الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
هل سيطيح ترامب بالنظام الإيراني ؟

بواسطة azzaman

هل سيطيح ترامب بالنظام الإيراني ؟

منقذ داغر

 

هذا سؤال تردد كثيراً بين العراقيين خلال الايام القليلة. وبغض النظر عن الامنيات والدوافع التي تقف وراء هذا السؤال،فأنه يبدو لي سؤالاً طالما تردد قبل ذلك سواء خلال فترة ترامب الاولى أو ما تلاها. ورافقه سؤال مكرر آخر يتعلق بمستقبل النظام السياسي في العراق. فلطالما سمعنا وقرأنا ورأينا(محللين وسياسيين) أطلقوا تصريحات نارية بخصوص أعادة احتلال العراق واسقاط نظامه،أو الهجوم على ايران للقضاء على نظامها! وكنت في كل مرة أجيب:عليكم أن تميزوا بين التحليل العلمي العملي وبين الأماني والرؤى (الشيبانية).فالأولى تستند لحقائق ومعلومات والثانية تستند الى أبو علي الشيباني ومعلِّمه بالغيبيات. وهاكم بعض الحقائق والمعلومات:

1. بعد أنسحابها من أفغانستان والعراق،فأن أمريكا لن تفكر ولمدة طويلة قادمة بغزو أي بلد وتكرار تجاربها الفاشلة،وخسائرها الهائلة.لقد تعلم الجمهوريون والديموقراطيون أن ثمن تغيير الأنظمة عسكرياً غالي جداً وغير مضمون،بل وغير مأمون.في نفس الوقت بات العراق والفوضى التي رافقت ما بعد غزوه،درساً قياسياً في الاستراتيجيات الأميركية،وهو ما دفع أوباما لايقاف هجومه لاسقاط النظام السوري في آخر لحظة لمنع تكرار ما واجه امريكا والعالم في العراق.

تفعيل طائرات

2.هذا لا يعني عدم السعي لتغيير الأنظمة أمريكياً لكنه يعني أن الأقتصاد والسياسة يمكنهما أن يفعلا أكثر بكثير مما تفعل الطائرات والدبابات،وبكلفة أستراتيجية أقل.

3.سربت الأوساط القريبة من نتنياهو مؤخراً أخبار بأن التخطيط للاطاحة بالنظام الأيراني-بالتعاون مع أدارة ترامب-قد بدأ منذ أشهر وان هناك خطة جاهزة لذلك بحسب صحيفة (يسرائيل هيوم) اليمينية القريبة من نتنياهو. كما صرّح (الفيلسوف)الفرنسي الصهيوني المعروف بولاءه المطلق لاسرائيل برنار هنري ليفي، في مقابلة خاصة مع «إيران إنترناشيونال»، بأن الولاية الثانية للرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، ستضع النظام الإيراني أمام خيارين: إما الدخول في صفقة كبيرة مع الولايات المتحدة وإما مواجهة السقوط، على غرار ما حدث لألمانيا النازية .

هذه التسريبات والتصريحات على ما يبدو مقصودة لأسباب تفاوضية وليس لاسباب عملياتية. فأمريكا التي تورطت في العراق وافغانستان تدرك تماماً حجم صعوبة التورط في بلد مثل ايران الحالية التي هي اكبر مساحةً واكثر قدرةً على ايذائها مقارنة بأفغانستان والعراق .نعم يمكن ان ينجح الغزو الامريكي لايران وتنجح عملية الاطاحة بالنظام هناك كما نجحت في العراق،لكن السؤال الذي بات الاميركان يطرحونه دوماً وبقوة منذ غزوهم للعراق: ماذا سيحصل في اليوم التالي؟ ومن البديل القادر على ضبط كل هذه الميليشيات والقوى(الثورية) التابعة لايران في الداخل والخارج؟وماذا عن مخزون أيران من الاسلحة؟ ومن هو البديل الذي سيتفق عليه الايرانيون؟ هذا فضلاً عن اسئلة كثيرة اخرى لا يبدو أن لها إجابات مضمونة!

أما على الجانب الاسرائيلي فانهم يعلمون ان الخوف هو فقط من ايران نووية، بخاصة بعد ان تم تدمير قدرات اهم اتباع ايران القادرين على ايذاء (اسرائيل) وأقصد بهم حزب الله، والميليشيات المتمركزة في سوريا.

ان ايران منزوعة الدسم النووي لا تشكل تهديداً لاسرائيل بل قد تكون مفيدة لها في جعل مزيد من العرب ينضمون للاتفاق(الابراهيمي)،وفي استثمار الخطاب الايراني (الثوري) للابقاء على التوترات التي تخدم مصالح (اسرائيل)وامريكا في المنطقة. أن وجود إيران ثورية غير مؤذية للمصالح الامريكية - الاسرائيلية ليست فكرة سيئة على ما يبدو. لذا يجري الان الاعداد لمرحلة تفاوضية جديدة بين ادارة ترامب (الصقورية)وتصريحاتها النارية،وبين طهران التي باتت تعي خطورة موقفها الحالي والمستقبلي في حال رفضت التفاوض او صعدت من سقف مطالبها. من هنا يبدو ان كل ما يثار الان عن اسقاط النظام الإيراني يقع ضمن نطاق الحرب النفسية التي تسبق المفاوضات.

4.هنا لا بد من الاستعانة ببعض التصريحات الايرانية-الترامبية لمعرفة صحة التحليل اعلاه.

لقد جاء على لسان الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان مؤخراً (أن طهران لن تتمكن من تجاهل عدوها اللدود، الولايات المتحدة،وسواء شئنا أم أبينا، سيتعين علينا التعامل مع الولايات المتحدة على الساحتين الإقليمية والدولية، لذا من الأفضل أن ندير هذه العلاقة بأنفسنا).

سياسة ضارة

أما نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، محمد جواد ظريف، فقد دعى ترامب إلى تغيير سياسات الماضي الخاطئة قائلا: (كرجل حسابات، عليه أن يقوم بالحسابات ويرى ما هي مزايا وعيوب هذه السياسة، وما إذا كان يريد الاستمرار هذه السياسة الضارة أو تغييرها).

أما بالنسبة لترامب نفسه فعلينا ان لا ننسى ما صرح به سابقاً خلال حملته عندما سُئل فيما لو انه كان يفضل ان تتم الاطاحة بالنظام الايراني والعودة بنظام الشاه فأجاب(يجب علينا ان لا نتورط الى هذا الحد،وعلينا ان نكون صادقين مع انفسنا فنحن لا نستطيع ادارة الأمر كلياً)!وعندما قيل له(ماذا تتمنى ان تكون ايران عليه في نهاية ولايتك؟) فأجاب: أريد رؤية إيران ناجحة،لكن بدون سلاح نووي). كما يجب التذكير بما قاله ترامب في اثناء ولايته في 2019، وبعد سنة على الانسحاب من الاتفاق النووي،أذ صرح بأن(كل ما يجب فعله هو الاتصال والجلوس معي، وعندها يمكننا عقد صفقة نزيهة. نحن بالإجمال لا نريد أن يكون لديهم سلاح نووي. ما نطلبه ليس كثيراً، نحن سنساعدهم على العودة إلى وضع ممتاز).

واضح أذاً أن خوف البعض،أو أماني البعض الآخر بالإطاحة بنظام طهران من قبل إدارة ترامب ليس له أي مصداقية كبيرة.

وأن جلّ ما يمكن توقعه هو جولات من المفاوضات الشاقة والصعبة والتي يجيد كلى الطرفين الترامبي والايراني التعامل معها والتي ستنتهي غالباً بنزع التهديد بسلاح نووي ايراني وايقاف جزء من منظومة التصنيع العسكري التي يمكنها تهديد اسرائيل فضلاً عن نزع أنياب حزب الله المهددة لاسرائيل. ولضمان تحقيق ذلك فقد أحاط ترامب نفسه بصقور الصقور في السياسة الخارجية الأمريكية والذين سيجري التلويح بهم وبتشددهم وما يمكن ان يفعلوه في حال أمتنعت إيران عن تنفيذ ما يريده ترامب-نتنياهو من هذه الصفقة.أما على صعيد بقية الميليشيات والاذرع الايرانية فأنها غالباً ما ستبقى مع سيطرة أكبر على أنشطتها بخاصة تلك الموجهة للتواجد الامريكي في سوريا والعراق.

مع ذلك يجب التنبيه الى بعض المتغيرات التي يمكن ان تؤثر على هذا السيناريو وأهمها مدى قدرة طهران على ضبط جناحها المتشدد وحرسها الثوري ومنعهم من مثل هذه الصفقة التي تحد من نفوذهم الاقليمي. كما أن مقدار تأثير السعودية في هذه الصفقة غير واضح ويعتمد كثيراً على مقدار ما سيتم أغراء ترامب به من مكاسب نتيجة ضخ مزيد من الاستثمارات والأموال في سعودية في أمريكا. ويعتمد كذلك على مدى نجاح محاولات التوصل لاتفاقات بين الحكومة الايرانية وخصومها في الجوار العربي.

بقي سيناريو واحد يمكن ان يجلب مزيد من العقوبات والمشاكل ليس لايران فقط بل لكل المنطقة وهو رفض الجناح المتشدد في ايران لمثل هذه الصفقة. هذا السيناريو يستند الى معلومات عن امكانية شعور صقور ايران بان الصفقة التي تريد أمريكا-إسرائيل عقدها مع ايران تمثل ثمناً مرتفعاً لا يمكن القبول به لانه صفقة ربح-خسارة وليس ربح-ربح. مثل هذا السيناريو لن يؤدي بالضرورة لإسقاط النظام لكنه سيكون مكلف جداً له،وسأحتاج لمقال اخر لتفصيله.


مشاهدات 153
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2024/11/19 - 12:42 AM
آخر تحديث 2024/12/03 - 5:50 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 393 الشهر 1231 الكلي 10057326
الوقت الآن
الثلاثاء 2024/12/3 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير