هل ينبغي على كرد سوريا وتركيا وضع أيدهم على قلوبهم؟
نخب: مكانة الإقليم بالاستراتيجية الأمريكية ترتبط بإعادة تنظيم البيت الداخلي
باسل الخطيب
أكد باحثون وناشطون وإعلاميون كرد، على أن تعزيز مكانة إقليم كردستان بالاستراتيجية الأمريكية يتطلب إعادة تنظيم البيت الكردي الداخلي والالتزام بالحكم الرشيد والحد من الفساد وكبت الحريات، وفي حين دعوا الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب للمساعدة في إبعاد العراق عن الصراعات الإقليمية وإنقاذه من الجفاف، وحل المشاكل المزمنة بين بغداد وأربيل، رأوا أن على كرد سوريا وتركيا وضع أيديهم على قلوبهم.
ويحبس العالم أنفاسه مترقباً لحظة تربع الرئيس الأمريكي الجديد القديم “دونالد جون ترامب” رسمياً على عرش البيت الأبيض، في 20 كانون الثاني/ يناير 2025 المقبل، بعد اكتساحه، وحزبه الجمهوري، الانتخابات والسيطرة المريحة على مجلسي النواب والشيوخ والمحكمة الاتحادية.
وعود شعبوية
وقال عبد السلام برواري، الأكاديمي والنائب السابق في برلمان كردستان، إن من “الصعب التكهن بما سيحدث في الساحة العالمية في عهد ترامب لاسيما أنه يتعامل مع القضايا السياسية بأسلوب رجل الأعمال ما يجعلنا نخفض من سقف توقعاتنا لما يمكن أن ينجزه من الوعود التي أطلقها خلال حملته الانتخابية وغالبيتها شعبوية لدغدغة مشاعر الناخبين ولن يدوم تأثيرها طويلاً خصوصاً إذا ما علمنا أن أمريكا دولة مؤسسات وتقاليد سياسية”، معرباً عن اعتقاده أن ترامب “سيركز على القضايا المحلية وعدم الانخراط في الصراعات العالمية برغم وجود عوامل تلزم واشنطن بالمضي قدماً في سياساتها المتبعة من قبل ومنها تهديد الحوثيين للملاحة العالمية في البحر الأحمر وما بدأته إسرائيل سواءً في غزة أم لبنان”.
أمريكا أولاً
وقدر تعلق الأمر بالتوجهات الأمريكية في عهد ترامب، لاسيما تجاه الشرق الأوسط، رأى الباحث السياسي البروفيسور د. كمال عبد الله، أن أهداف الاستراتيجية الأمريكية تجاه جيواستراتيجية منطقة الشرق الأوسط “لن تشهد تغيراً جوهرياً بوصول الرئيس الجديد دونالد ترامب كون الأهداف تحددها المؤسسات بما يخدم أمن المصالح الأمريكية وأمن إسرائيل”، معرباً عن اعتقاده أن السياسة الأمريكية “ستتركز على إنهاء الأزمات والحروب في المنطقة كونها قد حققت أهدافها في استنزاف قدرات الدول والمنظمات المؤثرة وبات الجميع يطالب بإيجاد مخرج من هذا الواقع المتأزم لتجاوزه وتحقيق حالة من الاستقرار السياسي والأمني في الشرق الأوسط”.
بدوره رجح د. إبراهیم صادق ملازادة، مدير مركز الإبادة الجماعية والبحوث الاجتماعية في جامعة سوران، أن “تركز إدارة ترامب على سياسة أمريكا أولاً مع التأكيد علی الحماية التجارية والحد من الالتزامات الدولية والتدخلات العسكرية الخارجية مع الاستعداد لتوجيه ضربات مباشرة لأهداف منتخبة”، منوهاً إلى أن إدارة ترامب “ستواصل دعمها القوي لاسرائیل وتوسيع اتفاقیات إبراهيم لتطبیع العلاقات بین اسرائیل والدول العربیة”.
وتوقع ملازادة، أن “تعمق إدارة ترامب علاقاتها القویة مع المملكه العربیة السعودیة والإمارات العربیة المتحدة مع التركیز علی التعاون العسكري ومبیعات الأسلحة والجانب الاقتصادی وانتهاج سیاسات أكثر حزماً في المنطقة لمواجهة النفوذ الإیراني”، مضيفاً أن ترامب “سيتبع سياسة صارمة تجاه إیران علی غرار حملة الضغط الأقصی التي مارسها عليها خلال ولایته الأولی بما في ذلك زیادة العقوبات وجهود عزل أعمق وخطاب أكثر عدوانية للحد من طموحات إیران النوویة ونفوذها الإقلیمي وإجبارها على تقديم تنازلات أكثر”.
بدوره لاحظ الإعلامي الحاصل على ماجستير في العلوم السياسية، بوتان تحسين، أن الحزب الجمهوري “يتولى مقاليد السلطة خلال الأوقات الحرجة والمفصلية في تاريخ الولايات المتحدة ما يعكس طبيعة المرجعية الفكرية والفلسفية للحزب في المشهد السياسي الأمريكي”، مشيراً إلى أن الجمهوريين “يستندون في نهجهم السياسي إلى المدرسة الواقعية (Realism)التي تضع المصالح القومية الأمريكية في صدارة أولوياتها متجاوزة بذلك الطروحات المثالية (Idealism) التي يتسم بها الديمقراطيون ويتجلى هذا النهج في إدارة الحزب الجمهوري للأزمات الكبرى كما حدث إبان الحرب العالمية الثانية”.
وعلى الرغم من التباين الواضح بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في السياسة الداخلية، رأى تحسين، أن السياسة الخارجية للحزبين “تنطلق من رؤية استراتيجية موحدة تستهدف حماية المصالح الأمريكية مع اختلاف في التكتيكات المتبعة وقد تعزز هذا التوجه في الآونة الأخيرة حتى بات يمكن وصف السياسة الخارجية الأمريكية بأنها سياسة الحزب الواحد (يوني بارتي) وحتى داخل الشارع الأميركي هنالك بعض الآراء بعدم وجود اختلاف عميق في الاستراتيجية إنما الاختلاف فقط في التكتيك مع ملاحظة أن تنفيذ البرنامج الانتخابي في الولايات المتحدة خاصة في جوانبه المتعلقة بالسياسة الخارجية يتم عبر وزارة الدفاع (البنتاغون) أكثر من البيت الأبيض أو وزارة الخارجية”.
ضغط أكبر على منتجي النفط
وقدر تعلق الأمر بقطاع النفط والطاقة، قال الخبير النفطي د. كوفند شيرواني، إن ترامب “يتميز بكونه رجل أعمال صاحب نظرة براغماتية يطلق الكثير من الوعود التي لا يتمكن من تنفيذ أغلبها”، متوقعاً أن يمارس ترامب “ضغطاً متزايداً على الدول المنتجة لزيادة الإنتاج وضمان عدم ارتفاه أسعار النفط”.
وأيده في ذلك د. إبراهيم صادق ملازادة، مبيناً أن المرحلة المقبلة قد “تشهد اتخاذ قرارات استراتیجیة تؤثر علی علاقات الولایات المتحدة مع الدول المنتجة للنفط وأن ذلك قد یشمل دعم الشراكات التي تتوافق مع المصالح الأمریكیة في مجال الطاقة والاستقرار في أسواق النفط”، محذراً من إمكانية “استخدام ترامب الأدوات الاقتصادیة كالعقوبات للتاثیر علی مواقف دول الشرق الأوسط التي تتعارض مع المصالح الأمریكیة”.
آمال بدور لحل مشاكل بغداد وأربيل
وبشأن أهداف الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه العراق وإقليم كردستان، توقع البروفيسور د. كمال عبد الله، أن “تتركز على أن يكون للنظام السياسي العراقي دوراً إيجابياً مؤثراً تجاه حالة الاستقرار والأمن الاقليمي أولاً وأن يتمكن العراق ثانياً من تنسيق جهود الأطراف السياسية تجاه المتغيرات الداخلية لاسيما معالجة الملفات العالقة بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية كونها إحدى أهم مطالب الشعب الكردي وعاملاً مؤثراً على مواقف القوى السياسية الكردية تجاه الحكومة الاتحادية”، لافتاً إلى أن الهدف الثالث “يتمثل باتخاذ الإجراءات اللازمة لإجراء الانتخابات التشريعية عام 2025 بما يخدم حالة الاستقرار السياسي والأمني في العراق لما لذلك من تأثير على استقرار الأمن الإقليمي”.
من جانبه رجح د. إبراهيم صادق ملازادة، أن “يستمر النهج السابق الذي تبناه ترمب في التعامل مع التحالفات القائم علی المعاملات إلی حد كبیر وأن یعتمد دعمه للكرد علی المصالح الاستراتیجیة الأمریكیة المباشرة مثل جهود مكافحة الإرهاب أو موازنة القوی الإقلیمیة”.
وتابع أن ترامب قد “يقدم الدعم التكتيكي للقوات الكردية إذا كانت هناك حاجة لها في العملیات الأمریكیة ضد الإرهاب لكن ذلك الدعم قد يتضائل بمجرد تحقیق الأهداف المباشرة”.
ومضى قائلاً إن “إحجام ترامب عن الحفاظ علی الالتزامات العسكریة والسیاسیة طویلة الأمد قد یعني مشاركة أقل اتساقاً من جانب الولایات المتحدة في التطلعات الكردية لمزید من الحكم الذاتي أو حلم الدولة”، منوهاً إلى أن ترمب “أشار إلى ذلك سابقاً بسحب القوات الأمركیة من شمال سوریا في عام 2019 مما ترك الحلفاء الكرد عرضة للعمل العسكري التركي الذي ما یزال يتفاقم وأدی إلی التطهیر العرقي في مدن عفرین وسری كانی ومناطق أخری ومع ذلك فقد ينشأ نمط جدید مع توجیه المشاركة الأمركیة بالمصالح الظرفیة بدلاً من التحالفات طویلة الأجل”.
بدوره أعرب د. كوفند شيرواني عن أمله بأن “تدفع إدارة ترامب لإبعاد العراق عن الصراعات الإقليمية التي لا ناقة له فيها ولا جمل وأن يتحقق الاستقرار في العراق وإقليم كردستان وأن تدفع إدارة ترامب للتعجيل بحل الخلافات والملفات العالقة والمستعصية بين بغداد وأربيل كالموازنة والرواتب وتخصيصات البيشمركة والمادة 140 والأهم ضمان مشاركة حقيقية وفاعلة للكرد في الحكومة الاتحادية بما يضمن حقوق الأطراف كافة وواجباتها”.
وتمنى الإعلامي أحمد الزاويتي، المدير العام لمؤسسة كردستان 24، أن “تستمر أمريكا بدعم القضية الكردية في أجزاء كردستان الأربعة (العراق سوريا إيران وتركيا)”، معرباً عن أمله بأن “لا يؤدي تفضيل ترامب عقد الصفقات مع الأنظمة لاسيما في العراق وتركيا خسارة للقضية الكردية أو تراجع دعمه لها”.
إلى ذلك قال الإعلامي محمد شيخ عثمان، رئيس مؤسسة المرصد الإعلامية، إن اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق، التي وُقعت عام 2008 “تعد وثيقة رئيسة لتحديد العلاقات الاستراتيجية بين البلدين”، مبيناً أنها وعلى الرغم من كونها “تنظم العلاقات الثنائية بين واشنطن وبغداد بعامة إلا أن لإقليم كردستان موقعاً خاصاً في هذا الإطار نظراً لدوره المهم في الاستراتيجية الأمريكية بالمنطقة التي أسهمت في إيجاد حلول وسط تدعم الفيدرالية من جهة وتقلل التوتر بين بغداد وأربيل من جهة أخرى وكذلك دعم المسار الدستوري للبلد”.
وعلى عكس التوقعات المتفائلة رأى عبد السلام برواري، أن من “حق كل كردي أن يضع يده على قلبه لأننا نتذكر جيداً نفي ترامب خلال ولايته الأولى (2016-2020) وجود أي تحالف بين الولايات المتحدة والكرد في سوريا وأنها لجأت إليهم لمسك الأرض كونهم مقاتلون أشداء ليس إلا ولا يوجد أي التزام أمريكي تجاههم”، مضيفاً أن ذلك “يجعل الكرد في سوريا كما تركيا يضعون أيدهم على قلوبهم خشية إمكانية وجود صفقات محتملة ضدهم”.
تنظيم البيت الكردي هو الأهم
ورأى محمد شيخ عثمان، أن إقليم كردستان “لا ينبغي أن ينتظر كيفية تعامل الإدارة الأمريكية الجديدة معه بل عليه مسؤوليات جمة لتعزيز مكانته في الاستراتيجية الأمريكية عبر تنظيم البيت الداخلي وتعزيز وحدته الداخلية والالتزام بالحكم الرشيد والحد من الفساد وكبت الحريات وغياب استقلالية القضاء خاصة بعد نجاح الانتخابات البرلمانية والتمسك بخطاب الوحدة والتكاتف بدلا من بث الفرقة والتسلط والتفرد والتكابر”، مؤكداً على أن الاستقرار السياسي والأمني الداخلي المستدام في الإقليم يشكل “عاملاً حاسماً لبقاء دوره محورياً ضمن الاستراتيجية الأمريكية ويجعله شريكاً موثوقاً لها في تحقيق الأمن ومحاربة الإرهاب في المنطقة”.
وفي هذا الصدد أيضاً، قال عبد السلام برواري، إن أمريكا “لا تمتك تصوراً خاصاً تجاه إقليم كردستان بعيداً عن العراق كونها تنظر إليه كجزء من العراق”، منوهاً إلى أن نظرة الولايات المتحدة للإقليم “هي ذاتها تجاه العراق وأنها لا تمتلك سياسة خاصة تجاه الإقليم بعكس تصورات البعض وما يشاع وقد لمسنا ذلك جلياً خلال السنوات السابقة”.
دعوة لإنقاذ العراق من الجفاف
أما الناشطة المدنية د. بسمة حبيب، فتمنت أن يكون للإدارة الأمريكية الجديدة “دوراً أكبر في حل مشكلة الجفاف بالعراق لاسيما أنه من بين أكثر البلدان تأثراً بالتغير المناخي نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وقلة تساقط الأمطار والسدود التي أقامتها دول الجوار على الأنهار المشتركة معه”، داعية إدارة ترامب لأن “تسهم بدور أكبر في الضغط على دول الجوار لإطلاق الحصة المائية للعراق والتخفيف من الآثار الخطيرة لظاهرة الجفاف الخطيرة التي يعاني منها”.
وحثت د. بسمة حبيب إدارة ترامب على “الإسهام في إنعاش الاستثمارات الأجنبية في العراق والمساعدة في تطوير البنية الاقتصادية والصناعية والزراعية العراقية لتمكين البلد من زيادة الاعتماد على نفسه وتقليل اعتماده على دول الجوار”.
منوهة إلى أنها كناشطة مدنية كردية ترى أن أمريكا “ستحرص على علاقتها مع إقليم كردستان وتستمر بدعم قوات البيشمركة في إطار الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب وتسهم في حل الملفات العالقة بين بغداد وأربيل وربما يكون لها دورها في حل المشكلات بين الأطراف الكردية لتسريع تشكيل الكابية الحكومية العاشرة في الإقليم”.