لولا سجن (أبي غريب)
فاتح عبدالسلام
يجب ألا نضحك على أنفسنا، اليوم صدر قرار محكمة أمريكية بتعويض ثلاث ضحايا من معتقلي سجن “أبو غريب” لدى الامريكان خلال احتلالهم العراق 2003، لكن جريمة احتلال العراق كله ليست لها تعويضات، وان الحكومات المتعاقبة في بغداد كانت مجرد رؤوس غائبة عن الوعي التاريخي لمسار «الوطنية « بمفهومها النظري والعملي، وغارقة في ملذاتها ولم تفكر في جلب تعويضات تنقذ كهرباء العراق وتبني صناعته ومفاعلاته النووية للأغراض السلمية من باب حسن النية التي يتوجب على اية دولة محتلة ان تقدمها كاستحقاق تاريخي تعويضي. فلا تزال “الجزائر” تلوي رقبة فرنسا كلما حانت الفرصة وتذكرها بالاعتذار التاريخي المستحق عن جرائم فترة الاحتلال الفرنسي الذي دام اكثر من مائة وثلاثين سنة.
الحكومات المتعاقبة والمتهافتة غضّت النظر حتى عن ضحايا أبو غريب الذين لا ينتسبون للأحزاب او المليشيات النافذة بالبلاد، وانغمس الجميع بالغنائم التي باتت تفيض على دول الجوار لكثرتها وتمكن اليد الخارجية من تسخيرها لصالحها.
لو لم تكن صور قليلة قد سرّبت الى الصحافة الامريكية في إطار صراع مراكز النفوذ في الإدارات الامريكية السابقة، لما جرى الكشف عن جرائم التعذيب في سجن أبو غريب، في حين كانت هناك سجون أخرى بقيت أوراقها قيد الكتمان.
لا تكذبوا على أنفسكم
في تصور انّ هناك حقوقاً مسترجعة من خلال انصاف محكمة أمريكية لعدد محدود جدا من الضحايا العراقيين، في حين انّ السجون السرية بالبلاد خارج مراقبة الدولة انتشرت منذ العام الذي انسحبت فيه القوات الامريكية وزادت فاعليتها في تغييب المئات والألوف أحيانا في اعقاب احتلال تنظيم “داعش” ثلث العراق ومن ثم إعادة تحريره مع خلط أوراق التصفيات بحسب الأحقاد والضغائن والاجندات الخارجية والداخلية ، من دون أن تتسرب صور لتلك الفظائع المرتكبة بأيدٍ محلية” وطنية” و(مقدسة) احياناً الى الصحافة الامريكية او سواها ، بل لعلّ أحداً لن يهتم بها سواء أسربت أم لم تسرّب.
التعاطي مع ملف احتلال العراق، كان سيئاً جداً، ولا توجد حكومة عراقية تعمل في سياق بحث حقوق بلد كامل من دون ان تكون نغمة « معاداة أمريكا « مجاملة لإيران ذات الخصومة العالية حاليا مع الولايات المتحدة، فذلك أمر اخر .
هناك استحقاقات في التفاهمات الواجب تحقيقها في التزامات قيل يوما انّ “الاتفاقية الاستراتيجية” تتكفل بها، لكن هذه الاتفاقية لا أحد يعلم من القائم على تنفيذها؟ ولماذا لا يشعر الشعب العراقي بوجودها ومنافعها أصلاً؟ وهل هو ثمن مسترد لاحتلال بلد ام بقية تبعية جديدة؟
نريد علاقات حقيقية وناضجة ومسؤولة مع الولايات المتحدة، من دون التحرك بدوافع خارجية، فمصلحة البلد تقبل أي شيء من اجل بناء كل ما هو محطم حتى لو كان ذلك يتجاوز نكسة الاحتلال السابق وسقوطه في الجرائم ضد العراقيين برغم انتهاء الحكم الذي كان مهيمنا عليهم.
عشرون سنة، حتى انصفت محكمة أمريكية بعض ضحايا سجن واحد، يا ترى هل سنشهد محاكم عراقية ذات يوم تنصف الالاف الذين كانوا ضحايا « المخبر السري» والمادة” 4 إرهاب” الملعوب بها سياسياً وخارجياً، وهل سننتظر في الدورة الانتخابية المقبلة “كذّابين” جدداً من طواقم السياسة يبيعون ويشترون مجددا بقضايا الضحايا والمغيبين والمضطهدين؟