حكم ومواعض في كتاب مناهج ونتائج
محسن حسن الموسوي
الكتاب: مناهج ونتائج
تأليف: سماحة العلاّمة السيد حسين السيد محمد هادي الصدر ، حفظه الله
الناشر: الخزانة الكعبية / بغداد
عدد الصفحات: 186 صفحة
الطبعة: الأولى 1445هج / 2024م
يطلُّ علينا الحجّة العلاّمة السيد حسين السيد محمد هادي الصدر ، حفظه الله ، بجزءٍ جديد من موسوعته الباذخة الجمال ( موسوعة العراق الجديد) ويحمل هذا الجزء العدد الثالث بعد المئة ، وهو جهد موسوعي ومعرفي وتنويري يستحق الإشادة والتقدير لما في كتابات سيدنا الصدر ، حفظه الله ، من فكر وأدب موعظة ، قد لاتجدها إلاّ عند النوادر من الكتّاب والمفكرين المعاصرين.
إنّ الأوضاع التي يمرُّ بها المجتمع العراقي تحتاج إلى رجال حكماء يضعون بصماتهم المعرفية الحكيمة ، ويكونون فنارات في الطريق لكي يهتدي بها السائرون وسط الضوضاء والفوضى التي تشغل الأفق من كل الجهات.
وسيدنا العلاّمة الصدر ، حفظه الله ، ذلك الحكيم الذي يضع الدواء الشافي لكل داء حين يجد ذلك ضرورياً ، وكما يُنقل عن حكمة الصين: ( بدلاً من أن تلعن الظلام أشعل شمعة ) ، وهكذا كان هدف سيدنا الحجة الصدر ، حفظه الله ، في كتاباته الرصينة والحكيمة ، وكذلك في مجلسه الشهري العامر ، حين يضع النقاط على الحروف في قضايا الدين والاجتماع والسياسية والأمور التي تهم الإنسان المسلم المعاصر ، فهو ذلك التلميذ النجيب لمدرسة أهل البيت عليهم السلام ، وقد تتلمذ على أبرع وأهمّ العلماء في هذه المدرسة ، ويكفيه فخراً أنه وكيل وتلميذ السيد الخوئي قدس سره ، ووكيل وتلميذ السيد الشهيد محمد باقر الصدر ، قدس سره .
هذا الجزء الجديد من الموسوعة ، ضمّ الكثير من الموضوعات التي تهمّ الإنسان في طريقه للدين والدنيا.
وفي مقدمة هذا الجزء يقول سماحته ، حفظه الله:
( لا إصلاح أهمّ من إصلاح النفس وتطهيرها من الأدران ، والسعي الجاد لتعميق صلة الفرد والمجتمع والدولة بالله ، حيث أنّ مرضاته لا بدّ أن تكون نُصب أعيننا في كلّ ما نمارسه من أعمال وما نطلقه من أقوال) .
ويستشهد بقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم لأمير المؤمنين علي عليه السلام:
( وأيم الله لأن يهدي الله على يديك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت)
إنّ الجانب التربوي والأخلاقي يطفح في كتابات سيدنا الحجّة الصدر ، حفظه الله ، وذلك لملاحظته لِما يتعرّض له المجتمع من غزو فكري مبرّمج لمسخ هويته الإسلامية من خلال الإعلام الذي أصبح أداة من أدوات الهدم والتشويه لكل مكارم الأخلاق .
ويذكّرنا بأحد كلمات الإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام ، في أحد الأدعية حينما يقول عليه السلام:
أمان واطمئنان
( وعمّرني ما كان عمري بِذْلةً في طاعتك)
ثمّ يعقّب على ذلك بقوله:
( إنّ العمر المبذول في طاعة الله هو العمر المطلوب ، لأنه حافل بالحسنات ، أما العمر الطويل الحافل بالسيئات والذنوب فهو وبال على صاحبه) .
إنّ الإيمان بالله واليوم الآخر ، تجعلك تخاف الله سراً واعلاناً ، ولاتقرب ما حرّم الله في كلّ مسيرة حياتك ، وذلك ما يعطي للمجتمع الأمان والاطمئنان ، وتلك هي أهم شروط السعادة واستقرار المجتمع.
وهنا يتساءل سيدنا الصدر ، حفظه الله :
( ماذا يجري إذا انقطع الكهرباء وتعطلت عن العمل عيون الرصد ؟
يسارع الكثيرون إلى انتهاب وسرقة ما يمكنهم حمله من البضائع الموجودة في تلك المحلات والهروب بها في جنح الظلام.
إنّ هؤلاء لايخافون الله ، إنما يخافون من ملاحقة الأجهزة الأمنية والقضائية.
إن الخوف من الله هو صمّام الأمان في الحفاظ على الحقوق وسلامة المجتمع )
وهنا يروي حديثاً عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام :
( خفِ الله كأنّك تراه ، وإنْ كنت لاتراهُ فإنه يراك ، فإنْ كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت ، وإنْ كنت تعلم أنه يراك ثمّ برزت له بالمعصية فقد جعلته أهون الناظرين عليك) .
هذه النفس الإنسانية ، التي تحمل ما بين جنبيها النقائض ، والنقائص ، وكل متناقضات الحياة ، حبٌ وكرهٌ ، صبرٌ وجزع ، إيمان وكفر ، وكل ما يخطر على البال ، ومع كل ذلك فنحن البشر نحبُّ ذواتنا ،، ونهيم بها ، ونطلب المزيد من العمر لها ، ونبالغ في مواهبها وبراعاتها ، ولا ننظر إليها بريبة في كلّ أعمالها ، تلك النفس يحدّثنا عنها سيدنا الحجّة الصدر ، حفظه الله:
( ما أكثر عشّاق الذات ، إنهم يهيمون بذواتهم عشقاً وينزهونها من كل عيب أو تقصير ويبالغون في ما تملك من مواهب وبراعات في منحى مغموس بالمبالغات والتهويل وبعيد عن الدقّة والموضوعية...ومن الخطأ الفظيع نسيان الحقيقة القائلة: بأن نفس الإنسان هي أعدى أعدائه لماذا ؟ لأنها قد تزين له القبيح وتصده عن الجميل من الأفعال أحياناً ) .ثمّ ينقل سيدنا الصدر ، حفظه الله ، قصة من التاريخ:
( إنّ رجلاً كان يسمّى ( عبد الملك بن عيّاش) وكان ممن اطاع الله في صغره ، ولكنه لمّا كبر سنّه انقلب على نفسه وأخذ يقترف المعاصي ، وقد أنّبه ضميره فقال ناقداً نفسه:
عصيتُ هوى نفسي صغيراً
وعندما رماني زماني بالمشيبِ وبالكبرْ
أعطتُ الهوى عكس القضيةِ ، ليتني
ولدتُ كبيراً ثم عُدتُ إلى الصغرْ
إنّ بناء الحضارات العظيمة تحتاج إلى رجال عظماء ، ينكرون ذواتهم في سبيل الله وسبيل المجتمع ، وهكذا ترتقي الأمم والشعوب ، ولا يظنّ أحدٌ أنّ العلماء عاشوا حياةً مرفهة ، فيها كل ما يلذّ ويُشتهى ، بل هي سلسلة طويلة من الصبر والمعاناة ، ويحدّثنا سيدنا الصدر ، حفظه الله ، عن جانب منها:
( لم تكن حياة معظم العلماء إلاّ سلسلة طويلة من المعاناة والضيق المالي ، ولم يكن الطريق مفروشاً لهم بالورود والرياحين ، ومع شدّة تلك التحديات ثبتوا وواصلوا مشاويرهم دون نكوص أو هزيمة ، والشدائد تصنع الرجال ، أما الشخصيات الهشة التي لا تصمد أمام الصعاب فإنها لا تنال شرف الإسهام في المهام الكبرى ، وأية مهمة أكبر من إرساء صروح الحضارة ؟
لقد جاء في شهادة وفاة الفيلسوف الكبير الشيخ عبد الكريم الزنجاني ، وهو من كبار علماء النجف الأشرف ، أنها كانت بسبب سوء التغذية ، وسوء التقدر يعني الحرمان من تناول الأطعمة الضرورية.
وحين سافر الشيخ الزنجاني إلى مصر وألقى محاضراته الفلسفية فيها قام الدكتور طه حسين وقبّل يده وقال: هذه أول يد اقبّلها ) .
دعوة قرانية
ويدعونا سماحة العلاّمة الصدر ، حفظه الله ، إلى القراءة ، والاستمرار في القراءة ، لأننا أمة ( اقرأ) ، فماذا نترك القراءة وهي دعوة قرآنية وطريق لكسب المعارف والفوز بخير الدنيا والآخرة.
يقول سيدنا الحجّة الصدر ، حفظه الله:
( نحن أمة ( اقرأ) ولكنّ القرّاء عندنا قليلون ..!!
وهذه مفارقة محزنة للغاية.
إنّ الفكر والمعرفة والمعطيات العلمية والثقافية هي الغذاء الحقيقي للعقل ،كما أنّ الطعام هو الغذاء الحقيقي للأجسام ، وحين تزهد في القراءة فإنك تحرم عقلك من ثمار عقول العلماء والمفكرين والأدباء والمثقفين وتحبسه في نطاق ضيّق لا يرتفع بك إلى القمم السامقة ، بل يدعك تعيش في السفوح) .هذه جولة سريعة في هذا الجزء من ( موسوعة العراق الجديد) ، وفيه الكثير من الموضوعات المهمة أترك القارئ أن يكتشفها ويستفاد منها.