الفيلم الإيراني الشاهد يبحث عن الحرية في ظل غياب العدالة
جماليات سينمائية سريعة الإيقاع بمهرجان القاهرة
القاهرة - سعد المسعودي
تمنحنا السينما الأيرانية من وقت لآخر افلاما مدهشة تتخطى مقص الرقيب وتثير جدلا لدى الاوساط السينمائية والشعبية في الداخل الأيراني وخارجه , لأنها افلاما تحمل افكارا من نبض الشارع الأيراني الذي يعاني من هيمنة وقسوة نظام الآداب أو «شرطة الأخلاق « المفروض على النساء في ايران ,فيلم «الشاهد»للمخرج نادر سيفار من مواليد مدينة «تبريز» المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي بدورته 45 يفضح تلك الممارسات التي يرفضها الشارع الأيراني , وتدور احداث الفيلم في إيران، مجموعة من النسوة الأيرانيات كاشفات عن شعرهن وتبدو « تارلان « تتوسطهن ,وهي المعلمة المتقاعدة في الرقص، تشاهد تمارين للرقص التعبيري في احد مسارح ايران السريّة وهي الشاهد الوحيد على جريمة قتل ارتكبها شخصية بارزة في الحكومة. عندما ترفض الشرطة التحقيق، يتعين على» تارلان» أن تختار بين الاستسلام للضغوط السياسية أو المخاطرة بسمعتها وسبل عيشها من أجل السعي لتحقيق العدالة. الفيلم صور بجماليات سينمائية عالية وبأيقاع سريع ينتقل بنا الفيلم من اجواء الرومانسية والرقص واجساد رشيقة تجيد الرقص الايراني الفلكلوري القديم الى معركة مع الابنة التي كشفت عن شعرها وهي تجلس داخل سيارتها لتاتي مراقبة الاخلاق الحميدة لتقدم لها النصائح بوضع الشال على شعرها ويبدأ حوار بينهما ينتهي بتهديد المراقبة بانها ستستدعي شرطة الأخلاق لأصطحابها الى ان الام المتبنية لها قد أفلحت بأقناع مراقبة النساء بأن ابنتها تمر بظروف صعبة بسبب سفرزوجها الى دبي للعمل . ثم تتوالى احداث الفيلم الذي يفضح انتهاك حقوق المرأة من خلال سرد أحداث بقية الفيلم من زاوية معلمة الرقص الايرانية « تارلان» الحاضرة في كل المشاهد، في الطريق والمنزل ومع ابنتها التي تبنتها « زارا» تستمع لمشكالها مع زوجها الثري والمسؤول الحكومي المهم « سوالت «الذي دائما يقوم بتعنيفها ويضربها بعنف تاركا الكدمات على جسدها الذي تكتشفة امها بالصدفة ولم يكتفي الزوج بضرب زوجته بل قام بتغليف بيتها بستائر عالية وقام بأغلاق جميع الستائر ورفض ان تنظر الى السماء وتبقى حبيسة البيت, ويتزامن مع هذا العنف الأسري وقوع جريمة القتل واللغز الذي رافق السيدة « تارالن « وهي شاهدة على أدلتها ومتأكدة منها ، وبينما نبدو أمام خط سردي واضح بحبكة ظاهرية تقليدية، وهي حبكة الجريمة واللغز ويحاصر الشاهد الوحيد على جريمة مع ظلال وصاية دينية مجتمعية على المرأة نرى ذلك من خلال معلمة الرقص «تارلان» وعلاقتها المتينة بابنتها بالتبني «زارا» وما يؤول له عشقها للرقص وسط كل ذلك نشاهد مشاهد ثورية الفن والالوان وروح الأنثى الطاغي على عنف المجتمع الذكوري في ايران. ويمتد التعبير البصري عن حصار هذا المجتمع المكبل، بتشكيل وتصوير متميز، فالجميع عادة داخل أماكن مغلقة كالسيارات، في لقطات مقربة خانقة و مؤطرة، تبدو فيها أبوابا مغلقة وقضبان، مع حالة لونية عامة شاحبة رمادية، تسود فيها ملابس النساء وأغطية شعورهن السوداء غالبا، وملابس رمادية وقاتمة للرجال، يرافقها مشاهد حزينة وبالعمق مسيرا لأناس تمار اللطم وترديد شعارات دينية متظرفة ومشاهد اخرى لزيارة القبور , الفيلم سوادوي وليس فيه فسحة للأمل كل شئ مرتبط حسب توجيهات الدولة من خلال إيحاءات القمع السياسي ونقد السلطة، كوجود صورة الحاكم في مبنى السجن بجوار القضبان، وهو مشهد ذو تكوين منظوري نرى فيه معلمة الرقص « تارالن» تزور ابنها في السجن، مع تكرار ارتداء نفس ملابس رثة وقديمة . وقد ادت الفنانة مريم بوباني دورا مركبا وصعبا لدور» تارالن» ، ومعها نادربور سوالت وعباس إيماني» الابن سالار» في أداء عال ومتميز، وكذلك بقية الممثلين ,ويبدو أن الفيلم يجمع فريقا ثوريا تعرض للاعتقال ومنهم مخرج الفيلم وكذلك كاتب الفيلم المخرج جعفر بناهي، والمغني الذي ادى أغنية نهاية الفيلم «مهدي يراحي»، الذي اعتقل بسبب هذه الاغنية التى تحمل عنوان «وشاحك» وهي تحيّ الحركة الثورية المرأة والحياة والحرية ، والتي تنادي بالحجاب الاختياري , واعتقلت وقتلت منها عدة فتيات، ومن كلماتها : اسحبي الستارة حتى تسعد السماء، انزعي وشاحك فعطرك سيجعل الهواء أفضل ، الفيلم يحمل تحية لهذه الحركة ولهذه الاغنية الثورية ، وفي نهاية الفيلم الذي امتد لـ «100» دقيقة نلمح في إحدى اللقطات فراش المدرسة الخاصة بالفتيات يمسح كلمات من الحائط كان آخرها كلمة» آزادي « ثالث كلمة في الشعار والتي تعني الحرية، أما الفتاة «غزل « فلها رقصة تجسد عبارات في الاغنية وهو نهاية الفيلم ، هل سيتحرك الغبار الثقيل؟ عندما تبتسم في نهاية الفيلم تارلان تشعر بالأمل, لأن هذا الجيل سيستمر فيما يفعله لكنهم سيفعلون ذلك بطريقتهم الخاصة,هذا مايريد تأكيده مخرج الفيلم سايفار حيث يقول «أعتقد أن هـذه هـي الطريقة الوحيدة لأنقاذ إيـران علينا الأمتناع عن أي عنف و في الختام يربط الفيلم قصته الخيالية بشكل صريح بحركة المرأة والحياة والحرية.