لعبة الصبر والتصابر اللا إستراتيجية
محمود صالح شيرواني
التاريخ الإسلامي مر بمراحل قاسية جدا، والمجتمعات العربية والإسلامية تجاوزت صعابا كثيرة وأعادت إحياء نفسها كثيرا، وهذا الكلام رغم أنه حقيقة، لكنه غالبا ما يقال ويكتب من أجل الهروب من تحمل المسؤوليات والقيام بالواجبات، سواء الاجتماعية أو السياسية، أو من أجل إعطاء شحنات من «الصبر» للشعوب لتتحمل المزيد من المصائب والأزمات، وهكذا دواليك.
ولكن في المقابل، وهذا نادرا ما يقال للشعوب لتستوعب الدروس ولا تكرر الأخطاء، في طيات التاريخ (الذي غالبا ما يبيض ويجمل بحجج وذرائع سخيفة ولا يستفاد من دروسه وعبره وتجاربه) مرت المجتمعات العربية والإسلامية أيضا بمراحل ذل وهوان خضعت لها كليا، واستسلمت لمصائرها دون تحديات واستجابات إيجابية، حتى تجد أن لا أثر ولا تأثير للكثير من المجتمعات في مراحل كثيرة من التاريخ الإسلامي. أي أن أجيالا ولدت وماتت دون أن تنهض بأنفسها علميا وماديا وحضاريا أو تنال حرياتها.
وكمثال على ذلك، فترة الحكم العثماني، فطوال قرون عديدة، خضعت مجتمعات عربية وكردية وغيرها لهذا الحكم، وفي الحساب يعتبر حكما إسلاميا خلافيا يُبكى على زواله اليوم من قبل الحالمين بعودة أيام الخلفاء عبثا، وفي الحقيقة ولدت أجيال وماتت تحت هذا الحكم دون أن يكون لوجودها أثر حسن، لها وللعالم.
وليس هناك أي دليل على قول أن تحمل المراحل السيئة يعني إزالة الذل في نهاية المطاف، بل قد يعني تثبيت حالة الذل بشكل دائم، إذا عدمت شروط النهضة والتحدي الإيجابي واختيار طريق المواجهة والكفاح والثورة. فقد يتغير الفرعون ويأتي فراعين آخرين، ويذهب نظام استبدادي، ويحل محله نظام أشد استبدادا.
وبالعودة إلى مثال الحكم العثماني نذكر بأن في نهاية قرون الاستبداد العثماني الخلافي، لعبت القوى الدولية الكبرى في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، بمصائر مجتمعات وممتلكات ومقدرات الشرق.
فكانت نتيجة تحمل المجتمعات استبداد الحكم العثماني لأكثر من أربعة قرون، سيطرة القوى الاستعمارية الغربية الكبرى على أراضي الدولة العثمانية شيئا فشيئا، وتقسيمها فيما بينها. ورغم أن الشعوب كافحت من أجل التخلص من وجود القوى الاستعمارية على أراضيها، إلا أن هذه القوى لم تترك بلاد الشرق إلا حين وضعت نظما سياسية استبدادية تبعيتها المباشرة وولائها المطلق لها.
فمن صبر إلى صبــــــر، ومن سلبية إلى سلبية، ومن خضوع إلى خضوع، لا تكون النتيجة إلا المزيد من خــــــلق الأزمات والويلات للشعوب.
واليوم، الحالة ذاتها تتكرر، فرغم أن الحرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة مستمرة منذ أكثر من 400 يوم، وعدد الشهداء تجاوز آل 45 ألفا، تشاهد أن الشعوب العربية والإسلامية عجزت عن أن تتحرك لنصرة غزة، وكل ما تفعله هو «الدعاء» لهم، و»الصبر» على قمع النظم الاستبدادية الحاكمة لأصواتهم وإراداتهم، وكلما زادوا صبرا، ازدادت إسرائيل بطشا بإخوانهم.
فمتى ستنتهي لعبة الصبر والتصابر يا ترى؟