مراجعة كتاب العرب.. وجهة نظر يابانية لنوبواكي نوتوهارا
محمد الربيعي
كتاب «العرب: وجهة نظر يابانية» للكاتب نوبواكي نوتوهارا يمثل محاولة فريدة لربط الثقافتين العربية واليابانية. من خلال نظرة باحث ياباني عاش وتفاعل مع المجتمعات العربية لسنوات طويلة، يقدم نوتوهارا قراءة عميقة في الشخصية العربية، وعاداتها وتقاليدها، ويقارنها بالثقافة اليابانية. نوتوهارا هو أكاديمي ومترجم ياباني، قضى عدة سنوات في دراسة اللغة العربية والأدب العربي، وسافر إلى العديد من الدول العربية لاكتساب فهم أعمق للثقافة العربية.
يقول احد الكتاب العرب عن الكتاب: «شعورك نحو هذا الكتاب قد يكون متناقضا بين ان تحبه وتكرهه، تحبه لواقعيته وقدرته على وصف الواقع واسوأ ما فيه رغم انه من كاتب ليس عربيا ولم يعش بيننا ليكتشف كل هذه السلبيات والتي يبدو انها اصبحت واضحة أكثر مما يجب وتكرهه لأنه باختصار يضغط على ألمك في بلدك وأهلك ويظهر كم نحن متأخرين، فنحن لا نحب ان يتحدث الأجنبي عن بلادنا بهذا الشكل رغم أن كلامه لا تستطيع ان تنكر أي حرف فيه، ولكن هذا شعور لا تستطيع الغاؤه».
غياب حرية
يتحدث نوتوهارا في بداية كتابه عن القمع وغياب حرية الرأي وحرية الكلام فيقول: « اعتقد ان القمع هو داء عضال في المجتمع العربي ولذلك اي كاتب او باحث يتحدث عن المجتمع العربي دون وعي هذه الحقيقة البسيطة الواضحة فانني لا اعتبر حديثه مفيدا وجديا. اذ لابد من الانطلاق بداية من الاقرار بأن القمع - بكافة اشكاله - مترسخ في المجتمعات العربية».
يقدم الكتاب تحليلا مقارنا عميقا بين الثقافتين العربية واليابانية، مسلطا الضوء على اوجه التشابه والاختلاف بينهما. فمن ناحية، يشير المؤلف الى القيم الانسانية المشتركة بين الشعبين، مثل الكرم والضيافة واحترام الكبار والعناية بالاسرة. ومن ناحية اخرى، يسلط الضوء على الاختلافات في مفاهيم مثل الشرف والعائلة والدين، والتي تعكس تاثيرات التاريخ والجغرافية المختلفة على كل من الثقافتين. يلاحظ نوتوهارا «الشعور بالاختناق والتوتر كسمة عامة للمجتمعات العربية» وبواقع «توتر شديد ونظرات عدوانية تملا الشوارع».
وبالنسبة للنظام التعليمي يلاحظ نوتوهارا فروقا كبيرة بين اليابان والعالم العربي. يشير الى ان النظام التعليمي في اليابان يركز على بناء الشخصية وتنمية التفكير النقدي، بينما يشعر بأن التعليم في الدول العربية تقليدي ومركزا على التلقين. ويستغرب من ان «العرب لازالوا يستخدمون القمع والتهديد والضرب خلال التعليم، ويسألون متى بدا القمع؟!». يشير نوتوهارا الى كيفية تعامل اليابانيين والعرب مع البيئة. اليابانيون يعطون اهمية كبيرة للحفاظ على البيئة الطبيعية، بينما يلاحظ ان هناك تحديات كبيرة في الدول العربية تتعلق بالتعامل مع الموارد البيئية بشكل مستدام. يقارن نوتوهارا بين مستوى التقدم التكنولوجي في اليابان والدول العربية، ويلاحظ الفجوة الكبيرة في استخدام التكنولوجيا وتطويرها، ويشجع على تبني التكنولوجيا بشكل اوسع في الدول العربية لتحسين جودة الحياة.
يذكر في كتابه: « في مجتمع كمجتمعنا (المجتمع الياباني) نضيف حقائق جديدة، بينما يكتفي العربي باستعادة الحقائق التي اكتشفها في الماضي البعيد.. وحين يدمر العرب الممتلكات العامة فهم يعتقدون انهم يدمرون ممتلكات الحكومة، لا ممتلكاتهم».
بناء على هذه المقارنة الثقافية، ينتقل المؤلف الى تحليل عميق للشخصية العربية، مع التركيز على نقاط قوتها مثل الكرم والشجاعة، ونقاط ضعفها مثل العصبية والنزعات القبلية. ويقول انه «لكي نفهم سلوك الانسان العربي العادي علينا ان ننتبه دوما لمفهومي الحلال والحرام».
كما يحلل تاثير العوامل الخارجية، مثل الاستعمار والتحديث، على تشكيل هذه الشخصية وتطورها عبر الزمن. ويؤكد المؤلف على التنوع الكبير داخل العالم العربي، والذي يجعل من الصعب تعميم صفات معينة على جميع العرب. ويقارن نوتوهارا بين الطبيعة الجماعية في المجتمع العربي والطبيعة الفردية في المجتمع الياباني. يلاحظ ان العرب يميلون الى العمل بشكل جماعي والتفاعل الاجتماعي المكثف، بينما يُقدر اليابانيون الفردية والخصوصية فيذكر ان «المجتمع العربي مشغول بفكرة النمط الواحد على غرار الحاكم الواحد والقيمة الواحدة لذلك يحاول الناس ان يوحدوا اشكال ملابسهم وبيوتهم وارائهم ، وتحت هذه الظروف تذوب شخصية الفرد وخصوصيته». كما يلاحظ نوتوهارا ان اليابانيين يميلون الى تجنب الصراع والحفاظ على السلام الاجتماعي، بينما يرى ان العرب اكثر انفتاحا في التعبير عن ارائهم وقد يدخلون في نقاشات صريحة ومباشرة.
تاريخ معاصر
بعد تحليل الشخصية العربية، ينتقل الكتاب الى استعراض التحديات التي تواجه العالم العربي في الوقت الحالي، مثل التطرف والفساد والصراعات والتخلف الاقتصادي. ويربط المؤلف هذه التحديات بالتاريخ المعاصر للعالم العربي، وبالتاثيرات الخارجية التي تعرض لها.
وفي الوقت نفسه، يقدم المؤلف رؤيته لمستقبل العالم العربي، ويطرح بعض الحلول والمقترحات لمواجهة هذه التحديات. يتحدث نوتوهارا كثيرا عن مستويات الفساد في الدول العربية ويقارنها باليابان. يلفت الانتباه الى ان الفساد يشكل عائقا كبيرا امام التنمية في الدول العربية، بينما يُعزى النجاح الاقتصادي والاجتماعي في اليابان جزئيا الى الشفافية والمساءلة العالية.
كما يقارن نوتوهارا بين حرية التعبير في اليابان والدول العربية. يشير الى ان اليابان تتمتع بمستوى عالٍ من حرية التعبير والصحافة الحرة، بينما يلاحظ ان هذه الحرية مقيدة في العديد من الدول العربية، مما يؤثر على الابداع والتطور الاجتماعي. ويذكر ان «الحكومات العربية لا تعامل الناس بجدية، بل تسخر منهم وتضحك عليهم». كما يستغرب فهم ان يمدح الكاتب السلطة او احد افراد السلطة فعقول اليابانيين عاجزة عن فهم ذلك. ويقول مسترسلا «هذا غير موجود لدينا على الاطلاق. نحن نستغرب ظاهرة مديح الحاكم كما نستغرب رفع صوره في اوضاع مختلفة كأنه نجم سينمائي. باختصار، نحن لا نفهم علاقة الكتاب العرب بحكوماتهم».
اليابانيون والقضية الفلسطينية
اعتقد ان هذا الجزء من الاجزاء المميزة جدا وأشيد بالكاتب على تحليله النقدي المتعمق للقضية، حيث تجاوز الأفكار المسبقة واستطاع تقديم رؤية جديدة ومبتكرة. إن كتابته عن غسان كنفاني وأعماله أضفت عمقاً إضافياً لهذا التحليل. يقول نوتوهارا ان اليابانيين غيّروا رأيهم بشان القضية الفلسطينية. بعدما كانوا يستمعون في البداية للرأي العام الغربي، انتقلوا للتعرف بشكل اعمق على القضية. شارك الكاتب خبراته الخاصة من خلال لقاءات مع خبراء وكتاب من اليابان، الذين اعترفوا بان رؤيتهم قد تغيرت. اصبحوا يفهمون التحديات السياسية والانسانية بشكل افضل، واتهم بعضهم الاعلام الياباني بنشر افكار خاطئة ومضللة عن القضية. كتب نوتاهارا قائلا: «لقد عانيت بنفسي من غياب العدالة الاجتماعية وتهميش المواطن واذلاله وانتشار القمع بشكل لا يليق بالانسان، وغياب انواع الحرية كحرية الرأي والمعتقد والسلوك وغيرها.» هذه التجربة غيّرت وجهة نظر نوتاهارا نحو العرب والعالم العربي بشكل جذري. صار يدرك اكثر معاناة الشعوب واهدافها نحو الحرية والكرامة. بحسب الكاتب، يشكل الوعي المتنامي في اليابان بالقضية الفلسطينية خطوة مهمة ومفتاحا لفهم اعمق للمجتمع العربي بأكمله، بما في ذلك ثقافته وادبه ومطالبه العادلة. هذا الوعي المتزايد يعزز التفاهم والتعاطف بين اليابانيين والعرب، ويسهم في تعزيز العلاقات الثقافية والانسانية بين الشعوب.
العلاقات العربية اليابانية: تاريخ وحاضر ومستقبل
اخيرا، يتناول الكتاب العلاقات بين العالمين العربي والياباني، مستعرضا تاريخ هذه العلاقات بدءا من التجارة القديمة وحتى العلاقات المعاصرة. ويرى المؤلف ان هناك فرصا كبيرة للتعاون بين العالمين العربي والياباني في مختلف المجالات، خاصة في ظل التحديات المشتركة التي تواجه العالم.
من خلال هذا التحليل، يقدم الكتاب دروسا قيمة تبرز اهمية الحوار بين الثقافات وفهم الاخر وتقبل الاختلاف، مما يساهم في التعرف على الذات بشكل اعمق من خلال مقارنة ثقافتنا بالثقافات الاخرى. كما يلقي الكتاب الضوء على التحديات الجسام التي تواجه العالم العربي، ويؤكد على الحاجة الى التعاون الدولي لحل هذه المشكلات المعقدة والانفتاح على الثقافات الاخرى وتطوير التعليم بالقضاء على اساليب التلقين وانتهاج اسلوب التفكير النقدي، مما يثري فهمنا للاوضاع الراهنة في المنطقة.
من بين الاقوال التي لفتت انتباهي في الكتـــــــــاب ووردت على لسان كاتبه نوتاهارا :
« الكاتب والروائي المصري المعروف يوسف ادريس زار اليابان عدة مرات، ولقد قال لي: انه كان مستغرباً يبحث عن سر نهضة اليابان التي أدهشت العالم، هو نفسه كان مستغرباً ويريد أن يعرف الأسباب العميقة التي جعلت بلداً صغيراً معزولاً كاليابان يصبح قوة صناعية واقتصادية كبرى، وبعد الزيارة الثالثة سألته: هل وجدت الإجابة في اليابان؟ قال لي: نعم عرفت السبب.. مرة كنت عائداً الى الفندق في وسط طوكيو حوالي منتصف الليل، ورأيت عاملاً يعمل وحيداً فوقفت اراقبه ولم يكن معه أحد. ولم يكن يراقبه احد ومع ذلك كان يعمل بجد ومثابرة كما لو ان العمل ملكه هو نفسه، عندئذ عرفت سبب نهوض اليابان ..! وهو شعور ذلك العامل بالمسؤولية النابعة من داخله بلا رقابة، عندما يتصف شعب بكامله مثل ذلك العامل فأن ذلك الشعب جدير بأن يحقق ما حققتموه في اليابان «.«انني اسأل الاسئلة التالية البسيطة عن المجتمعات العربية: -هل يثق الاباء بابنائهم؟ وهل تثق الزوجة بزوجها؟ وهل يثق الفرد باقربائه وجيرانه وابناء مجتمعه؟ -هل يثق المواطن باحزابه السياسية؟ ام هل يثق بحكامه؟ -هل يثق المواطن العربي بالصحافة والقضاء والقوانين العامة؟ - هل يثق العاملون باداراتهم وارباب عملهم؟ ان الثقة لا تستورد ولكنها تنبت في النفوس وتنمو برعاية المجتمع كله. فمتى تعتمد المجتمعات العربية على رباط الثقة؟».«ماذا يفكر العرب ان يفعلوا بالمستقبل؟ ارى ان هناك مشكلة لابد ان تحل لكي يتمكنوا من العمل على حل مشاكل المستقبل. هذه النقطة هي مركز كتابي هذا، وأرى ان مشاكل كثيرة تخرج من «القمع». القمع مرض عضال ومشكلة اساسية في المجتمع العربي... انني اتمنى ان امشي في الشوارع العربية فلا ارى التوتر الشديد الذي جربته وشاهدته. اتمنى ان يختفي من الشارع العربي. وان تصبح وجوه الناس سعيدة».
بروفسور ومستشار مهتم بالتربية والتعليم والتكنولوجيا، جامعة دبلن