لها في العالم، فهي جديرة بأن تترجم لكل لغات العالم، وصالحة لأن تتطبق في كل مكان وزمان وعلى فئات المجتمع كافة، كونها تخاطب الانسان كانسان بغض النظر عن جنسه أو جنسيته او لونه او عرقه، أو قوميته أو دينه أو غير ذلك من الأوضاع.
من هنا ادعو كل من يملك القدرة على الترجمة او لديه القدرة على تسويق الافكار الإسلامية الناصعة النيرة، أن يبذل قصارى جهده في نشرها، لعلها تكون مناراً يهدي الحكومات والشعوب إلى احقاق الحقوق وتحقيق السَّلام في العالم، فقد روي عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السَّلام) أنه قال: “لو علم الناس محاسن كلامنا لاتبعونا”.
من هذا المنطلق وإكمالاً للفائدة، أقترح على القرَّاء الكرام الراغبين بالإطلاع على مزيد من التفصيل بشأن الإعلان الإمامي لحقوق الإنسان، الإطلاع على بعض الكتب والبحوث المفيدة في هذا الشأن المتاحة على شبكة المعلومات (الانترنت) وهي: (كتاب شرح رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السَّلام) للمحقق العلامة السيد حسن القبانجي، وكتاب القانون الأخلاقي في رسالة الحقوق للإمام علي بن الحُسين زين العابدين من تأليف قدرت الله مشايخي، وترجمة كمال السيد، وبحث: رسالة الحقوق والإعلان العالمي دراسة مقارنة في ضوء تحليل الخطاب للأستاذ المساعد الدكتور خالد حويِّر الشمس، وبحث دراسة مقارنة لحقوق الإنسان في رسالة الحقوق للإمام السجاد “ع” والإعلان العالمي لحقوق الإنسان للباحثَين م. د. هدى علي الخالدي، م. علي ضياء حسين).
وفي الختام أقول: إن كان هناك شك في تطبيق الإعلان الإمامي لحقوق الانسان على العالم أجمع في الوقت الحاضر، فلا شك عندي ابداً انه سيكون في يومٍ ما اعلاناً عالمياً يسري على البشر كافة في كل أرجاء المعمورة، إن شاء الله تعالى.