فم مفتوح .. فم مغلق
واقع (ثقافي) في جدار الوهم (4)
زيد الحلي
على « هواة « الإصدار النيء غير المطبوخ، وغير المدروس، ان يصبروا بعض السنين على ما يرونه مادة تصلح للنشر في كتاب، لتنضج وتتفاعل عناصرها حتى تصل الى التشكيل المقبول الذي يؤثر في وجدان القارئ.
وعليهم بالكاتب الكبير « كافكا « اسوة حسنة، فهذا الكاتب كان لا يثق بما يكتب في بداية مشواره الإبداعي الى الحد الذي كان يحرق فيه معظم كتاباته. كان يحسُ بالخجل كون أدواته وقدراته ليست على ما ينبغي لإصدار كتاب، فأين هؤلاء من عصر»كافكا»... انهم يتباهون بقصور أدواتهم، إذ يعتبرون ذلك فتحا جديداً في أسلوب الكتابة المعتمدة على «خربشات» ومنقولات، مثلها، مثل ثعابين تتجول في الظلام، متناسين ان المادة التي تصلح للإصدار في كتاب او النشر في مجلة او صحيفة، ينبغي ان تكون ساحرة، ممتعة، تتشكل من بيئة كلماتنا اليومية ، لكن وجدان الكاتب ينسقها بنفس متراكم، لتتناغم مع وجدان القارئ.. ان الموهبة المصقولة بتجارب السنين والناضجة على نار الزمن الهادئة، كقطرات الندى بالنسبة للأزهار.. فهل يتعظ هواة النشر وعاشقي اصدارات (الكتب) ؟
ان حزني على ظاهرة طباعة الكتب، بهدف التباهي، ينبثق من حزن على مرحلة تاريخية بأكملها، تلك التي اشرت اليها الحلقات السابقة، كانت مرحلة عزيزة انطوت صفحاتها، وحلت بدلها مرحلة تحمل هشاشة واحدة، وانني هنا أحتكم الى مكتباتنا، وآمل من المشرفين عليها ان يدلوا بآرائهم ، بشان بعض الكتب التي (غامر) بعض هواة التأليف بتوزيعها عليها بأيديهم، رغم قلة نسخها، لبيان المباع منها.. احد الأصدقاء من اصحاب المكتبات حدثني قائلاً ان كاتبا ممن يطل باستمرار من على شاشات التلفزيون، رجاه بعرض 15 نسخة من كتاب صدر له، وبعد مرور سنة كاملة لم يبع منه نسخة واحدة، رغم انه كان معروضاً في واجهة متميزة من المكتبة، في حين باع أكثر من مائتي نسخة من كتاب لمؤلف عراقي مضى على وفاته 18 عاماً !
Z_alhilly@yahoo.com